كل قوانين الجمهورية، منذ الاستقلال، تنبذ التزوير بل وتحاربه وتحترم المواثيق الدولية وتحارب الرشوة والمحسوبية والمحاباة، وتضع أجهزة حساسة كالإدارة والعدالة في منأى عن التدخلات السياسية وتأثير أصحاب النفوذ وسلطة المال.. كل القوانين تشدد على حياد الإدارة قبل وأثناء الاستحقاقات الانتخابية. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت روح القوانين كلها مستمدة من أعلى وثيقة في البلد (الدستور) التي تضمن المبادئ والقيم التي أشرنا إليها سابقا، فما الداعي إذن لإصدار تعليمة رئاسية يأمر من خلالها الرئيس الحكومة والوزارات وكل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالعمل على ضمان انتخابات حرة، نزيهة وشفافة، تكون فيها الإدارة على نفس المسافة من المرشحين للاستحقاق الرئاسي؟ الواقع أن مجرد إصدار هذه الوثيقة يعني أن أجهزة الدولة سابقا لم تكن تلتزم الحياد وهذه مصيبة.. وإذا علمنا أن مثل هذه التعليمات قد صدرت في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة ولم تنج الانتخابات من التزوير فهذه مصيبة أكبر. الكل يعلم أن الإدارة لاعب سيّئ لا يعرف معنى الحياد والاستقلالية، لأن طبيعة النظام السياسي الجزائري فرضت عليها هذه العادة المشينة.. والإدارة الجزائرية التي يصفها المواطن بكل الأوصاف السيئة، تتوفر على كفاءات عالية، لكن هذه الكفاءات لا يسمح لها بأداء دورها، فالإدارة التي وجدت خصيصا، على غرار الصحافة العمومية، لخدمة المجتمع والصالح العام أصبحت تخدم النظام القائم. فسواء ترشح للرئاسيات رجل كفء أو ضعيف، فإنه سيكون الفائز لا محالة إذا كان مدعوما من النظام والجيش. ومن يعرف النظام الجزائري قليلا، يعرف أن لا حول ولا قوة للعدالة، ولا حول ولا قوة للتلفزيون ووسائل الإعلام العمومية، ولا حول ولا قوة للإدارة مادام النظام قد قرر مسبقا من يفوز بالانتخابات. أما البقية فهي مجرد سيناريو يكون محبوكا بطريقة جيدة أحيانا، كما حدث في 2004، حيث بدا للعيان أن الانتخابات كانت مفتوحة حقا، ويكون سيّئ الإخراج في غالب الأحيان، مثلما حدث في 1999، وتعطلت “الماكينة” لينسحب المتسابقون الستة ويتركوا المجال لمرشح السلطة السيد عبد العزيز بوتفليقة. خلاصة القول أنه عندما يصبح النظام ديمقراطيا يحترم إرادة الشعب، وتكون للجزائر سلطة وسلطة مضادة تراقبها وتلعب دورها، ستعيش الجزائر انتخابات حرة، شفافة، ديمقراطية ونزيهة، دون اللجوء إلى هكذا تعليمة، لأن القانون فوق التعليمة والدستور فوق الجميع. بقي أن نقول فقط أن الجزائريين تعوّدوا على مثل هذه التعليمات ولا يصدقون أمرا كهذا، لأنهم ببساطة لا يعيشون في كوكب القمر أو الزهرة أو زحل ولا في السويد أو بريطانيا. [email protected]