الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألغام.. جريمة ضد الإنسانية مدفونة تحت الأرض
آن لفرنسا أن تنحني لحقائق التاريخ

أدركت فرنسا أن المناطق الحدودية تعتبر مصدر قلق بسبب استخدامها من قبل المجاهدين الجزائريين كمنفذ لعبور الذخيرة والسلاح، فأمر وزير الدفاع الفرنسي ''أندري موريس'' بإقامة خط شائك مكهرب على الحدود بين الجزائر وتونس في أواخر 1956، يمتد هذا الخط المكهرب من شاطئ البحر شرقي مدينة عنابة إلى جنوب مدينة تبسة، على مشارف الصحراء بفركان ونفرين، وأعيد دعمه في 1958 بخط شال. وليس وضع الحدود الغربية بأفضل، فقد حصدت الألغام أرواح المئات وأكثر من ذلك من المعاقين والجرحى.
جوادي محمد رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام ل''الخبر''
أكثر من 12 ألف مصاب بعاهات يعانون في صمت
يصف رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام، جوادي محمد، خطر الألغام ب''الحرب النائمة''، غير المعلنة والمدفونة تحت الأرض التي تستهدف الأبرياء، خاصة مربي الماشية والفلاحين والأطفال. وحسبه، فإن الأرقام تشير إلى وجود ما لا يقل عن 12 ألف ضحية، مصابون بعاهات ويعانون في صمت، ناهيك عن المتوفين، ما يفرض على فرنسا الاعتراف بالضحايا والتكفل بهم والاعتذار للشعب الجزائري.
يقول رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام، إن فرنسا تدعي بأنها أثناء احتلالها للجزائر، زرعت 11 مليون لغم في الحدود الشرقية والغربية، وتستند في ذلك إلى خرائطها التي فقدت مدلولها ومصداقيتها لسببين: أولهما العوامل الطبيعية كالأمطار وانجراف التربة والأودية التي حركتها وزحزحتها عن أماكنها إلى أخرى بمسافة قد تصل إلى 5 كلم وأصبحت على وجه الأرض بفعل عامل التعرية في متناول الأطفال الذين يعتقدون أنها لعب يتسلون بها. والسبب الثاني أن فرنسا، واستنادا إلى معطيات الواقع، فإن الألغام لم تكن في الحدود فقط بل في جميع تراب الوطن بما في ذلك المدن الداخلية كبرج بوعريريج التي تحصي 140 مصابا وبسكرة ب250 مصاب وخنشلة والمسيلة والأغواط وغيرها. وفي هذا الصدد، أشار جوادي إلى أن المعطيات التي بحوزته تشير إلى وجود 12 ألف ضحية، مصابون بعاهات دائمة ويعانون في صمت من جميع النواحي، خاصة من الجانب الاجتماعي والنفسي.
وبخصوص عدد الألغام، أضاف محدثنا أن فرنسا صرحت برقم 11 مليون، كما سبق الذكر، لكن الواقع يؤكد الضعف، بالنظر إلى ما يقع في القرى والمداشر، فهي تحاول التستر على الجرائم وحصرها في خطي شال وموريس. مع العلم أن الجيش الوطني الشعبي قام بتفكيك 8 ملايين لغم، والألغام مازالت مدفونة في الأرض تستهدف الأبرياء، لذا يطالب جوادي، كرئيس جمعية وطنية تهتم بهذا الملف، بتمديد آجال اتفاقية ''أوتاوا'' (كندا) المتعلقة بإزالة الألغام التي ستنتهي في 2012 وإضافة، على الأقل، بضع سنوات للتخفيف من حدة هذا الخطر النائم.
