استنادا إلى التقديرات المقدّمة من قِبل المدير العام للوكالة الوطنية للنفايات، فإن كمية النفايات المنزلية تمثّل 75 في المائة من إجمالي النفايات، بينما لا تزال الجزائر بعيدة عن المقاييس الدولية فيما يتعلّق باسترجاع النفايات وتصفيفها. من جانب آخر، تقدّر حصة الجزائري كمعدّل يومي بكيلوغرام و1,2 كيلوغرام في المدن الكبيرة، ومن بين 0,5 و0,8 كلغ في المدن المتوسطة والصغيرة، وهو بالتالي من بين أعلى المستويات في منطقة شمال إفريقيا التي تقدّر معدلات إنتاج النفايات المنزلية فيها ما بين 170 كلغ و190 كلغ سنويا. ويزداد الإشكال حدة مع عدم قدرة الجزائر، إلى غاية الآن، على معالجة جزء كبير من النفايات المنزلية، ناهيك عن الصناعية والسامة والخطيرة، من بينها النفايات الاستشفائية المقدّرة بحوالي 34 ألف طن سنويا، يضاف إليها 4000 طن من الأدوية الفاسدة المخزّنة و2500 طن من المواد الكيميائية و140 طن من المبيدات. وإلى جانب لجوئها إلى شركات أجنبية في معالجة نفايات خاصة مثل الأميانت، فإن الجزائر لجأت أيضا إلى الخبرة الدولية لحصر ومعالجة مشاكل النفايات الخاصة، كما لجأت إلى مجموعة ”لافارج” لحرق الأدوية الفاسدة على مستوى أفرانها. تمثل حوالي 30 في المائة أكثر من 400 نقطة سوداء في العاصمة أحصت مديرية البيئة لولاية العاصمة أكثر من 400 نقطة مرتبطة بانتشار النفايات بالعاصمة فحسب، وتمثل هذه النقاط حوالي 30 في المائة من النقاط السوداء المنتشرة عبر التراب الوطني. وبغرض القضاء على النقاط السوداء، تقرر توسيع دائرة المراكز التقنية وإدخال تقنية الفرز وإغلاق المفرغات العشوائية مثل أولاد فايت، والتركيز على عمليات الفرز بنقاط محددة، على غرار المراكز التقنية ببرج الكيفان والدويرة، بينما تم تحديد في مرحلة أولى إيداع النفايات المنزلية بأولاد فايت قبل غلقها والحميز، واعتماد أكثر من 30 نقطة تجميع للنفايات الورقية بالجرف والحميز والقبة وعدة مناطق أخرى، وإبرام اتفاقية مع مجمّع ”تونيك” الذي كان يقوم بهذه المهام قبل تأميمه. في السياق نفسه، تقرر إنشاء شركة متخصصة جديدة لدعم عمل ”نيتكوم” تعرف ب«اكسترانيت”، أسندت لها مهمة جمع النفايات المنزلية على مستوى 29 بلدية، ورغم مرور شهر تقريبا منذ بداية نشاط الشركة الجديدة، إلا أن الملاحظ أن نشاط المؤسسة لا يختلف من حيث الجوهر عن ”ناتكوم”، وبالتالي تستخدم الأدوات والوسائل التقليدية نفسها التي تبين محدوديتها. وتفيد التقديرات الإحصائية أن مهمة ”اكسترانت” تظل صعبة لمعالجة وجمع أكثر من 2000 طن يوميا وتسعى الشركة إلى تغطية نسبة 80 في المائة من احتياجات الجمع والمعالجة للنفايات المنزلية في العاصمة التي تمتد على مساحة تقدر ب1190 كلم مربع، وتتمتع بحصرية في العديد من البلديات، منها رويبة وزرالدة ودرارية وبئر توتة، مع تغطية أكثر من 710 ألف نسمة والتدخل في 13 بلدية من مجموع 24، من بينها الحراش والشراڤة وبئر مراد رايس والدار البيضاء وبراقي التي يقدّر عدد سكانها ب1,8 مليون نسمة، يرتقب أن تضمن الشركة معالجة أكثر من 