تشكل ندرة مادة الوقود من المحطات حساسية كبيرة للمواطنين الذين لم يستسيغوا بعد هذه الأزمات المتكررة، من غير أن يقدم لهم سبب مباشر ومقنع عن هذه الندرة. ففيما تحرص نفطال كل مرة على تبرير ما يحصل بأسباب لها علاقة بسوء الأحوال الجوية، تلتزم الحكومة من جهتها الصمت إلى حين مرور العاصفة، وذلك على نحو أصبحت فيه ندرة هذه المادة تتكرر عند حدوث أي طارئ صغير، ما قاد المواطن إلى طرح تساؤل أكبر عن إمكانية إنهاء احتكار نفطال لتوزيع مادة الوقود. موازاة مع ارتفاع حظيرة السيارات في الجزائر تزايد معدلات الاستهلاك يصطدم بمحدودية الوقود المتوفر إلى غاية أمس، ظلت مادة الوقود مفقودة عبر عدد كبير من المحطات في العاصمة وعدد من ولايات الوسط، وامتدت لتشمل بعض ولايات شرق البلاد، بعدما كانت في وقت سابق مقتصرة على عدد من ولايات غرب البلاد. وفي انتظار عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي، مازال المواطن المختبئ خلف طوابير محطات الوقود يطرح أسئلة كالعادة، عن الأسباب والأبعاد الخلفية وراء هذه الندرة، لكنه لا يحصل على أجوبة ولا تُقدم له أسباب مباشرة. إلا أن القائمين على تسيير شركة نفطال لهم كالعادة أجوبة جاهزة تشبه ”الأسبيرين” لتسكين أوجاع من يُشكل نقص مادة الوقود عندهم حساسية كبيرة، وهي ”أن الوقود متوفر في جميع المحطات، وإنما هناك خلل سببه سوء الأحوال الجوية التي ميزتها هبوب رياح قوية على مدى 3 أيام، هي التي حالت دون رسو البواخر المحملة بشحنات النفط في الموانئ”، بينما التزمت الحكومة الصمت إلى حين، في وقت كان يفترض من وزير الطاقة أن يقدم توضيحات للمواطنين بشأن مسألة تسجيل ندرة في مادة الوقود بنوعيه (البنزين والمازوت) من مناسبة لأخرى، في وقت تضاعفت معدلات استهلاك هذه المادة بعد أن توسعت حظيرة السيارات في الجزائر. والملاحظ أن المبرر الذي قدمه مسيرو شركة نفطال لتفسير أزمة الوقود هذه الأيام هو نفسه المقدم خلال شهر فيفري من السنة الجارية، والمتمثل في سوء الأحوال الجوية التي حالت دون رسو البواخر المحملة بالوقود إلى موانئ سكيكدة وبجاية وعنابة، وكذا الأعطاب التي لحقت بمصفاة ولاية سكيكدة، إذ تواصلت الندرة آنذاك للأسبوع الثالث على التوالي بولايات غرب البلاد، وامتدت إلى ولايات وسط وشرق البلاد. كما سبق للجزائريين أن عبروا عن استيائهم وتذمرهم من ندرة مادة الوقود خلال شتاء سنوات 2011 و2012 و2013 وكذا سنة 2014، ولم تفعل نفطال أكثر من تقديم أسباب ربطتها بسوء الأحوال الجوية التي تسببت في قطع العديد من الطرقات، ما حال دون وصول الشاحنات المحملة بصهاريج الوقود إلى مختلف المناطق. لكن هذا الوضع أصبح مثار تساؤلات كثير من المواطنين ممن يجدون أنفسهم في كل مرة رهينة أزمة وندرة الوقود في عدة مناسبات، سواء خلال أيام العيد أو فصل الشتاء أو حتى بمجرد حدوث طارئ بسيط، وعلى هذا النحو يتساءل بعضهم عما إذا كانت هناك إمكانية لتسجيل قطيعة مع مسألة احتكار شركة نفطال لتوزيع الوقود. وقد اعترف بعض أصحاب محطات الوقود ل ”الخبر”، أنه ليس بوسعهم فعل أي شيء أمام مسيري شركة نفطال الذين يتصرفون وفق أمزجتهم وتصرفاتهم الخاصة. وقال أحدهم ”راسلت نفطال منذ سبعينيات القرن الماضي أطلب منها مضاعفة الكمية المقدمة للمحطة، إلا أني لم أتلق أي رد إلى غاية اليوم”، بينما لم يتردد آخرون في وصف مسؤولي نفطال بالفشل والعجز. وبناء على ذلك، يمكن أن نتساءل: هل حان الوقت للمواطنين أن يطالبوا بإنهاء