وحمّل رئيس الجمعية فرنسا مسؤولية ما يجري واتهمها بالخبث وعدم مصداقية نواياها، حيث كان بإمكانها إزالة هذه الألغام مباشرة بعد الاستقلال عن طريق تسليم الخراط وتجنيد المختصين لإزالتها. واستغل محدثنا المناسبة لمطالبتها باسم جميع الضحايا بالاعتذار للشعب الجزائري، والتكفل الصحي بالضحايا الذين فقدوا الأطراف العليا والسفلى والبصر والذاكرة والتعويض المادي، رغم أن الدولة الجزائرية لم تتخل عن هذه الشريحة من جميع النواحي.
وعن هذا المطلب، يضيف جوادي أن العديد من الجمعيات الفرنسية ساندته بمناسبة عرض شريط تلفزيوني، شوهد في جميع بقاع العالم ومنها فرنسا، حيث تفاعلت معه جمعيات فرنسية وطلبت من الرئيس ساركوزي، كتابيا، ضرورة الاعتراف بالضحايا والتعويض المادي والاعتذار للشعب الجزائري.
الضحايا في الطارف يتجرعون معاناة ومآسي وتبعات إصاباتهم
ألف ضحية وصمة عار على جبين فرنسا
تشير الإحصاءات الرسمية التاريخية والإدارية والجمعوية، إلى أن ألغام خطي شال وموريس العابرين ل15 بلدية بولاية الطارف، أصابت أزيد من ألف ضحية بين قتيل ومعاق، ومازال الخطر في الكثير من المواقع يهدد بمزيد من الحوادث، رغم مرور 52 سنة على إنشاء الخطين الملغمين بأكثر من مليون لغم ضد الأفراد والجماعات.
وتفيد أرقام مديرية المجاهدين بولاية الطارف بأن ألغام فرنسا خلفت 232 شخص معاق على قيد الحياة و105 متوفٍ في الطارف وقرابة 150 شخص لقوا حتفهم مباشرة يوم الحادث في السنوات العشرة الأولى من الاستقلال. وفي ظل غياب تقنين التبليغ، يجهل عدد الضحايا الذين غيروا إقامتهم من الولاية وغيرهم من الضحايا خارج الإحصاءات الرسمية، بينما يفيد ما تبقى من أرشيف مستشفى القالة ومستشفيات عنابة باستقبالها، من الاستقلال إلى يومنا هذا، أكثر من 600 ضحية، تم التكفل بهم لفترات تراوحت بين 15 يوما إلى 3 أشهر.
وتشير وثيقة تاريخية لمعارك جيش التحرير الوطني بالمنطقة، إلى سقوط 244 شهيد أثناء محاولتهم اختراق خطي شال وموريس، من أجل تمرير السلاح وفك الخناق عن الثورة. وعلى طول مسار الخطين المكهربين والمزروعين بالألغام، على مسافة 170 كلم وبعرض يتراوح بين 6 إلى 60 مترا ويتعلق الأمر بخط موريس الذي يعبر 7 بلديات (الشط انطلاقا من البحر مرورا ببن مهيدي والبسباس والذرعان وشيحاني وعصفور)، والثاني يوازي الأول بنحو100 كلم وهو خط موريس الذي يعبر 8 بلديات، انطلاقا من أم الطبول الساحلية، مرورا بالعيون ورمل السوق وعين العسل والطارف والزيتونة وعين الكرمة وبوحجار، فإنه بعد مرور أكثر من نصف قرن زالت الأسلاك والقضبان الحديدية من ميدان مسارهما، غير أن أبراج المراقبة العالية مازالت شواهد قائمة على مخاطر الألغام الحية النائمة تحت الطبقة العلوية للتربة، وخاصة المندسة تحت الأحراش والأدغال الغابية وأخرى بالمراعي في التلال الجبلية.
وكلما توغلنا في مناطق التجمعات السكانية في القرى والريف والمراكز العمرانية للبلديات المتضررة، تظهر للعيان مشاهد المأساة وسط العديد من المعاقين ضحايا هذه الألغام، يحتسون معاناة ومآسي وتبعات إصاباتهم المختلفة من بتر الأطراف السفلية والعلوية من اليدين والرجلين والأصابع والحروق في الوجه وفي العيون، وما خفي أفظع.
