أجلت محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة محاكمة ملف الطريق السيار إلى الدورة الجنائية القادمة، بسبب تغيب محامي المتهم الرئيسي في القضية، مجدوب شاني. ورفضت المحكمة باقي طلبات الدفاع بإسقاط التهم الموجهة إلى موكليهم، بحجة أنها غير مؤسسة من حيث الشكل، بينما أجلت النظر في قانونية تأسس الخزينة العمومية كطرف مدني في القضية. لم تتأثر محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة، أمس، ببرودة الطقس الماطر، وهي تشهد للمرة الثانية على التوالي في عشرة أيام، محاكمة إحدى أكبر وأخطر قضايا الفساد في السنوات الأخيرة، فقد فرضت طبيعة قضية الطريق السيار الساخنة نفسها على أجواء أول جلسات افتتاحها، بعد 5 سنوات من الانتظار، وسط حضور كثيف لوسائل الإعلام والمواطنين الذين غصت بهم القاعة، وتنظيم محكم عكس الفوضى التي شهدتها محاكمة سوناطراك 1 قبل أيام. حساسية القضية وارتباطها بملف فساد ثقيل، لم يكن تأثيرها باديا على القاضي هلالي الطيب، فقد كان مرتاحا في إدارة الجلسة التي بدأها على العاشرة صباحا، بالمناداة على المتهمين وفق الأعراف المعتادة، مستهلا بالمتهم الأول في القضية، مجدوب شاني، الذي ظهر بسترة سوداء وقد اشتعل رأسه شيبا. ثم واصل القاضي مناديا على محمد خلادي، مدير المشاريع الجديدة للوكالة الوطنية للطرق السيارة، الذي كان مطأطأ الرأس طيلة الجلسة، لا يكاد يظهر من مكان المحتجزين وعلى جبينه علامة مميزة. وتابع القاضي بحمدان سليم رشيد، وعدو سيد أحمد، وهم الأربعة الذين كانوا في الحيز المخصص للمتهمين الموقوفين، بينما نودي على محمد بوشامة، وهو مدير ديوان عمار غول، وبقية المتهمين الآخرين، من أشخاص وممثلي شركات أجنبية، ممن كانوا من المتهمين غير الموقوفين، فأجابوا كلهم بالحضور إلا اثنان، حلاب بلخير وقويدر الطيب، كانا في حالة فرار. وبلغ الحماس ذروته بالمناداة على الشهود، لكن الآذان لم تلتقط أسماء ثقيلة كما كانت تنتظر، فبدا جل الشهود من غير المعروفين، إلا اسمان علقا في الذاكرة، أسامة سلطاني وحميد ملزي، والأول يحيل إلى ابن أبو جرة سلطاني وزير الدولة ورئيس حمس سابقا، والثاني لم يتبين إن كان مدير إقامة الدولة نادي الصنوبر أو أحد أبنائه، لكن الاثنين كانا غائبين لأسباب غير معلومة من بين 12 شاهدا غائبا في المجموع. سوناطراك 1 تتكرر في محاكمة السيار سيناريو محاكمة سوناطراك 1 تكرر في تفاصيله الشكلية مع قضية الطريق السيار. الخزينة العمومية طلبت التأسس كطرف مدني في المحاكمة، لكن محامي الدفاع انتفضوا رافضين ذلك جملة وتفصيلا. المحامي خالد بورايو، يؤيده في ذلك عدد من زملائه، قال إنه لا يجوز، بعد مرور 5 سنوات من التحقيق، أن تأتي الخزينة العمومية وتتأسس كطرف مدني. هذه القضية مرت بمجلس الوزراء واللجنة الوطنية للصفقات، فأين كانت الخزينة العمومية وقتها؟ يتساءل المحامي، ثم يجيب: “هذا يشكل تخليا أو إهمالا، ثم إن تأسسها يفترض أن يكون بناء على مذكرة لم تقدمها ونحن نلتمس منازعة ممثل الخزينة لانعدام الصفة”. لكن كلام بورايو لم يثر الإجماع في صفوف محامي الدفاع، فكان أن دافع خالد برغل بقوة لصالح تأسسها كطرف مدني، لكون المادة 239 وما فوقها تجيز ذلك. وتابع يقول: “ممثل الخزينة العمومية له الحق في أن يتأسس ولا يضرنا ذلك كمحامي الدفاع”. وحين تدخل الوكيل القضائي للخزينة العمومية، تأسف لكون المحامي بورايو ينازع الخزينة العمومية للمرة الثانية الحق في التأسس كطرف مدني، وقال إن الأمر يتعلق بمشروع تعد الدولة المساهم الأول فيه والخزينة العمومية متضررة من ذلك، ومن حقها أن تكون طرفا مدنيا في القضية. هذا ما شاطره ممثل النيابة الذي رفض ما جاء به محامو الدفاع، وأصر على أن تكون الخزينة العمومية إلى جانب الوكالة الوطنية للطرق السيارة متأسسة كطرف مدني. ترفع الجلسة عند هذه النقطة للمداولة، ويعود القاضي مقررا رفض طلب ممثلي الدفاع لأنه جاء قبل أوانه. فيزا محامي مجدوب الفرنسي تؤجل المحاكمة استمرت الجلسة وسط إصرار محامي الدفاع، الذين تداولوا على ميكروفون القاعة، على دحض إجراءات المتابعة شكلا في حق موكليهم. طلب ذلك محامي تاج الدين عدو ومحامي الإخوة بوزناشة، وتبعهما محامي شركة “إيزولاكس” الإسبانية الذي علل طلبه بأن من وقع العقد محل الشبهة لشركته ليس ممثلا رسميا لها، وبالتالي فإن الشركة كشخص معنوي لا يجوز متابعتها. مبرر سرعان ما دحضه ممثل النيابة العامة الذي تساءل إن لم يكن من وقع العقد ممثلا للشركة فعلى أي أساس وضعت الفواتير واستلم أجره. وكذلك كان رده بخصوص طلب محامي الإخوة بوزناشة، لأنه طلب مكرر سبق وأن بتت فيه غرفة الاتهام في حينه. بيد أن أكثر الطلبات إثارة كان ما تقدم به المحامي بورايو، ملتمسا تأجيل المحاكمة لأن أحد المتهمين في القضية يوجد من غير محام للدفاع عنه وهذا يخل بسير المحاكمة. عند ذلك سأل القاضي شاني مجذوب عن سر غياب محاميه، فأجاب في حالة من الإرباك: “لدي محام أساسي في فرنسا ولم يستطع الحضور لأنه لم يحصل على الفيزا”. داهمه القاضي بسؤال: “هل تقبل أن تعين لك المحكمة محاميا؟”.. أجاب: “لا لا أرفض ذلك”.. “طيب” يرد القاضي.. وينطلق صوت المحامي ميلود براهيمي الذي حضر متأخرا للجلسة وبدا منزعجا للغاية من تأسس الخزينة العمومية كطرف مدني: “عار وفضيحة سيدي القاضي أن تتأسس الخزينة العمومية طرفا مدنيا.. تمسك شاني بمحاميه الفرنسي يعني أنه لا ثقة أصبحت في المحامين الجزائريين، وهذا يدل على مستوى العدالة الجزائرية!”.. القاضي يرد مفاجئا الجميع: “أوافقك على ما تقول!”.. لكن بخصوص تأسس الخزينة كنت قد بينت...”. كان واضحا من تمسك شاني بمحاميه الفرنسي وغياب محاميه الجزائريين، أنه يريد تأجيل القضية. أحد المحامين الحاضرين قال إنه “تكتيك” أراد من خلاله محامو شاني تأجيل القضية، لأن الظروف لم تكن ملائمة لعقدها، فخشي المحامون على موكلهم أن يكون ضحية ذلك، لا سيما وأنه المتهم الأول فيها. رفعت الجلسة في منتصف النهار، وعاد القاضي بعد ساعة معلنا تأجيلها إلى الدورة الجنائية القادمة، وسط استغراب الحاضرين من سر هذا التأجيل المتكرر لكبرى قضايا الفساد، رغم مرور سنوات على التحقيق فيها.. في حين بقي السؤال معلقا حول ما إذا كانت محاكمة الخليفة المنتظرة بعد أيام ستؤجل هي الأخرى؟