"نحن متفهمون لموقف الجزائر الحيادي من أحداث ليبيا" "نؤيد مقاربة شاملة في مكافحة الإرهاب" اغتنمت ”الفجر” فرصة وجود، بركة وردكو المهدي، رئيس المجلس العسكري لمنطقة مرزق الليبية وقائد تحرير المنطقة الجنوبية في ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي، في رحلة علاجية إلى الجزائر من أجل الظفر بلقاء معه قبل المغادرة، حيث خصنا بحديث عن جملة من الأمور المتعلقة بليبيا الجديدة والوضع في الجنوب الليبي، ودور قبائل التبو ذات الامتداد الواسع في الصحراء الكبرى والتي يمثلها، دورها في مقارعة الاحتلال الإيطالي، وانخراطها في مسعى الحرية والانعتاق من النظام الديكتاتوري الفردي، فضلا عن تطرقه إلى رؤيته للعلاقات الليبية مع الجزائر، ودور الجزائر المحوري في المنطقة. في البداية نود من سيادتكم وضع القارئ الجزائري في صورة المشهد الليبي الآن؟ الوضع في ليبيا يعرف تحسنا مشهودا، فالمرور من حكم الفرد والديكتاتور لأزيد من أربعة عقود إلى المساهمة الشعبية في السلطة وإعادة الكلمة إلى الشعب من أجل الوصول إلى تكريس الممارسة الديمقراطية على كل المستويات ليس بالأمر الهين، لأن العملية السياسية وإعادة البناء تحتاج إلى متسع من الوقت وإلى جهود كل الليبيين، وعليه من الطبيعي جدا تسجيل جملة من النقائص والقلائل الناتجة عن تسيير أي مرحلة انتقالية، لكن يبقى تجسيد الغرض الشريف لثورة 17 فبراير من حرية، عدالة، مساواة، أمن واستقرار أمل كل الليبيين. يعني أن ليبيا الآن لا زالت تعيش على الإفرازات والقنابل التي زرعها النظام السابق؟ الأمر طبيعي لأي تحول سياسي نحتاج إلى الوقت وتظافر الجهود لتجاوز المشاكل وحلها، فكما اتحد الليبيون وقاوموا الاحتلال الإيطالي وقضوا على تبعاته واتحدوا من أجل الظفر بالحرية والمساواة بإزاحة الحكم الفردي والتسلطي، سيتجاوزون حتما مطبات هذه المرحلة الانتقالية، ولنا كامل الثقة في تحقيق كل الآمال بطريقة مرحلية، ولنا كل الثقة في حكومة السيد علي زيدان باعتبارها ثمرة من ثمرات إعادة البناء المؤسساتي في ليبيا الجديدة، لتحقيق آمال كل الليبيين. عرفت القيادة الجزائرية بمواقف متميزة اتجاه الحالة الليبية وحالات أخرى مشابهة، كيف ينظر الليبيون إلى الجزائر؟ يعتقد البعض للأسف الشديد أن دولة الجزائر كانت داعمة لنظام معمر القذافي في ليبيا، لكن هذه الصورة ليست عامة، وتسلسل الأحداث أبان حكمة الموقف الجزائري، نحن متفهمون لموقف الجزائر الحيادي من أحداث ليبيا، ونصنفه في خانة الحكمة الدبلوماسية والتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تعرف به الجزائر، مع ضرورة التأكيد على تلك النظرة لدى الليبيين مسؤولين ومواطنين عاديين إلى الجزائر باعتبارها دولة محورية في شمال إفريقيا وفي منطقة الساحل، لاسيما مع حرص إخواننا في الجزائر على أمن واستقرار ليبيا، على أساس أن استقرار ليبيا من استقرار الجزائر، وهذا ما يبديه المسؤولون الجزائريون في كل مناسبة، ويعرضون مساعدتهم للسلطات الليبية في هذا الشأن. طفا إلى السطح أن ليبيا تعيش مشاكل قبلية بالنظر إلى ما يشاع في وسائل الإعلام، ما حقيقة هذا التوصيف؟ للتاريخ فإن النظام السابق عمل على زرع التفرقة والمشاحنات بين مختلف القبائل المكونة للمجتمع الليبي على مدى أكثر من أربعة عقود، من أجل تكريس الحكم الفردي، لكن كل الجهود الآن منصبة على تجاوز تلك الأخطار عبر لجان الحكماء، الأعيان والعلماء التي أفرغت جهدها من أجل فك تلك النزاعات الوهمية، آخرها كان الصلح بين قبائل التبو وبنو سليمان في سبها، لاسيما مع تفطن الجميع إلى أن تلك القنابل العرقية المزروعة من قبل النظام السابق كان هدفها منع تحول ليبيا إلى دولة مؤسسات، وقد نجح القذافي في تحويل قبائل التبو إلى بعبع، وخلق لهم مشاكل في ليبيا، التشاد والنيجر، رغم أنهم كانوا مقصيين من مفاصل اتخاذ القرار، وكان للتبو دورا مفصليا في ثورة 17 فبراير. ولا بد من ملاحظة حول ما يشاع عن قبيلة القذاذفة من أنها كانت مسيطرة على الحكم، والحقيقة أن القذافي استغل أفرادا منها كما استغل أفرادا آخرين من كل قبائل ليبيا لتعزيز حكمه الفردي، ولا بد من التنبه إلى أن المسؤولية هنا فردية وليست قبلية، حتى إن القذافي لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد إلى دول الجوار كافة بلا استثناء بدعم المخربين والخارجين عن القانون فيها. تعيش ليبيا الآن مرحلة بناء المؤسسات، والكل يعرف انعكاس الوضع في ليبيا على منطقة الساحل، ما هي نظرتكم لانتعاش الإرهاب في المنطقة؟ لا بد من الإشارة بداية إلى أن الفقر، الاضطهاد، التهميش، سلب الحقوق وغياب التنمية من أهم روافد الإرهاب، لذا نحن دائما نؤيد مقاربة شاملة في مكافحة الإرهاب تزامنها تنمية، عدالة وتكافؤ فرص، ونحن كمسؤولين ننادي دائما بالحزم في مواجهة هؤلاء الخارجين عن القانون سواء كانوا إرهابيين أو تجار مخدرات أو مهربين، فهم جميعا أوجه من أوجه الإرهاب. كما أننا نلح دائما على أن المطالبة بالحقوق المشروعة لا يكون إلا بالطرق السلمية والحضارية وبطريقة علنية أمام الجماهير والمجتمع. المجلس العسكري الذي تشرفون عليه له امتداد جغرافي إلى الحدود الجزائرية الجنوبية، كيف هو الوضع هناك؟ منطقة مرزق من أكبر المحافظات الجنوبية الصحراوية تمتد حدودها إلى ثلاثة دول، هي التشاد النيجر والجزائر، نحن نبذل كل الجهود من أجل حماية المنطقة، بالتنسيق مع الحكومة المركزية في طرابلس، والتي تسعى دائما بالتنسيق مع دول الطوق لتعزيز الأمن بالمنطقة لاسيما مع الجزائر. وبخصوص دورنا كمجلس عسكري فنحن الآن نسد الفراغ باعتبارنا أبناء المنطقة، في انتظار استكمال بناء المؤسسات الأمنية في البلاد، ولا نبخل من أجل فرض الأمن، الاستقرار، محاربة المهربين والجماعات الإرهابية، والحيلولة دون اختراقهم لحدودنا لاسيما مع الوضع الهش في شمال مالي. كلمة أخيرة سيد بركة أود التنبيه إلى أن ليبيا الجديدة لا تتدخل في شؤون الآخرين كما لا ترضى تدخل الآخرين في شؤونها، وأمننا من أمن المنطقة، والعكس صحيح، كما أنه لا يسعني في هذا المقام إلا التقدم بالشكر الجزيل إليكم عبر بوابة جريدة ”الفجر” والتي سمحت لنا بإيصال صورة حقيقية عن الوضع في ليبيا الجديدة، ونظرة الشعب الليبي إلى المستقبل من أجل بناء دولة مؤسسات.