950 ضحية تصارع الفقر بتبسة
بالرغم من أن شحّ الإحصاءات بشكل دقيق لعدد الضحايا في هذا الملف ميزة أساسية، بالنظر إلى وجود ضحايا للألغام المضادة للأفراد، المزروعة من قبل المستعمر الفرنسي في مناطق معزولة تماما عن المدن، وآخرين يجهلون كيفيات التسجيل للاستفادة من المنحة الزهيدة التي ترصدها الدولة لهؤلاء الضحايا، غير أن مصادر موثوقة تؤكد ل''الخبر'' أن عددهم يفوق 950 شخص، تعرضوا لإصابات مختلفة، بينهم 170 سيدة أرملة و158 من الأصول، وهي أرقام أحصيت قبل .1962
وحسب معلومات مستقاة من مصالح إدارية، فإن المنح الشهرية التي يستفيد منها هؤلاء الضحايا، تتراوح ما بين 4 و10 آلاف دينار. وفي تبسة، يتوزع هؤلاء في أغلبيتهم على بلديات الشريط الحدودي، وتحديدا ونزة وعين الزرقاء والمريج والكويف، مرورا بالماء الأبيض إلى أقصى جنوب الولاية حتى الحدود مع ولاية وادي سوف. ويقول ضحايا إن عدد الأصول والأرامل من ذوي الحقوق في هذه الفئة، في تناقص مستمر، وهؤلاء أفنوا أعمارهم في العيش بالمناطق الريفية والجبلية، يتكبدون الفقر والمرض دون فحوص طبية أو الحد الأدنى من مستوى العيش الكريم.
4 آلاف شخص بين قتيل ومعاق في تلمسان
في ولاية تلمسان لوحدها، يقدر مصدر رسمي عدد المصابين بالألغام الفرنسية المزروعة على طول الشريط الحدودي الغربي، في إطار خط موريس الجهنمي، بأربعة آلاف شخص بين قتيل وجريح ومعاق.
وحسب الناطق باسم جمعية الحياة للمعاقين، حسين بلبشير، فإن خطر هذه الألغام ازداد بوتيرة مقلقة، بفعل تحول الخرائط التي خلفتها فرنسا إلى وثائق غير مجدية بفعل العوامل الطبيعية التي غيرت مواقع الألغام، مثلما تم معاينة ذلك ميدانيا بمنطقتي العابد والعريشة جنوبي مدينة تلمسان في .2009 ويضيف بلبشير أن آخر ضحيتين حصدتهما الألغام، اثنان من رعاة الأغنام لقيا حتفهما بالمناطق السهبية الحدودية في .2007 وعن معاناة الضحايا، يقول بلبشير إنهم يشتكون من مشاكل اجتماعية بسبب منحة التعويض ''الهزيلة''، التي تقدر بثلاثة آلاف دينار، خاصة إذا علمنا بأن منهم من فقد بصره وأطرافه وتعرض لإعاقة دائمة. وتحت إشراف اللجنة الوزارية المشتركة لمتابعة تنفيذ اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام وبتمويل مشترك من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنمية في الجزائر، ولأن الفعل التوعوي يحتاج إلى فاعلين ميدانيين، فإن جمعية الحياة للمعاقين، دأبت على مر السنوات الماضية، على التحسيس بمخاطر الألغام التي تزداد خطورة بفعل العوامل الطبيعية، إذ أصبحت أقرب إلى التعرية وبذلك تزداد فتكا بالإنسان. كما يعتبر الضحايا أنفسهم ضحايا الفعل الإجرامي الاستعماري المخالف للقوانين الدولية، ويطالبون بتصنيفهم في درجة المجاهدين من ضحايا الاستعمار، إضافة إلى مطالبة الدولة الفرنسية بالتعويض والاعتذار للضحايا.
