كان التفرّق والاختلاف بين النّصارى أنفسهم مع أنّ كتابهم ونبيّهم واحد، تفرّقوا واختلفوا أوّلاً في العقيدة ثمّ تفرّقوا واختلفوا طوائف متعادية متنافرة متقاتلة. وقد دارت الخلافات حول طبيعة سيّدنا المسيح عيسى عليه السّلام وعمّا إذا كانت لاهوتية أو ناسوتية، وطبيعة أمّه مريم عليها السّلام وطبيعة الثالوث الذي يتألّف منه ''الله'' في زعمهم. ويعنون بذلك الأب والابن والروح القدس... وترى القرآن يفضحهم على رؤوس الأشهاد ويبطل دعاويهم قائلا: {لقد كفَر الّذين قالوا إنّ اللهَ هو المسيح ابن مريم، قُل فمَن يملك مِن الله شيئًا إنْ أراد أن يُهلِك المسيح ابن مريم وأمَّه ومَن في الأرض جميعًا}؟ المائدة: 17، ويقول أيضًا في نفس السورة عن وثنية النّصارى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة وما مِن إله إلاّ إله واحد وإنْ لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّن الّذين كفروا منهم عذاب أليم} المائدة: .73 ثمّ يقرّر حقيقة سيّدنا عيسى عليه السّلام ويقول: {ما المسيح ابنُ مريم إلاّ رسول قد خَلَت من قبله الرُّسل وأمّه صدِّيقة كانَا يأكلان الطعام}. ورحم الله الأستاذ الندوي حين قال عن هذا الخلاف: (وكان أشدّ مظاهر هذا الخلاف الديني ما كان بين نصارى الشام والدولة الرومية وبين نصارى مصر. أو بين ''الملكانية'' أو ''المنوفوسية'' بلفظ أصحّ. فكان شعار الملكانية عقيدة ازدواج طبيعة المسيح وكان المنوفوسيون يعتقدون أنّ للسيد المسيح طبيعة واحدة هي الإلهية التي تلاشت فيها طبيعة المسيح البشرية كقطرة من الخل تقع في بحر عميق لا قرار له. وقد اشتد هذا الخلاف بين الحزبين في القرنين السادس والسابع حتّى صار كأنّه حرب عوان بين دينين متنافسين أو كأنّه خلاف بين اليهود والنّصارى... كلّ طائفة تقول للأخرى إنّها ليست على شيء...''.