700 ألف طن من النفايات المنزلية سنويا عبر نطاق نشاطها الجغرافي. ويعد أكبر تحد في مجال معالجة النفايات في المدن الكبرى هو العامل التراكمي، مع تكدس مئات الأطنان من النفايات خلال السنوات الماضية، ما يجعل مهمة المعالجة أصعب في العديد من النقاط السوداء، لاسيما وأن عمليات نزع النفايات وجمعها تتم بصورة عشوائية وغير مدروسة، حسب الخبراء، إذ إن عمليات النزع تتم غالبا في الفترات الليلية، أي ما بين 10 ليلا إلى الواحدة بعد منتصف الليل كمعدلات معمول بها دوليا، بينما يتم في الجزائر دون ضوابط في المدى الزمني، وهو ما يعيد طرح إشكالية جمع ومعالجة النفايات المنزلية في الجزائر، والتي لم تكن تطرح بمثل هذه الحدة حسب الخبراء إلى غاية بداية الثمانينيات، وبدأت تطرح على خلفية الارتفاع الكبير لنسب وعدد السكان في المناطق الحضرية وتوسع المدن والعمران العشوائي. ويرتقب أن تصل كمية النفايات المنزلية في الجزائر، في غضون 2025، حوالي 30 مليون طن، وفي محاولة لضبط النفايات اعتمدت السلطات العمومية إطارا قانونيا منه القانون رقم 01-09 الصادر في 12 ديسمبر 2001، المتعلق بتسيير ومراقبة والقضاء على النفايات، والذي ينص على أن كل منتج أو مسؤول على النفايات غير الحية أو الخاصة ملزم بضمان القضاء عليها، وفقا لشروط تضمن عدم الإضرار بالبيئة والصحة العامة، ولكن القانون غير محترم، رغم تهديد السلطات بتسليط غرامات تصل إلى 500 ألف دينار للمخالفين والملوثين. مسؤول معالجة النفايات بمؤسسة ”أكفيرال” ل”الخبر” نجهل إستراتيجية الشركات العمومية في التخلص من النفايات أكد تالي الهاشمي، مسؤول معالجة النفايات بالشركة المتخصصة في عملية حرق ومعالجة النفايات الاستشفائية والصناعية ”أكفيرال”، أن خدماتها مفتوحة على المؤسسات العمومية والخاصة لتوفير أحدث الطرق في التخلص من النفايات المنزلية والطبية والصناعية. وأوضح تالي الهاشمي أن البلاد مازالت تعاني من أزمة نفايات ”مقلقة”، وهو ما يتطلب التكثيف من استعمال المحرقات للتخلص منها، خصوصا وأن محرقة واحدة قادرة على التخلص من 300 كغ من النفايات في الساعة الواحدة. وقال المتحدث ذاته، في اتصال مع ”الخبر”، إن إنتاج محرقة واحدة للنفايات يتطلب ما بين 45 إلى 60 يوما، وتكون المحرقات قادرة على التخلص من النفايات حسب حجم كل منها، بالانطلاق من 60 و80 كغ إلى غاية 300 كغ في الساعة، تنتج للمؤسسات حسب الطلب، في حين توفر المؤسسة خدمات الحرق لمؤسسات أخرى يتم التعاقد معها وفق مدة زمنية محددة. ويرى تالي أن المؤسسة لا تعرف إلى حدّ الآن إستراتيجية الشركات العمومية في التخلص من النفايات المنزلية والصناعية والاستشفائية، خصوصا وأن المؤسسة عرضت خدماتها على مختلف الهيئات، إلا أن الطلب يبقى ”ضعيفا” من قِبلها، واستغرب لجوء بعض المؤسسات العمومية إلى الاستيراد، رغم أن ”المحرقات” تنتج بنوعية رفيعة داخل البلاد. وأضاف أن مسؤولي ”أكفيرال”، الكائن مقرها ببلدية الحراش، توجهوا إلى مختلف المديريات، وبالخصوص مديريات البيئة عبر 48 ولاية، للتعريف