الجزائر في قلب الحملة الدولية المضادة للألغام
في إطار الحملة الدولية لنزع الألغام ضد الأفراد والجماعات، تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وتطبيقا لاتفاقية ''أوتاوا'' بكندا المتعلقة بهذا الشأن والهادفة إلى ''صفر ألغام مع صفر ضحايا'' مع نهاية 2012، شرعت الجزائر مبكرا في تطبيق هذا المخطط بنحو 6 أشهر قبل اعتماده دوليا، وانطلقت عملية نزع الألغام من قبل وحدات مختصة للجيش الشعبي الوطني مع نهاية 2007، ومست العملية إلى غاية نهاية أوت الماضي 6 بلديات بولاية الطارف، استهدفت خط شال في جزئه الشمالي.
وحسب مصدر عسكري مسؤول، فإن ذات العملية وفي 170 موقع بعد مسح مساحة 120 كلم مربع، مكنت من نزع 14041 لغم ضد الأفراد و594 لغم ضد الجماعات و578 لوبي مضيء، يضاف إلى ذلك أكثر من 500 لغم من كلا النوعين، تم نزعها بعد اكتشافها في مشاريع الأشغال العمومية المنجزة داخل أو في حزام خطي شال وموريس.
ونظرا لصعوبة هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر في الطارف، كما هو الشأن لولايتي الجوار فالمة وسوق أهراس، بحكم التضاريس الجبلية الصعبة بأدغال غاباتها ومنحدراتها وقمم جبالها ووديانها، فإن الحملة الدولية لنزع الألغام قد تقتنع، في منتدياتها القادمة، بضرورة تمديد مخططها إلى 5 سنوات إضافية، خاصة أن نفس الصعوبات مازالت مطروحة في دول أخرى من العالم.
الجهات المكلفة بإحصاء المصابين لم تكلف نفسها عناء تسجيلهم
عجز في التكفل بفئة المعطوبين ببشار
يتحدث ضحايا ألغام المستعمر الفرنسي ببشار، بحسرة، عن التجاهل الذي يطبع السلطات الرسمية في التكفل بمعاناتهم واحتياجاتهم، وباستثناء بعض المبادرات الخاصة التي تشرف عليها ''الجمعية الثقافية لإدماج الأشخاص المعاقين ببشار'' و''جمعية رعاية المعاقين بدائرة اقلي''، فإن هذه الفئة لاتزال تصنف ضمن خانة ''المهمشين''.
حسب المعطيات المتحصل عليها من مديرية المجاهدين لولاية بشار، فإن هناك 45 شخصا من ضحايا الألغام الحاصلين على المنحة، بينما لا تزال الكثير من الملفات قيد الدراسة على مستوى الوزارة، ولم تر النور لحد الساعة، وهو ما أثار استياء الكثير ممن تحدثت إليهم ''الخبر''، الذين تساءلوا عن مصير ملفاتهم، واستهجنوا هذا التأخر في اجتماع اللجنة الوزارية المختصة. واللافت، حسب المعطيات التي حصلت عليها ''الخبر'' وتطابقت مع مصادر رسمية، أنه لا توجد إحصاءات رسمية تحدد عدد الضحايا بالضبط، وهذا لأسباب متداخلة يأتي في مقدمتها أن حالات تم تسجيلها والأخرى لم تسجل، وهو ما يعني، حسب ذات المصادر، أن الجهات الرسمية المكلفة بالتعاطي مع هذا الملف لم تكلف نفسها عناء تسجيل هؤلاء الأفراد، فضلا عن القول بإعداد ملف متكامل لأوضاع هؤلاء.
وفي هذا الصدد، فإن الجهات الرسمية التي على علاقة بهذا الملف، لم تكلف نفسها القيام بحملات تحسيسية أو ذات طابع توعوي، وهو الأمر الذي اقتصر فقط على نشاط ''الجمعية الثقافية لإدماج الأشخاص المعاقين ببشار'' و''جمعية رعاية المعاقين بدائرة اقلي''، وهو ما حال في الكثير من الأحيان دون وقوع مزيد من الضحايا.
