النقاد استيقظوا من سباتهم وأهانوا روائيي الجيل الجديد أحد رموزي الروائية المكسيكي ‘'خوان رولفو'' وليس وطار أو واسيني اعتبر الروائي خليل حشلاف أن النقد الجامعي لايزال مستمرا في تكريس الأسماء الروائية القديمة، ويرفض الخروج من نطاق أعمال الطاهر وطار وواسيني الأعرج وأمين الزاوي، معتبرا أن هؤلاء الكتاب لم يهتموا في أعمالهم الروائية بالإنسان، بقدر ما اهتموا بالأيديولوجية. وقال حشلاف، في حوار مع ”الخبر”، إن الجيل الجديد من الروائيين اعتمدوا على تقنيات روائية حديثة لم تكن في متناول القدماء، ورغم ذلك لا يتلفت النقاد إليهم. تبدي أحكاما قاسية عن الرواية السبعينية وما بعدها، وترى أنها لصيقة بالأيديولوجية، هل تعتقد أن هذه الرواية ليست في المستوى؟ لست قاسيا، إنما هذه هي الحقيقة، إن جل كتاب الجيل القديم يدورون في فلك الدعاية الأيديولوجية وعلى رأسهم وطار وواسيني الأعرج والزاوي، حتى وإن حاول واسيني أن ينوع من حيث التقنيات، ويستثمر التاريخ القريب والبعيد، ولكن الفحوى واحدة. البطل الأساسي، مثقف يساري مضطهد يحارب الإقطاع وينتصر للفلاح، أو شاب صحفي يساري يعيش حوارا ذاتيا، ويتخيل ما آلت إليه الأوضاع، ويرثي نفسه والمدينة ويحلم بلحظة تغير، كل هذا يتم بقانون السرد الحكائي الذي يقود بطله من كم قميصه إلى ما يريده الكاتب. أبطال هؤلاء لا يستطيعون التصرف بذاتية ولا يخلقون دراما تخصهم. أتذكر هنا بطل رواية ‘'شرفات بحر الشمال''، الذي يقاد بقوة المؤلف إلى مقبرة الولي كي يمارس الجنس مع صديقته فوق القبر؟ ربما ما أحبه أحيانا في واسيني الأعرج لغته التي ترقى أحيانا إلى الموسيقى في ‘'سيدة المقام'' أو ‘'نوار اللوز”. ولكن هذا الجيل اطلع على النقد الغربي والرواية في العالم، وقرأ الجديد ولم يطوق نفسه بحزب أو طبقة، وفهم أن الكتابة موجهة لا للتبشير بمذهب أو فكر بل للحلم، الحلم أن يقرأنا كل الناس على خلاف توجهاتهم، لذا لا تجدني معجبا بهؤلاء الذين قد ينشرون أحيانا مناشير سياسية، كما يفعلها دائما المرحوم الطاهر وطار بدءا من رواية ‘'اللاز'' إلى ‘'تجربة في العشق”. ثانيا.. ما هي آفاق هؤلاء الروائيين فكريا وتقنيا، ألم يعجز واسيني عن الحصول على جائزة البوكر لأن - وهذا حسب تتبعي- هذه الجائزة تريد رواية نامية، بمعنى تكون أحداثها مرتبطة بالحاضر، ويكون فيها السارد الحكائي ليس هو المؤلف، رواية حوارية كما عرفها ”باختين” فيها وجهات نظر وعمق اجتماعي، وليست رواية تكتفي بطبقة ما وتروج مفاهيم بعينها؛ رواية من خلالها نفهم النفس البشرية وهذا لم يحققه هؤلاء الروائيون للأسف. هل معنى هذا أن رواية جيلكم هي الأحسن؟ ليس هذا بحكم جماعي، فرواية ما قد تتجاوز روايات كاتب ما ظل يكتب لعشرين سنة أو أكثر. سأتكلم بصراحة، وأتحمل المسؤولية، أعتقد أن رواية ‘'حروف الضباب” ل”الخير شوار” مثلا تهزم جُل ما كتبه الروائيون القدامى مجتمعين، إذ يوجد عند شوار الجودة في إيجاد المعادل الموضوعي لمضامين الكاتب، والحبك المتين، وغيرها من التقنيات العصرية للرواية. أي أنه يكتب بلغة عصره، مستثمرا التراث الشعبي الشفوي، ما جعل من هذه الرواية تحفة حقيقية. كم رواية تقف ثابتة أمام رواية ”خوان رولفو” ”بدروبارموا” في أمريكا اللاتينية، رغم أنها رواية لا يتجاوز عدد صفحاتها ال150، ولم يكتب بعدها أي عمل آخر؟ في مثال آخر في عالمنا العربي، كم رواية عربية في مصر أو سورية أو العراق تناطح رواية صبرى موسى ‘'فساد الأمكنة'' بعيوبها؟ أظن أن مفهومي للرواية والإبداع هو الخلق وليس التقليد. ثانيا روح الكتابة هي ‘'ما ينهش هذه النفس من الداخل'' وليس إصلاح المجتمع أو فضح الآخرين والبكاء من أجل المجتمع، لأن وجود المجتمع تحصيل حاصل. كثيرا ما يتهكم النقاد بتفضيل السيرة الذاتية و”البوح” على الرواية الاجتماعية، هل هذا صحيح؟ عندما نقرأ عشرات الروايات الشبابية، من المؤكد أن نجد من يرزح تحت طائلة البوح الذاتي، بحكم هشاشة التجربة وضيق أفق الكاتب، لأنه شاب يظن أن ذاته مركز للعالم، كما يحدث ذلك لأي كاتب في العالم، ولكن لم التعميم والأمثلة أمامك، هل كان الروائي عيسى شريط في روايته الأولى المسماة ‘'لوركاد'' ذاتيا، أليست روايته دراما اجتماعية؟ ألم تكن رواية ياسمينة صالح ‘'بحر الصمت'' رواية رائعة، باعتراف روائيين مشارقة، وكذلك الحال مع رواية ”نورس باشا” للروائية هاجر قويدري والروائي علاوة حاجي، وسفيان زدادقة وإسماعيل يبرير، وسمير قسيمي..؟ لا أحد يهرب من النقد، إن كان هناك نقد، وليس إسقاطا لنظريات تقليدية، لا تستطيع أن تواكب هذا العمل أو ذاك، وتاريخ الرواية في الغرب يدل على هذا الأمر. أفهم من كلامك أنك لا تؤمن بالتراكم الروائي، ولا بدور الأوائل المؤسسين، هل هذا صحيح؟ لماذا يريد البعض وبقوة الجامعة فرض كتاب بعينهم كرموز لهذا الجيل؟ أليس من حقنا كقراء أولا وكتاب ثانيا أن نختار من يمثلنا؟ ثم أليس هذا الأمر يتم بعملية فردية؟ من يعلمنا تذوق الفن وفن الرواية بالخصوص؟ هل الجامعة تخرج روائيين، أم أن الروائيين هم الذين يملكون الموهبة والطاقة على القراءة والكتابة والاكتشاف، وقد ينتمون إلى الجامعة بحكم أطوار التعليم؟ فإذا كانت العملية كلها مغامرة فردية في عالم الرواية والنقد، فأنا مثلا اخترت أن يكون أحد رموزي الروائية الروائي المكسيكي ‘'خوان رولفو''، وليس وطار أو واسيني الأعرج. لماذا النقد عندنا متعبدا في محراب هؤلاء لا يكشف عوراتهم الفنية ويغلي عندما يجد أي ثغرة؟ والكارثة هي إسقاط منظور الناقد الذي لا يخرج عن توجه النقد الاشتراكي الذي يريد من الرواية أن تكون نضالا من أجل طبقة بعينها؟ ثم من حقنا أن نتساءل، فمن كان ‘'خائفا نقديا'' (المعذرة عن التشبيه) أمام وطار أو واسيني وغيرهما، ولم يتناولهما إلا ككاتبين اكتملت عندهما كل الفنيات، بل يخلق لهما أعذارا فنية ويسقط نظريات لا تتناسب أحيانا مع توجههما فكريا وتقنيا، قلت ما بال هذا النقد يستيقظ أخيرا من سباته ويهين متنا كاملا من الرواية بمجازفة اسمها التعميم؟ إن أكثر نقادنا من ذلك الجيل يتربعون على الجامعة الجزائرية ويعهدون إلى جيل آخر اعتنق ذات التوجه، في حين جاء نقاد آخرون يناكفونهم في أتباع ما يسمى الأدب الإسلامي، بمعنى أن النقد والأدب الآن وقع بين فكي كماشة نقاد اليسار واليمين؟ أما الإشكال الأخطر فيتمثل في مدى ضبط هؤلاء للمصطلحات وفهم النظريات، أو العكس تلفيق المفاهيم وإسقاطها، وهذا واضح في جل الدراسات التي تجعل القراء في متاهة وبؤس معرفي. أكررها ثانية، إن وطار وواسيني والزاوي عبارة عن كتاب يدعون لإيديولوجية، ولا يحللون المجتمع؟ لذا أقول من حق كل كاتب أن يختار رموزه، ولا أحب أن يتسمم القراء بكتاب الدعاية الحزبية، فهؤلاء فشلوا في الكتابة عن الإنسان في كل زمان ومكان، فمن أراد ذلك فعليه أن يختار منبرا حزبيا أو مدرسة دينية، ‘'لأن مشاكل القلب البشري في صراعه مع نفسه، هي وحدها التي تستحق أن تلهمنا الإتقان في الكتابة والتأليف، لأنها وحدها التي تستحق ما يبذل في سبيلها من عرق وعناء''.. كما ردد ”جيمس جويس” أثناء استلامه جائزة نوبل للآداب، لأن الأدب والجمال هدفه الإنسان مهما كان دينه أو طبقته أو عرقه أو مذهبه.