خلفت الألغام المضادة للأشخاص، التي زرعها المستعمر الفرنسي عبر العديد من مناطق الوطن منذ الاستقلال وإلى غاية اليوم، 6797 ضحية، حيث استشهد منهم 3255، في حين أصيب 3542 شخصا بإعاقات مختلفة، وذلك حسب إحصائيات وزارتي المجاهدين والتضامن الوطني، قدمها أمس السيد مسعود عظيمي، ضابط سابق في الجيش الوطني الشعبي ومختص في الملف. وقال السيد عظيمي على هامش ندوة تاريخية وتحسيسية نظمها منتدى "المجاهد" تحت عنوان "جرائم الاستعمار الفرنسي، الألغام المضادة للأشخاص نموذجا"، بمناسبة اليوم العالمي للألغام المصادف لتاريخ 4 أفريل من كل سنة، أن هذه الأرقام تبقى تقريبية في ظل غياب هيئة وطنية تحصي بصفة مباشرة الضحايا، إضافة إلى إحجام بعض الضحايا عن التبليغ عن أنفسهم بسبب غياب حملات تحسيسية في هذا المجال. وقدر السيد عظيمي عدد الألغام التي زرعها المستعمر خلال الثورة ب11 مليون لغم، تم القضاء على أكثر من 8 ملايين منها منذ الاستقلال. في حين يقدر عدد المتبقية منها ب3ملايين لغم مازالت منتشرة، مشيرا إلى أن الجيش الوطني الشعبي بذل جهودا معتبرة من أجل كشف المناطق الملغومة في ظل رفض السلطات الفرنسية تسليم الخرائط الخاصة بذلك واكتفائها بتسليم نظيرتها الجزائرية سنة 2007 خرائط عن خطي شال وموريس. ولم يول الضابط السابق في الجيش أهمية كبيرة بخصوص مطالبة فرنسا حاليا بهذه الخرائط، كونها لم تعد مفيدة بسبب عوامل التعرية التي تعرضت لها بعض المناطق الملغومة، حيث أصبحت هذه الألغام تزيد عن 70 غراما، مما يجعلها خلال الأيام العاصفة تتحرك من مكانها لتصل مثلا إلى قارعة الطريق كما حدث في ولاية النعامة في إحدى المرات وهو ما يشكل خطرا على الأطفال الذين قد يعبثون بها ليكونوا بذلك ضحايا لها. وفي غياب هذه الخرائط وأمام الجهود التي تبذلها الجزائر من أجل تطهير أراضيها، أشار السيد عظيمي إلى أن آجال القضاء النهائي على الألغام كان يفترض أن يكون في أفريل 2012 وفق الاتفاقية الدولية، غير أن الجزائر طلبت تمديد الآجال لخمس سنوات أخرى بسبب ارتفاع تكلفة العملية. وأوضح المختص في ملف الألغام أن الجزائر أصيبت بهذه الآفة من خلال ثلاث مراحل من تاريخها المعاصر، فخلال الحرب العالمية الثانية اضطر بعض الحلفاء إلى زرع الألغام بمناسبة عبور وحداتهم بالجزائر، أما المرحلة الثانية فتعد الأخطر، حيث لجأ المستعمر إلى تلغيم الحدود الغربية والشرقية، في حين أن المرحلة الأخيرة كانت في فترة التسعينيات، حيث عرفت البلاد نوعا جديدا من الألغام وتسمى بالتقليدية، استعملتها الجماعات الإرهابية في المناطق التي كانت متواجدة بها وهي ألغام تدخل في تعريف الاتفاقية الدولية. وعاد السيد عظيمي للحديث عن دوافع إنشاء فرنسا لخطي شال وموريس والذي كان من أجل عزل الثورة التحريرية وعدم تمكين المجاهدين من جلب الأسلحة من المغرب وتونس بعد الضربات الموجعة التي وجهها لها الثوار. وقال إنه كان على فرنسا أن تكفر عن ذنبها من خلال تسليم الخرائط للسلطات الجزائرية مباشرة بعد الاستقلال غير أنها رفضت، مما جعل الجزائر تعتمد خطة وطنية بين 1963 و1988 من أجل نزع الألغام بمساعدة بعض الأصدقاء، كما هو الشأن للجيش السوفياتي (سابقا). مشيرا إلى أنه بعد مصادقة الجزائر على الاتفاقية الدولية اضطرت لتطهير أراضيها على الحدود وحتى الألغام التقليدية التي زرعتها الجماعات الإرهابية خلال سنوات التسعينيات والعمل على إزاحة الهاجس النفسي للسكان الذين يعيشون على مقربة القطعة الأرضية التي تم تطهيرها من الألغام. وإذ أشار إلى أن الاستعمار الفرنسي مازال إلى يومنا هذا يحصد أرواح الأبرياء، فقد أكد السيد عظيمي أن الحرب مازالت مستمرة، مما يستدعي تدخل كل المنظمات غير الحكومية والصحافة من أجل التجند وكشف جرائم الاستعمار الفرنسي المرتكبة في الجزائر. من جانبه، قال السيد محمد جوادي، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن ضحايا الألغام الذي يعد أحد ضحاياها عندما كان في سن ال14، أن الألغام مزروعة في جميع مناطق الوطن وليس على مستوى خطي شال وموريس، وقدم في هذا الصدد نماذج عن بعض الولايات التي كانت ضحية هذه الألغام بعد الاستقلال مثل برج بوعريريج التي سجل بها 142 ضحية، بسكرة 350 ضحية والاغواط أكثر من 400 ضحية. وقد توالت خلال هذه الندوة شهادات لضحايا الألغام، أبرزت بشاعة الآفة والآلام التي مازالت تخلفها في النفوس وجعلت المتضررين منها يدعون إلى لفت انتباه الرأي العام الوطني والدولي للتحسيس بخطورتها. وهو ما أشار إليه يوسف رافعي، الناطق الرسمي لفرع الجمعية بولاية الطارف وهو أستاذ في الموسيقى، تعرض لانفجار لغم عندما كان في التاسعة من عمره، مسجلا إصابة 10 آلاف ضحية سنويا بسبب الألغام، وأن 65 دولة مازالت مهددة بوجود ألغام على أراضيها. في حين دعا الدول التي لم توقع الاتفاقية الدولية للانضمام إليها. كما دعا إلى ضرورة مساعدة الضحايا لتمكينهم من ممارسة حقوقهم، مشيدا بالجهود التي قامت بها الجزائر لتطهير العديد من المناطق من هذه الألغام. من جانبها، أوضحت رئيسة مشروع المنظمة الدولية للمعاقين سليمة رباح أن الجزائر لم تنتظر الاتفاقية الدولية من أجل البدء في نزع الألغام، بل أنها سارعت إلى ذلك سنة 1963 من منطلق قناعتها بخطورتها على حياة الأفراد. وقبل بداية الندوة، عرض شريط حول الألغام وضحاياها من إنتاج التلفزيون الجزائري تحت عنوان "لماذا دمرناها؟". كما قدمت عند الاختتام شهادات تكريمية للمشاركين.