رحابي: مساندة الجزائر للقذافي أضعفت قدرتها على الإقناع في ليبيا رغم أن الجزائر أصبحت، في الفترة الأخيرة، محجّا لقادة دول إفريقية مجاورة، إلا أنها لم تنجح في افتكاك موقف صريح رافض للتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، إذ لا يزال الرؤساء الأفارقة يبقون على هذا الخيار واردا في احتمالات معالجة الأزمة، في حال فشلت المساعي الدبلوماسية التي تقودها الأممالمتحدة في إعادة الاستقرار إلى ليبيا. لم تخرج زيارات رؤساء التشاد والسينغال والنيجر، على التوالي، إلى العاصمة الجزائرية، عن نطاق التنديد بالإرهاب والدعوة لتكثيف الجهود من أجل مكافحته في منطقة الساحل، دون الإشارة الواضحة إلى تبني الخيار الجزائري المبدئي في رفض التدخل العسكري في ليبيا مهما كانت الظروف. واختار القادة الأفارقة بدلا عن ذلك خطابا دبلوماسيا يحتمل أكثر من تفسير في تعاطيهم مع الأزمة الليبية، فهم من جهة يتجنبون إغضاب الجزائر التي تقود جهود وساطة كبيرة في مالي، ويزكون المساعي الدبلوماسية الحالية التي ترعاها الأممالمتحدة في جنيف، لكنهم يحافظون، في الوقت ذاته، على موقف يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى مساند لقرار تدخل عسكري في ليبيا بضغط من القوى الدولية النافذة في المنطقة. هذا الخطاب “المزدوج أو المطاط” ظهر جليا في زيارة الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الذي أكد خلال زيارته للجزائر، نهاية الشهر الماضي، أن “هناك تطابقا في وجهات النظر بين بلده والجزائر بشأن تسوية أزمتي ليبيا ومالي”، وهو كلام ينافي تماما دعوته الصريحة للتدخل العسكري حين طلب قبل ذلك من الناتو “استكمال ما بدأه” خلال مؤتمر دكار. بينما اكتفى الرئيس النيجري، محامادو إيسوفو، بالقول إن الجزائر والنيجر قد اتفقا على “تجنيد” و«توحيد” قدراتهما العملياتية والاستخباراتية من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية. أما الرئيس السينغالي فأوضح أن تحليل الرئيس بوتفليقة الدقيق للوضع ساهم في إعطاء بعد آخر للقراءة التي يجب تقديمها بخصوص النزاع في مالي وليبيا”، وهو تصريح لا يمكن الخروج منه بأي موقف. وقبل الزيارات الأخيرة للقادة الأفارقة إلى الجزائر، سجلت تشادومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو، المعروفة ب«مجموعة الخمس للساحل”، موقفا أكثر صراحة في اجتماعها بنواقشوط، في 20 ديسمبر الماضي، بتوجيه “نداء إلى مجلس الأمن الدولي لتشكيل قوة دولية بالاتفاق مع الاتحاد الإفريقي، للقضاء على الجماعات المسلحة والمساعدة في المصالحة الوطنية وإقامة مؤسسات ديمقراطية مستقرة” في ليبيا. لكن وزير خارجية الجزائر، رمطان لعمامرة، خلال لقائه الأخير مع وزير الخارجية الألماني، يعتقد أن هذا الإعلان الذي يتناقض مع موقف الجزائر كليا فُهم خطأ، في حين كان قصد الرؤساء الأفارقة، حسبه، هو التركيز على محاربة الإرهاب، وتكاتف جهود الجميع في محاربة هذه الآفة” ! ويعتقد الدبلوماسي الجزائري السابق، عبد العزيز رحابي، أن الجزائر يصعب عليها افتكاك موقف صريح من الزعماء الأفارقة برفض التدخل العسكري في ليبيا، لأن هذه الدول ضعيفة وهشة وخاضعة للحماية العسكرية الفرنسية. ويضاف إلى ذلك، وفق رحابي، أن الأفارقة يعلمون أن موقف الجزائر في إنجاح مسعى الحوار في ليبيا ضعيف بسبب مساندتها للقذافي في معركة المعارضة للإطاحة به. ويقرأ سفير الجزائر في إسبانيا سابقا، في الزيارات المتتالية للقادة الأفارقة إلى العاصمة، رغبة من الجزائر في العودة إلى عمقها الإفريقي بعد أن تم إهماله ل15 سنة. كما أن الجزائر تكافح بكل ما تملكه من قدرات دبلوماسية وتأثير لتجنب التدخل العسكري في ليبيا، لعلمها أن تداعياته ستكون كارثية عليها وعلى المنطقة ككل.