احتكار شركة نفطال لتوزيع الوقود؟. حركة السفن وضعف قدرات التخزين ترهنان تموين الجزائريين سوناطراك: غلق ميناء الجزائر ليومين تسبب في تذبذب توزيع الوقود بالعاصمة شركات أجنبية تضغط لفتح نشاط توزيع الوقود في انتظار تكفل جدي للحكومة بملف توزيع الوقود للحد من معاناة الجزائريين بسبب الندرة التي ترافقها في كل مرة طوابير غير متناهية، تبقى التقلبات الجوية وضعف قدرات التخزين التي لا تتجاوز 10 أيام في مختلف محطات نفطال، ترهن تموين الجزائريين بالوقود، رغم الملايير التي ضختها الحكومة في مشاريع تحديث وعصرنة المصافي للرفع من طاقاتها التكريرية. بأتي ذلك في وقت يسجل استهلاك الوقود ارتفاعا مستمرا، حيث يقدر حاليا بحوالي 14 مليون طن منها 6 ملايين للبنزين. وأرجع مسؤول من سوناطراك ل ”الخبر” ندرة الوقود المسجلة خلال الأيام الأخيرة في معظم محطات البنزين بالعاصمة، إلى غلق ميناء الجزائر ليومين، نتيجة التقلبات الجوية التي تسببت في منع إفراغ حمولة سفن من ناقلات الوقود القادمة من مصفاة سكيكدة، والموجهة لتموين مصفاة أرزيو التي تضمن تزويد العاصمة وضواحيها بالوقود. وأفاد ذات المسؤول بأن إنتاج الجزائر من الوقود المدعم بالكميات المستوردة، يكفي لتغطية الطلب المتزايد على المازوت والبنزين، غير أن التقلبات الجوية وعدم توفر الجزائر على موانئ مهيأة، يؤخر في كل مرة وصول السفن المحملة بالوقود المتأتية من مصفاة سكيكدة التي تعد أكبر مصفاة في الجزائر، إلى جانب الوقود المستورد من الخارج. يضاف إلى ذلك ضعف قدرات التخزين الخاصة بمحطات نفطال التي لا تتجاوز 10 أيام باعتراف وزير الطاقة يوسف يوسفي الذي أعطى تعليمات صارمة لنفطال بالإسراع في إنجاز مشروع رفع قدراتها من التخزين إلى شهر على الأقل. على صعيد آخر، أكدت مصادر من قطاع الطاقة اغتنام العديد من الشركات الأجنبية فرصة عجز نفطال التي تتسابق مع الزمن للرفع من قدرات تخزينها، للضغط على السلطات الجزائرية وفسح المجال أمام تحرير القطاع.
محطات الوقود الخاصة تحذر من تفاقم الأزمة وتأثيرها على الأمن القومي تراجع تزويد 1600 محطة بأكثر من 50% الإسراع في رفع هامش الربح لتفادي تسريح 30 ألف عامل حذر الاتحاد الوطني لمستثمري ومالكي محطات الوقود الخاصة، من تأثير أزمة الوقود المسجلة بعدة ولايات على الوضع الأمني للبلاد، بسبب ما أسماه ”الفوضى” الناتجة عن الطوابير اليومية والشجارات المتكررة، مطالبا بتسخير قوات الأمن لحماية المحطات في مثل هذه الأوضاع التي كانت نتيجة استمرار الأزمة منذ 3 أشهر، بعد تقليص الكميات التي تزود بها المحطات الخاصة. تأثرت محطات الوقود الخاصة من الأزمة الحالية التي ألحقت بها خسائر اقتصادية، حسب ما ذكره رئيس الاتحاد حميد آيت عنصر في الزيارة التي قادته أمس ل”الخبر”، والسبب أن هامش الربح الذي سبق أن طالبوا برفعه وقدموا دراسة حوله، لم يرتفع رغم الوعود التي تلقوها من قبل الوزير الأول عبد المالك سلال الذي أكد لهم في 2013 بعد رفع الهامش ب50 سنتيما، أنه سيرتفع تدريجيا إلى أن يتناسب والأوضاع الحالية. إلا أن لجوء مؤسسة نفطال إلى تقليص كميات تزويد المحطات الخاصة التي تعد الأكثر عددا بمجموع 1600 محطة عبر الوطن، أثر سلبا، يقول محدثنا، حيث امتدت الأزمة إلى كل ولايات الوطن لتصل اليوم إلى العاصمة، واستمرارها سيهدد بإفلاس المحطات وإحالة 30 ألف عامل على البطالة. وعن أسباب تقليص الكميات، قال آيت عنصر إنها مجهولة رغم اتصالهم بالجهات المعنية بعد تراجع التزويد بنسبة تجاوزت 50%.