عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: أغفى رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم إغفاءة، فرفع رأسه متبسمًا، إمّا قال لهم، وإمّا قالوا له: لمَ ضحكت؟ فقال رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم: ”إنّه أنزلت عليَّ آنفًا سورة”، فقرأ: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتّى ختمها، قال: ”هل تدرون ما الكوثر؟”، قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: ”هو نهر أعطانيه ربّي- عزّ وجلّ- في الجنّة، عليه خيرٌ كثيرٌ، ترِدُ عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يُخْتَلَج العبد منهم، فأقول: يا ربّ، إنّه من أمّتي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك” أخرجه أحمد. هذه السُّورة تضع أمامنا منهجًا واضحَ المسالك، بيِّن المعالم في حفظ النِّعم والتقرُّب بها إلى اللّه تعالى، لأنّ هذا اللّفظ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يتناول خيرات الدّنيا وخيرات الآخرة، وأنّ خيرات الدّنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة. وإعطاء الكوثر الّذي هو الحوض أو نهر في الجنّة، كما جاء في الأحاديث الكثيرة، نعمة من اللّه تعالى توجِب الشّكر، وأفضل شكر هو أداء الفرائض؛ كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه تعالى قال: ”مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممّا افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنَّوافل حتّى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الّذي يسمع به، وبصرَه الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئِن استعاذني لأعيذنَّه” رواه البخاري. ومن هنا نفهم قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الّذي جاء عقب التّذكير بالنِّعمة، فإذا كان العبد شاكرًا لربِّه، مُقِرًّا بنعم اللّه عليه، عن طريق الفعل والقول معًا، فإنّ النتيجة الحتمية حماية اللّه للعبد؛ {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}، واللّه تعالى أعلم.