أعلن الله سبحانه وتعالى أنّ المسيح عبد الله ورسوله، فقال: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ، كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام) المائدة:74. وها هو يحمل على اليهود والنّصارى حملة قاضية تقضي على عقيدة اليهود الّذين يزعمون أنّ عُزيرًا ابن الله، وعلى عقيدة النّصارى الّذين يعتقدون أنّ المسيح ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. قال جلّ وعزّ: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ، قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُون، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون) التّوبة:30-31. فهذه العقيدة الّتي تقبلها العقول المستنيرة ولا تجافيها الفلسفة الحقّة ولأجلها كان المسلمون معصومين من الكفر، وهذه من معجزاته عليه الصّلاة والسّلام فأكّد هذه العصمة بقوله في خطبة حجّة الوداع: ”إنّ الشّيطان قد يَئِس أن يُعْبَد في أرضكم هذه أبدًا، ولكن قد رَضي أن يُطاع فيما سوى ذلك ممّا تَحقرون من أعمالكم”. لا جرم أنّ العقيدة أساس التّفكير، وهي الفكرة الأولى للإنسان فيما هو خارج عن حاجته. فإذا ربّى العقل على صحّة الاعتقاد تنزّه عن مخامرة الأوهام الضّالة فشبّ على سير الحقائق والمدركات الصّحيحة فعدّل عن الباطل وتهيّأ لقبول التّعاليم الصّالحة والعمل للحقّ. وأنّ أمّة ينشأ اعتقاد دينها على هذه الأصول تنشأ لا محالة على عزّة النّفس والاهتمام بالاعتماد على استجلاب الأشياء من أسبابها، ورجاء الإعانة والبركة من خالقها، وذلك يدرّب على قوّة الإرادة والشّعور بالرِّفعة عن التّضليل والأوهام ويدرّب على التوكّل على الله مع أخذ الأسباب حتّى يصل العبد لا يرى في الوجود إلّا سناه جلّ وعلا، وهذا المقام من أعلى مراتب الإحسان لأنّه مشاهدة جمال الله وجلاله بالبَصيرة الصّافية وأدناها مرتبة المُراقبة لمَن ضعُفت في السّير عزيمته وكلّت في المجاهدة نفسه. والله الموفّق للصّواب.