حجب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان خليلي ماحي، وهو يعرض على لسان الوزير الأول عبد المالك سلال عدد التراخيص الممنوحة للأحزاب والجمعيات لعقد الاجتماعات، الحقيقة التي تميز حالة ممارسة الحريات في الجزائر، وأبرزها أن السلطات تمنع المظاهرات في العاصمة بناء على نص صدر في 2001 لا أثر له في الجريدة الرسمية. تدل شواهد كثيرة على عدم صحة الكلام الذي ذكره ماحي أول أمس بالمجلس الشعبي الوطني، في رد على سؤال شفوي لأحد البرلمانيين حول حرية التجمع، فقد قال إن السلطات ”تعمل من خلال مؤسساتها على تكريس دولة الحق والقانون وحماية الحقوق الفردية والجماعية، بما في ذلك حرية التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع والتظاهر، وهي حقوق يضمنها الدستور وقوانين الجمهورية”. مجموعة من التجارب والحقائق تثبت ببساطة أن ذلك غير صحيح. منها أن أحزابا معتمدة طلبت في 24 فيفري الماضي رخصة لتنظيم مظاهرة في العاصمة للتضامن مع المحتجين في عين صالح ضد مشروع التنقيب عن الغاز الصخري. ولم تكتف ولاية الجزائر بعدم الرد على الطلب، لا سلبا ولا إيجابا، بل حشدت رجال الشرطة وكلفتهم بمنع المسيرة حتى إن اقتضى ذلك استعمال العصا، وهو ما حدث فعلا. وقبل الانتقال إلى استخدام القوة، اهتدت السلطات إلى أسلوب جديد في منع المظاهرات. فقد نظمت احتفالا فلكلوريا بالزرنة والطبل، وأوقفت حركة المرور بشارع عبد الكريم الخطابي المؤدي إلى البريد المركزي في يوم خارج العطلة الأسبوعية، وخصصته لسباق الدراجات! وسمح ذلك بنجاح ”خطة” التشويش على مسيرة المعارضة. نفس المعارضة واجهت رفضا من نفس الولاية، يتعلق بتنظيم ندوة في فندق السفير بالعاصمة حول إنشاء لجنة مستقلة للإشراف على العملية الانتخابية بدلا من وزارتي الداخلية والعدل. وهو مطلب تطرحه ”تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي”. شواهد أخرى على زيف الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن الحقوق والحريات. بعض الأحزاب والشخصيات منعت من دخول عين صالح وورڤلة خلال مظاهرات رفض الغاز الصخري، فكان قرارا سياسيا مخالفا للدستور، زيادة على أن الجهة التي صدر عنها غير معروفة، إذ لا يعلن أحد تحمله مسؤولية مثل هذه التصرفات، ما يعطي صورة سيئة للعالم عن تعامل الجزائر مع الحقوق والحريات، فلا غرابة إذن أن تصنف في ذيل الترتيبات في مجال الديمقراطية كل سنة. وفي السنوات الطويلة التي سيَّر فيها يزيد زرهوني وزارة الداخلية بقبضة من حديد (1999-2012)، كان ضابط المخابرات السابق لا يخفي أبدا مسؤوليته في قمع المسيرات والمظاهرات، وفي رفض اعتماد أحزاب. هذا الموقف كان ترجمة لنظرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للحريات، فقد عطل تأسيس الجمعيات ذات الطابع السياسي من 1999 حتى 2011، ولم يفتح الساحة السياسية شكليا إلا لشعوره بالخطر في سياق امتداد عواصف الربيع العربي إلى حدود الجزائر. وصرح زرهوني عام 2001 أن السلطة اتخذت قرارا بمنع المسيرات في العاصمة بعد المظاهرات التي نظمتها عروش منطقة القبائل. وكان السبب أن قتلى وخرابا خلفه الاحتجاج على الأحداث الدامية التي أعقبت مقتل الشاب ماسينيسا قرماح في مقر الدرك ببني دوالة. وأعلن زرهوني أن الحكومة التي كان يرأسها علي بن فليس أصدرت مرسوما بمنع المظاهرات في العاصمة، لكن النص ليس له وجود في الجريدة الرسمية، ما يشكل خرقا مفضوحا للدستور والقوانين.