وبالنظر إلى قائمة الضحايا والمناطق التي يتواجدون بها، نجد أن المستهدف الأول من الضحايا في بشار هم الآلاف من البدو الرحل، والرعاة والسياح، إلى جانب أبناء الولاية ممن يفضلون قضاء عطلة نهاية الأسبوع في البادية أو الصحراء، ويضاف إلى هؤلاء بعض الموالين والرعاة ممن يقدمون من خارج الولاية لرعاية أغنامهم في الصحراء.
ولحد كتابة هذه الأسطر لا تتوفر أرقام رسمية عن عدد الألغام المزروعة في مناطق ولاية بشار، باستثناء العدد التي تصرح به مصالح الجيش الوطني الشعبي والتي استطاع أفرادها، في إطار العملية الموكلة بهم، نزع الآلاف منها، إلا أن خطرها لايزال لحد الساعة قائما، لأن سكان بشار مازالوا يتذكرون المأساة التي راحت ضحيتها عائلة كاملة من الجلفة سنة 2008، والتي قدمت لرعاية أغنامها في الصحراء.
مطالب لم تتحقق وقانون طال انتظاره
تبقى فئة المعطوبين بفعل شظايا الألغام، رهينة العيش بمنحة لا تتجاوز 12 ألف دينار شهريا للمعاقين بنسبة 100 بالمائة و2400 دينار لأدنى حد من النسبة 20 بالمائة. واليوم، غالبية الضحايا عاجزون عن العمل، بحكم إعاقاتهم البليغة في بتر الأطراف، مع الحرمان من حق الطعن في نسبة العجز رغم مضاعفات الإعاقة مع تقدم العمر. وتطالب الفئة ذاتها بقانون يحمي حقوقها وبطاقة مميزة لإعاقتها جراء الألغام الاستعمارية، إلى جانب رفع نسبة تشغيلها في المؤسسات العمومية والاقتصادية من 1 إلى 3 بالمائة، كما تنص المواثيق الدولية. وحسب رئيس جمعية التضامن مع ضحايا الألغام، يوسف رفعي، فإن غياب التكفل النفسي بالضحايا خلال العشريتين اللتين أعقبتا الاستقلال، أثر بشكل كبير على التكفل بهذه الفئة. وقد يكون وراء ذلك غياب المختصين في تلك الحقبة من الزمن، وهو الفراغ الذي سارعت الجمعية إلى التكفل به رغم فوات الأوان لبعض الفئات المصابة والمتقدمة في العمر، ولكنه ضرورة إلزامية طالما الخطر مازال قائما، فجندت متطوعين مختصين أسندت لهم هذه المهمة مع تدعيمهم بمساعدين اجتماعيين.
شهادات ناجين من الموت
الألغام لا تفرق بين البشر والبقر والشجر
يروي عمي مسعود والعربي من أبناء منطقة الكويف (تبسة)، جزءا من المعاناة فيقولان: ''فقدنا أرجلنا وأصبنا بأمراض فتاكة نتيجة شظايا المتفجرات ضد الأفراد، التي أصابتهم في مراعي الغنم والأبقار التي تعرضت هي أيضا للموت''. ويضيف عمي مسعود: ''نعاني آلاما حادة في أجسامنا بعدما استقرت الشظايا في جسمي ونحن محرومون من الفحوص الطبية.. لقد دخلنا طي النسيان.. ماذا سنفعل بمصدر رزق لا يتجاوز ال10 آلاف دينار الجوارب الخاصة والأحذية نستخدمها لسنوات.. إن الملجأ الوحيد لنا هي أسواق الشيفون والملابس المستعملة، فأغلبية الأوقات تجدنا نتردد على هذه الفضاءات عند فتح (البالات)، عسانا نعثر على جوارب تليق بهذه الأرجل أو الأيدي الاصطناعية''. وعن قصته مع الألغام، يقول الطاهر صالحي، 56 سنة، متزوج وأب ل5 أطفال، ''فقدت رجلي في 1967 في سن الطفولة بدوار ذراع الزناد، كنا نلعب وتقدمنا من منطقة خط شال.. قيل لنا إنها كانت محل تطهير وتمشيط من الألغام.. فحدث ما حدث.. أنا الآن أعمل في موقف مؤجر مع 3 شركاء وأبنائي وأتقاضى 10 آلاف دينار من خزينة الدولة.. مبلغ لا يفي نفقاتي العائلية، فما بالك بتكاليف الفحوص الطبية ولواحق الأطراف التي بترت في الانفجار''.