وفي ظل استمرار هذه الأوضاع، تعيش كل المحطات يوميا على هاجس الحوادث، فمعروف حسبه أن الوقود مادة خطيرة يمكن أن يستغلها المواطن الغاضب الذي يتردد على المحطة يوميا طلبا للوقود لمركبته، خاصة أن استمرار الأزمة أشعل فتيل الغضب عند المترددين عليها، وباتت المحطات اليوم حلبة صراع يتأهب فيها عمال المحطة لمواجهة أي طارئ، وهذا ما جعلهم يطالبون بتأمين المحطات من قبل قوات الأمن في مثل هذه الظروف. في المقابل قال آيت عنصر إن مادة المازوت هي المادة الأكثر نقصا، وتمثل 70% من المبيعات في كل محطة، وهنا حذر ذات المسؤول من اشتداد الأزمة خاصة مع ارتفاع الطلب عليها بسبب عمليات السقي، حيث تطلب الجرارت كميات مهمة، على غرار قيامها حاليا بسقي مادة البطاطا، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب من قبل الشاحنات والحافلات، وهي نفس المخاوف التي تحدث عنها ذات المسؤول حول اقتراب شهر رمضان وموسم الصيف، ما يستدعي حسبه حلولا استعجالية لأنها مواسم تشهد طلبا واسعا على هذه المادة الحيوية. من جهته تحدث معمر بوشنافة، عضو بالمكتب الوطني للاتحاد عن تحجج الجهات المعنية بالأحوال الجوية وسعة التخزين، وقال ”منذ مدة ووزارة الطاقة تقول إنها ستعمل على تزويد المدن الوطنية عبر الأنابيب، وفتح مراكز تخزين جديدة تكفي لتخزين كميات احتياطية تكفي لشهر كامل، لكن ذلك لم يتحقق بعد، وسبق أن اقترح اتحاد مستثمري ومالكي محطات الوقود استغلال خزانات هذه الأخيرة إلى غاية تجسيد المشاريع المذكورة، مع إيجاد صيغة اقتصادية للاستغلال، وهذا خدمة للمواطن وتفاديا لما يترتب عليه من نقص في مادة الوقود”، إلا أن هذا المقترح لم يجد الأذان الصاغية حسبه، رغم أنهم شريك اجتماعي ويمثلون أغلبية المحطات بالمقارنة مع محطات الوقود العمومية. طوابير لامتناهية أمام المحطات أزمة الوقود تتواصل بالعاصمة تواصلت أزمة الوقود بالعاصمة أمس، حيث باتت الطوابير اللامتناهية للسيارات والمركبات تشكل ديكورا يوميا في محطات البنزين، في وقت يشير فيه بعض القائمين على المحطات إلى أن الوقود متوفر بصفة عادية، وأن هذا التهافت يعود إلى استغلاله من طرف الزوار القادمين من الولايات المجاورة. في جولة قمنا بها بمنطقة حيدرة مرورا ببلدية بئر خادم والمدنية وصولا إلى بئر مراد رايس، لاحظنا وجود طوابير سيارات تمتد طويلا بمحطات الوقود، تصل في بعض الأحيان إلى 60 مركبة، مشكلة اختناقا مروريا فظيعا يدفع بأصحابها إلى مناوشات ومشادات. وأكد أحد سائقي سيارة الأجرة في حديثه مع ”الخبر”، أنه يضيع حوالي 4 ساعات وسط الطوابير لملأ سيارته بالبنزين، مشيرا إلى أنه توجه في الفترات المسائية والصباح الباكر من أجل اجتناب هذا الازدحام، إلا أنه في كل مرة يجد المشهد نفسه. وعبر المواطنون عن انزعاجهم وتخوفهم الشديدين من هذه الوضعية، خصوصا أن الجزائر تعتبر من أكبر البلدان النفطية، ومع هذا فإنها تشهد في العديد من الفترات نقصا في مادة البنزين. وأرجع بعض مسيري المحطات هذا التهافت إلى قلة المحطات نظرا لتزايد الطلب على هذه المادة، مؤكدين أن المواطنين انتابتهم حالة تخوف هستيرية من نقص الوقود. وأضاف هؤلاء في نفس السياق أن انتشار خبر نقص الوقود دفع المواطنين إلى التهافت على تخزين الوقود، وقد قام الكثيرون بقطع مسافات طويلة بحثا عن المحطات التي تقل بها الطوابير، كما أحدثت هذه الأزمة ارتباكا في حركة المرور ونقل السلع والبضائع.