شريكي، خو، أيا هيا، التحلاب..” وغيرها، ألفاظ إلى الماضي القريب كانت مقتصرة على الجنس الخشن فقط، لكنها اقتحمت عالم حواء لتصبح متداولة على ألسنة الفتيات في المدارس، الجامعات وحتى أماكن العمل، في منظر لا يليق بميزة الأنوثة لدى المرأة حسب “فاطمة”، التي تجد أنها رجولية أكثر منها نسائية لذا تستبعد استخدامها في حديثها اليومي، وهذا ما شاركتها فيه “سمية”، فألفاظ كهذه “تخرج على الراجل” من وجهة نظرها، كما أن الموظفات للغة التخاطب هذه غير مرغوب فيهن من طرف الرجال حتى وإن أظهروا لهن عكس ذلك، فالأمر لا يتعدى حدود اللهو والمرح، ليبقى الدافع وراء توظيف مثل هذه الكلمات ضعف شخصية قائلتها ومحاولتها إبراز ذاتها من رؤية “إيمان” لذلك. لكن خلافا، دافعت “حنان” عن وجهة نظرها القائلة بأن لكل مجتمع لهجته وألفاظه الخاصة به التي ينطق بها الرجل والمرأة على حد سواء دون أي حرج، فكلمة “شريكتي” مثلا من الشراكة وليس لها بديل آخر يعبّر عن معناها الحقيقي، كما أن تطورات الوقت الحالي تتطلب استخدام مثل هاته المصطلحات التي تمنحنا لقب “حضارة”، مع استحالة التلفظ بها في حضرة أولياء الأمور طبعا، بالرغم من أن هناك من لا يوافق ذلك “كإكرام” صاحبة السادسة عشر من العمر التي كانت بصحبة والدتها، معتبرة أن جل جيلها من المراهقات يتلفظن بهذه المصطلحات التي يتعلمنها جراء المخالطة المستمرة للذكور في المدارس والأحياء، مع نقلها إلى البيوت دون مساءلة من الأمهات والآباء فحتى “أم إكرام” تستخدم ألفاظا مماثلة على حد تعبيرها. “المشكل أن الحشمة زالت”. بهذه العبارة لخّص “خالد” الأمر، فالمرأة حسبه قطعت أشواطا كبيرة من الحرية الممنوحة لها، مارست معها كل المهن حتى التي كانت من اختصاص الرجل بالأمس، مع تراجع الوازع الديني والتقليد الأعمى للغرب، كل ذلك غيّر من سلوكياتها وألفاظها أين أصبحت أقرب للرجولة من الأنوثة، لا سيما وأن العامية الجزائرية تستقبل ألفاظا جديدة كل يوم .تبقى المرأة الناطقة بمثل هذه الألفاظ تفتقد للاحترام بنظر “محمد الوليد”، بحيث لا يعتمد عليها في تربية النشء، لذا فهو ضد فكرة الارتباط بمثيلاتها. مكبوتات نفسية المسألة ترتبط بعدم اكتمال الأنوثة فينتقل إما الذكور إلى إناث أو الإناث إلى ذكور، من منطلق تحليل الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع “سمير عمر”، أين تتأثر الفتاة التي لا تنشأ تنشئة سليمة اجتماعيا بالظروف المحيطة، فتكتسب ألفاظا لا تليق بمقامها قد تتسبب إلى حد كبير في عنوستها باعتبار أن المجتمع الجزائري لا يزال محافظا. تداول هذه المصطلحات المكتسبة ينتج عن عدة مصادر من أدوات الاتصال الحديثة، كمواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفايسبوك، الذي يسمح لكلا الجنسين بتكوين علاقات في المجهول يمكن التلفظ فيها بأي لفظ دون رقابة، إلى استقالة الأولياء كما عبّر عنه الأستاذ في علم الاجتماع سمير عمر، أين تخلى الآباء والأمهات عن أدوارهم المنوطة بهم من مصاحبة الأبناء إلى المدارس ومراقبة ما يتلقونه من مضامين إعلامية عبر القنوات التلفزيونية، هذه الأخيرة التي تلعب كذلك دورا في انتشار اللفظ غير اللائق الذي قال بشأنه المتحدث أنه مرض خطير، ذلك أن المجتمع الجزائري على مر أجياله لم يشهد انتشاره، لكن منذ ظهور الأسر النووية زاد استخدام مثل هذه الألفاظ لدى الذكور والإناث، المراهقين منهم والمراهقات لاسيما مع كثرة الاختلاط بينهم. في حين أرجعت المختصة النفسية والمديرة العامة بمركز البحوث والتطبيقات البسيكولوجية سميرة فكراش هذا الأسلوب الجديد لدى المرأة في التواصل مع الآخر ذو الصبغة الرجولية والذي يقلل من صورتها، إلى حالة التمرد لديها على الأعراف والتقاليد، وعموما الصورة النمطية التي أعطيت لها كفتاة في السابق، لا سيما لدى الفتيات بأعمار 16، 17 و18 سنة اللواتي تتمرّدن على كل القوانين وما يقدّم لهن من الآخر كالأمهات، الجيران، الأصدقاء لإبراز شخصيتها المختلفة، بالرغم من أن “هذا التميز خاطئ يجعل الفتاة تنصرف عن كثير من السلوكات، الإيماءات والألفاظ الموجودة لدى سائر النساء” تقول المتحدثة. هذه الطريقة الخشنة في الحديث والظهور، عادة ما تبرز لدى الفتيات اللواتي مورس عليهن قمع عائلي، أو وجّهت لهن نظرة سلبية داخل أسرهن وحتى داخل العائلات الكبيرة العدد، أين تفتقد هذه الأخيرة لمن يرجع الأمور إلى موازينها. كما يكون لوسائل الإعلام دائما، حسب سميرة فكراش، من قنوات إذاعية جزائرية اعتاد مذيعوها على التلفظ بمثل تلك الألفاظ، وقع أكبر على مستمعاتها من الجنس اللطيف، خاصة فئة المراهقات اللواتي قد تتّخذن مذيعا أو مذيعة مثلا أعلى لهن، فتتبعن أسلوب حديثه. وصاية خارجية وداخلية على السلطات المختصة، إعادة قوانين الآداب العامة والعمل على فرض غرامات على كل من يتلفظ أو تتلفظ بمصطلحات خارجة عن المألوف في الهيئات العمومية، من منطلق رؤية أستاذ علم الاجتماع سمير عمر لمخارج القضية حتى وإن بقيت نسبية، مع التأكيد على الحد منها داخل أسوار الجامعات باتباع أسلوب الإنذار والتوبيخ. يبقى هذا مع العمل على مراقبة الأبناء داخل أسرهم ووعظهم في المساجد، لتحسين مسألة التلفظ لديهم اتقاء لتعقّد الظاهرة حتى لا نصل لما لا يحمد عقباه.