بمنتوجهم، بالإضافة إلى عقد أيام إعلامية للتحفيز على اعتماد هذه التكنولوجيات العصرية في التخلص من النفايات بدرجة أمان أفضل، كونها تضمن (0) انبعاثات غازية، وتستعمل آلات متخصصة تتعدى قيمتها ال400 مليون سنتيم، في دراسة التغيرات على الجو وتحليل الماء والرماد الناتج عن عمليات الحرق قبل رميه، كما تخضع المحرقات سنويا إلى اختبارات أخرى محددة في إطار القانون. وتنتمي مؤسسة ”أكفيرال” إلى القطاع العمومي، حيث يملك 130 عامل أسهم في الشركة، وتمكنت، وفق المتحدث، من تغطية الطلبات المقدّمة من بعض المؤسسات الاستشفائية من المحارق. في حين دعا باقي المؤسسات، التي مازالت تعتمد على الطريقة التقليدية في حرق النفايات الطبية، إلى تقديم طلبها لتأمين المحيط من مخاطر هذا النوع من المخلفات، مؤكدا أن المؤسسة اضطرت للاتصال ببعض الولاة في تيزي وزو وبومرداس وقسنطينة وولايات أخرى، للتأكيد على أهمية اعتماد المقاييس العالمية في حرق النفايات وبحث إمكانية تزويدهم بمحرقات، إلا أن ”الثقافة الصحية اللازمة والتوعية مازالت ضعيفة”. وأكد المتحدث على الدور الذي ينبغي أن تتبناه الحكومة في فرض استعمال المحارق الحديثة على المؤسسات العمومية والخاصة المعنية لحماية البيئة وتأمين صحة المواطنين، مشيرا إلى وجود قرار مشترك بين وزارة الصحة ووزارة البيئة، منذ عهد الوزير الأسبق شريف رحماني، والتي تلزم الولايات بتوفير المحارق في كل مؤسساتها العمومية والاستشفائية خصوصا، ”إلا أنه القرار الذي لم يطبق لحدّ الآن”. وتتراوح أسعار إنتاج المحرقات ما بين 800 مليون سنتيم إلى 4 مليار سنتيم للمحرقة الواحدة، وتوفر المؤسسة إلى جانبها خدمات ما بعد البيع والصيانة. الجزائر: مريم شرايطية الجزائر من بين البلدان الستة الأولى عالميا في استعمالها الفرد يستخدم 117 كيس بلاستيكي في السنة أضحت الأكياس البلاستيكية ديكورا يوميا ومشهدا مألوفا في المدن الجزائرية، وتفيد الإحصائيات المتوفرة أن الجزائري يبقى من بين أكبر المستهلكين والمستخدمين عالميا لهذه المادة. وأضحت الأكياس ديكورا في مختلف المدن الجزائرية، حيث يتم إنتاج واستعمال ما بين 6,5 إلى 7 مليار كيس سنويا في الجزائر، ويستخدم كل فرد جزائري حوالي 180 إلى 200 كيس بلاستيك. وهذه الإحصائيات تضع الجزائر ضمن أهم البلدان المستهلكة للأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل في الطبيعة في غالبيتها لسنوات عديدة، ورغم السياسات والوعود التي أطلقتها الحكومات المتلاحقة، إلا أن هذه الحكومات ذهبت دون أن تزول مشاهد أكياس البلاستيك التي أضحت ديكورا مألوفا، ما يكشف عن عجز الحكومات وانعدام الرؤية لديها، رغم تطوير البدائل في صناعة الورق. وتعتبر الجزائر استنادا إلى الإحصائيات المتوفرة من أكبر وأهم البلدان النامية التي تستخدم أكياس البلاستيك، بل تصنف أيضا من بين البلدان الستة الأولى عالميا، حيث يتم اللجوء إلى أكياس البلاستيك بالنظر إلى كلفتها المتدنية مقارنة بالأكياس الورقية، رغم المخاطر التي تحملها على المستوى البيئي والصحي، مع