يمكن القول إن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية هي كل مُبنينٌ ومتسلسل أو نسق من العلاقات الرابطة بين مختلف المستويات أو العناصر المكونة لها، ولا تتجلى هذه البنى إلا من خلال وقائع أو علاقات بشرية عيانية، فهذه البنية واقعية في الحقيقة إلا أنها لا تتجلى إلا في “الناس” وخاصة في علاقاتهم وأفعالهم وتصرفاتهم العلنية، فإذا فصلت هذه العلاقات واختزلت في كلية مستقلة ذاتيا دون أن يؤخذ بعين الاعتبار أنها نتاج للممارسة الاجتماعية أي للممارسة الإنسانية، فإنها تتحول إلى مجرد تجريد ومجرد فوضى ذهنية ومجرد لغط فكري كذلك. وعلى النحو ذاته، فإن الأفراد المرموقين أو أفعالهم داخل مجتمع معين (من سياسيين وفقهاء وعلماء ومبدعين ورياضيين.. الخ) وكذا الوقائع التاريخية المرتقبة أو غير المرتقبة والمعزولة عن البنى المكونة لها، بطريقة إجبارية من طرف كتلة سياسية معينة تقوم ببعض السلوكات الخبيثة والمدمرة للصالح العام، وذلك للدفاع عن سلطانها ومصلحتها، فهي تتصرف هكذا (أو تعرقل) مجرى التاريخ لفترة معينة نظنها طويلة لكنها في الحقيقة قصيرة. ذلك أن التاريخ طويل ولكن أقواسه قصيرة، فهكذا احتكرت الاشتراكية العالم بأسره أثناء القرن العشرين، كما احتكرت الرأسمالية العالم بأسره أثناء القرن التاسع عشر وها هي تعيد الكرة في هذا القرن الواحد والعشرين، فكل هذه الفترات قصيرة في الحقيقة وليست خالدة، لأن التاريخ لا يعرف للخلود معنى، لأنه مادي أولا وقبل كل شيء والخلود مفهوم روحي خام ومبهم. وتشكّل هذه البنى تجريدا يفترض عنصرا علائقيا أساسيا محضا. فيصبح التاريخ آنذاك (وهذا ما تتجاهله الشعوب بصفة عامة) إجباريا وحتميا مهما كانت المراوغات والمماطلات من طرف طبقة معينة أو من طرف كيان سياسي معيّن يحاولان فقط ربح الوقت بكيفية تكاد تكون تطيرية، مثلما هو الأمر في كل البلدان المتخلفة اقتصاديا وسياسيا (أي ذهنيا). وتنطبق هذه الأطروحة بطريقة دقيقة وفعالة على مجريات الأمور السياسية الجزائرية اليوم، فأحداث “غرداية” كما يسميها بعض الساسة وبعض “الاتصاليين”، مثلا، تمثل الدليل القاطع على فشل المسؤولين الجزائريين في التحكم في تسيير البلاد يشمل كل أصقاعها، وهذه الأحداث كما أشار الحاج ناصر في مقال قيم له هي نتيجة طغيان الفساد المالي الذي تحول إلى أداة لتسيير الشأن العام في الجزائر، كما أضاف وحذر من استغلال هذه الأحداث دوليا، لأن الإستراتيجية الغالبة والمشروع المعتمد يراد منه إنهاك الجزائر وإجبارها على ضخ كل ما في باطن أرضها وترك شعبها ينحرف عن الطريق “فاستعمال العنف ضد المواطنين المزابيين وحرق ضريح عمي الشيخ في غرداية وضريح سيدي عيسى في مليكة وهما الوليان الصالحان لكل المنطقة، وقد شيدا في القرن السادس هجري، يعطي فكرة على إرادة بعض الأشخاص وبعض المافيات الداخلية والخارجية على ضرب الجزائر في الصميم، في صميم جغرافيتها وفي صميم تاريخها وفي صميم دينها. خاصة ونحن نعلم أن “المزابية” يكوّنون عنصرا أساسيا في الاقتصاد الجزائري والتقشف والتصوف، كذلك وقد أعطت هذه المنطقة شاعر الجزائر “العرمرم” مفدي زكرياء وأعطت وزراء وعلماء وباحثين في كل المجالات. لذا، فإن هذه “العقوبة” التي سلطت على غرداية هي عقوبة أريد منها ضرب الجزائر كلها. لذا فكلنا “مزابية”