محمد يوسيف أصيب بالقرب من منزله
من الحالات الغريبة التي وقفت عليها ''الخبر''، حالة محمد يوسيف، 44 سنة، الذي ينحدر من دائرة بني ونيف، 150 كلم شمال عاصمة الولاية بشار، والذي أصيب بجروح خطيرة، بعد أن انفجر عليه لغم على مسافة 150م من مقر سكناه بالحي الجديد ببني ونيف، ولحسن الحظ أنه نجا بأعجوبة.
المخفي الزقالم فقد رجله عام الاستقلال
تسلمت ''الخبر'' حالة إنسانية تعد، حسب القائمين على هذا الملف، استثنائية لمأساتها، على اعتبار أن الضحية فقد رجله، ليعود بعد 20 سنة، ليفقد 4 أبناء دفعة واحدة، تلك هي قصة عمي المخفي الزقالم، وهو رجل ثمانيني، فقد رجله بسبب لغم مزروع بصحراء الواد لخضر سنة 1962، حين كان بصدد البحث عن شاة له فقدها، ليجد نفسه بعد لحظات فاقدا لرجله.
.. ويفقد 4 أبناء دفعة واحدة بعد 20 سنة
ولم تتوقف مأساة الحاج الزقالم عند هذا الحد، لأنه لم يلبث بعد مرور 20 سنة، أن تلقى خبرا مفجعا لايزال يتجرع مرارته كل ما تذكره، حيث فقد 4 أبناء دفعة واحدة، أصغرهم كان في السادسة من العمر وأكبرهم شاب يافع في العشرين من العمر، وهذا عندما كانوا يرعون الغنم ببادية الزيبة ببني ونيف، قبل أن يفاجئهم لغم كان مزروعا تحت الأرض.
لغم حرمه زهرة عمره
مبارك ولد عدي إرادة تحدت الإعاقة
تعد قصة عمي مبارك ولد عدي، وجها آخر لمأساة ضحايا الألغام، فالرجل مازال يتذكر ذلك اليوم المشؤوم من العام 1984، حيث انفجر عليه لغم رفقة صديقين له، أحدهما فارق الحياة على الفور والثاني لايزال حيا. الرجل يعاني من إعاقة تقدر ب75 في المائة، يقول إنه كان، رفقة زملائه، بصدد توسعة ثقب فأس لاستعماله في أغراض الزراعة، واضطروا لاستعمال لغم ظنا منه أنه قطعة حديدية عادية، فباشروا بالضرب بها، قبل أن يتفاجأوا بانفجارها، حيث قتل صديقهما، فيما لايزال رفقة الحاج مسعودي عبدالقادر يتذكران هذه المأساة. ومع هذا مازال عمي مبارك أوباري، كما يحلو لسكان العبادلة مناداته، يتحدى الإعاقة ويزاول بعض الأنشطة كالزراعة وغيرها، ومع هذا فهو يرجو التفاتة رحيمة من السلطات لوضعيته ووضعية الآلاف ممن حرمهم المستعمر الفرنسي من متعة الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.