دعت الجزائر الحكومات العربية إلى "وضع استراتيجية عربية شاملة لمكافحة الإرهاب"، تبدأ من تبني "تصور استشرافي متجانس يرسم أوجه التعاون العربي في المجال الأمني، وتكثيف تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية". بدأت في الجزائر العاصمة، أمس، أعمال الدورة ال32 لمجلس وزراء الداخلية العرب، وفي جدول أعمالها وضع تصور عربي لاستراتيجية أمنية موحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. الدورة انطلقت بتسلم وزير الداخلية، الطيب بلعيز، رئاسة المجلس من نظيره المغربي، رئيس الدورة السابقة التي انعقدت في المغرب، وحضرها نيابة عن الوزير بلعيز، زميله في الحكومة عبد القادر مساهل، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية. وفي كلمة له في افتتاح الأشغال، قال بلعيز إن هذا اللقاء ينعقد والأمة العربية في معظمها لا تزال تعيش ظروفا استثنائية يطبعها تنامي بؤر التوتر وامتداد الاضطرابات والنزاعات العنيفة، واشتداد التطرف والإرهاب، وكذا بروز العديد من الجماعات الإجرامية تحت مسميات مختلفة وصلت إلى أبشع أعمال الإجرام والدمار، ضمن خطط ممنهجة عابرة للأوطان توحي بوجود نية مبيتة لضرب استقرار بلداننا وزرع أسباب الانشقاق والتفكك. وأضاف بلعيز أن التحولات السياسية العميقة التي عرفتها بعض البلدان العربية عقب ما زعم إنه “ربيع عربي” وما نتج عنها من خلافات داخلية أججت الصراعات وأسفرت عن حالة اللاإستقرار، وفرت المناخ لانتشار وتنامي الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم ما يسمى ب”داعش”. ودعا الرئيس الحالي لمجلس وزراء الداخلية العرب، إلى “وضع استراتيجية عربية شاملة لمكافحة الإرهاب”، حيث تبدأ من تبني “تصور استشرافي متجانس يرسم أوجه التعاون العربي في المجال الأمني، وتكثيف تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية، وتبني خطط أمنية عملياتية مشتركة ثنائية أو متعددة الأطراف لتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية للحد من تحركاتها عبر الحدود”. كما دعا بلعيز إلى “إنشاء قوات عملياتية مدربة على مكافحة الإرهاب من خلال تكثيف الزيارات والخبرات بين رجال الأمن بالدول العربية.” ضمانا لتجسيد هذه الإستراتيجية، وفي ندوة صحفية مقتضبة، صرح بلعيز بأن الدورة الحالية “عرفت خلافات بين عدد من الدول الأعضاء، وقمنا بالتقريب فيما بينهم”، رافضا الإفصاح بمن يتعلق الأمر، مكتفيا بالقول: “أنتم تعرفون، دول بينها خلافات بسبب ما يجري فيها من أحداث”. وعلمت “الخبر” من مصادر من داخل الاجتماع، أن خلافات نشبت بين وزراء مصر وقطر والسعودية، على خلفية العلاقات المتوترة بسبب الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفها وزير الداخلية المصري ب”الجماعة الإرهابية التي تقتل وتفجر وتدمر”، مشددا على أن بلاده “لن تنسى من يقف إلى جانبها، كما لن تنسى من وقف ضدها”، في إشارة واضحة إلى قطر التي تدعم الإخوان المسلمين. لكن بلعيز أكد أن “مساعي صلح بذلت وأسكتت تلك الخلافات”، معترفا بأن “مثل هذه الأشياء تحدث داخل البيت العربي”. وأضاف وزير الداخلية أن “الجزائر حاربت الإرهاب بمفردها وكانت طيلة سنوات الأزمة تسمع من بعض الأشقاء يقولون أنتم تقتلون المسلمين.. ودارت الأيام واكتوى هؤلاء بما اكتوينا به وذاقوا ما ذقنا، ويشاهدوا الدماء تسيل مثلما كنا نشاهد ذلك يوميا في شوارعنا ومدننا وقرانا”. وبلغة التأسف، دعا بلعيز الدول العربية إلى اعتماد مقاربة الجزائر لمحاربة الأرهاب، مؤكدا بأنها “تضعها في خدمة الشعوب العربية للتخلص من هذه الآفة العابرة للحدود.” كما دعا إلى محاربة الإرهاب بواسطة “الاهتمام بالمواطن وليس بالخطابات والشعارات”، مشددا بالقول: “أنا من المقتنعين بأن المواطن الجزائري والعربي لا تهمه الخطب الرنانة، إنه يهتم بما ينهي معاناته ويتكفل بانشغالاته وما دون ذلك فهو تضييع للجهد”. وكشف رئيس الدورة عن أن الفترة المسائية ستعرف عقد اجتماعات مغلقة ثنائية ومتعددة للتوصل إلى بلورة الاستراتيجية الأمنية التي سوف ترى النور هنا في الجزائر، على حد قوله.