ملاحظة أن جزءا كبيرا من الأكياس المستخدمة غير قابلة للتحلل، على عكس ما هو موجود في البلدان الكبرى المستهلكة للأكياس مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا وأستراليا التي تختار الأكياس القابلة للرسكلة والاسترجاع، بل إن بلدان مثل المغرب خطت خطوة متقدمة في هذا المجال وهي التي تستهلك أكثر من 26 مليار كيس سنويا. أما عالميا، فإن هناك ما بين 600 مليار إلى 1000 مليار كيس بلاستيك يتداول سنويا، بينما لجأت عدة بلدان أوروبية وصاعدة، كدول أوروبا الشمالية مثل السويد والنرويج وايرلندا، والصين وتايوان إلى تعميم استخدام أكياس الورق لسهولة استرجاعها ورسكلتها. ويؤكد الخبراء أن اللجوء المكثف لأكياس البلاستيك يعود إلى قلة استهلاك الطاقة بنسبة تقارب 20 في المائة، مقابل استهلاك أقل للمياه بنسبة تتراوح ما بين 3 و5 في المائة على عكس الورق المستهلك كثيرا للمياه، والأمر نفسه بالنسبة لإعادة الرسكلة والاسترجاع بين البلاستيك والورق. ولكن في ظل انعدام الوسائل التقنية والتكنولوجية في الجزائر، فإن خيار الاسترجاع لا يزال غير متاح على نطاق واسع. علما أن معدل تحلل أكياس البلاستيك في الطبيعة لا يقل عن قرنين أي 200 سنة. وفي الوقت الذي سادت أكياس البلاستيك السوداء، عمدت الجزائر، منتصف سنوات 2000، إلى تنويع ألوان الأكياس فقط، مركزة على أن اللون الأسود للكيس أكثر ضررا، دون إيجاد حل عملي للأكياس المنتشرة عبر المدن الجزائرية. رغم تحذير خبراء البيئة منها وتخلي عدة بلدان عنها الجزائر تلجأ إلى خيار مراكز الردم التقني قررت الجزائر اللجوء إلى خيار مراكز الردم التقني، منذ سنوات، لمعالجة المشاكل المترتبة عن تكدّس النفايات وتأثيرها على المحيط والبيئة، وإن حذّر خبراء في البيئة من انعكاسات تكثيف اللجوء إلى هذا الخيار للقضاء على المفرغات العشوائية المنتشرة، بالنظر إلى إمكانية تأثير المياه الجوفية بتسربات غازية والمواد الكيميائية الناجمة عن تحلل النفايات ومنها مادة ”ليسيفيا”. وقد لاحظ السيد سعد بن عطا اللّه، مسؤول بالمجلس السياسي ل«فاسترفيك” السويدية أن السويد طورت بدائل مند مدة طويلة في مجال معالجة النفايات، منبّها إلى خطورة تقنية الردم التقني على التوازنات البيئية. وقامت الجزائر إلى الآن بإقامة أكثر من 110 مركز للردم التقني، لمعالجة وضع يزداد سوءا، بالنظر إلى عدم القدرة الاستيعابية من جهة وغياب سياسات الفرز والرسكلة والاسترجاع وتثمين النفايات وتحويل جزء منها إلى طاقة، والتي اعتمدت في العديد من البلدان كما أشار إليه سعد بن عطا اللّه. ويبقى مشكل القضاء على النفايات من بين أكبر التحديات التي تواجه وستواجه أكثر الجزائر خلال السنوات المقبلة. ونبه الخبير في البيئة، محمد كفطان، أن الجزائر ملزمة لتفادي كوارث إيكولوجية أن تقوم بالرسلكة والاسترجاع، مؤكدا أن السياسات الماضية أفرزت عدة اختلالات، منها ظاهرة انتشار المواد غير القابلة للتحلل لعدة سنوات، من بينها الأكياس البلاستيكية، التي أخفقت الحكومات المتلاحقة في إيجاد حل ناجع لها.