هل لنا أن نعرف كيف يعيش أحفاد الأمير عبد القادر الحقيقيون؟ الأمير عبد القادر لديه 10 أولاد ولم يبق من ذريته إلا أربعة أبناء وهم: الأمير علي، الأمير أحمد وهو جدي، الأمير محمد باشا والأمير الهاشمي، وكلهم مسنون، ولا يتجاوز عدد أحفاد الأمير 12 حفيدا، وهم لا يهتمون بالسياسة وغير منتسبين إلى أحزاب سياسية أبدا، حيث فضلوا الابتعاد عن مشاحنات السياسة والاعتكاف للعمل الفكري والخيري، من خلال حلقات الذكر والفكر التي تجمعهم ورفاقهم الدمشقيين للتزود من فكر الأمير، فحتى الأمير خالد الذي كان له نشاط مميز في سوريا، منع من العودة إلى الجزائر بأمر من السلطات الفرنسية في الجزائر في ذلك الوقت، حتى توفي بدمشق سنة 1936. هل تعني أن لا أحد من أبناء الأمير اتجه إلى السياسة؟ قاوم الأمير عبد القادر فرنسا لمدة 17 سنة، ويعتبر نضاله أطول مقاومة في تاريخ الاستعمار ضد البشرية، فلم يرد أبدا أن قاوم شخص استعمارا مدة 17 سنة، غير أن الأمير بعد أن اعتقل وتم نفيه إلى فرنسا ثم إلى تركيا ومنها إلى دمشق التي اختارها لكي يستقر بها منذ سنة 1856 حتى وافته المنية سنة 1883 بسبب المرض. كان قراره واضحا تجاه السلطة والمناصب السياسية، حيث رفض الأمير منصب والي دمشق الذي عرض عليه عقب أحداث الفتنة الطائفية الشهيرة التي كان له دور إنساني فيها أبهر العالم. واعتبر الأمير عبد القادر، طيلة حياته في دمشق، أن السياسة لا تقدم أحسن من الفكر، وهذا الإرث الثقافي هو الذي يعيش عليه أحفاده اليوم، حيث يعتقدون بأهمية مدرسة جدهم الأمير عبد القادر التي أسس لها في دمشق، من خلال الدخول في السياسة الفكرية، ورغم ذلك يمكن أن نسجل أن أول حاكم لسوريا هو الأمير سعيد حفيد الأمير عبد القادر . لماذا لم يعد أحفاد الأمير عبد القادر إلى الجزائر؟ أحفاد الأمير لم تنسلخ هويتهم عن الجزائر أبدا، وهم في دمشق يعيشون بروح جزائرية، فنحن في دمشق لا نشعر أبدا أننا خارج الجزائر لأن تواصلنا دائم مع الجزائر منذ مائتي سنة، وقد كان عدد الجزائريين الذين استقروا في سوريا منذ ذلك الوقت حوالي 20 ألف جزائري، وأصبح اليوم نصف مليون سوري من أصل جزائري. يجب أن نواصل نشر ثقافة الجزائر داخل الجزائر وخارجها، لأن الإنسان يجب أن يعيش بهويته في أي مكان، فالجزائريون في دمشق لم يتخلوا أبدا عن هويتهم، وأنا أتحدى أي جنس في العالم يعيش 150 عام خارج بلاده ولا تنسلخ هويته، إلا أن جهود أحفاد الأمير استطاعت أن تجعل من السوريين من أصول جزائرية دائمي التعلق بهويتهم وعاداتهم الجزائرية وشديدي الاعتزاز والفخر بانتمائهم إلى الجزائر. لماذا كثر مؤخرا إطلاق لقب ”حفيد” على كل من يشير إلى علاقة أو بأخرى بالأمير؟ الأحفاد كلمة فضفاضة، لهذا يجب أن نوضح أنه من العيب أن ينتسب المرء لغير أبيه، والإعلام يشجع على إلصاق لقب ”الحفيد” بغير أهله، وأعتقد أن ذلك عن حسن نية. يجب أن نكون حذرين جدا بالنسبة للألقاب والأنساب، لأن ذلك قد يعرض التاريخ للتزييف وأنا أعمل الآن مع قانونيين وبرلمانين في الجزائر من أجل سن قانون يحصر لقب ”حفيد الأمير عبد القادر” في أبنائه فقط، حيث لا يحق لأي شخص آخر أن يتحدث بلقب ”حفيد الأمير” حتى وإن كان من أبناء عمومة الأمير، فلا يحق لهم أن يطلقوا على أنفسهم ”أحفاد الأمير”، فمثلا عائلة بوطالب هم من نسل أخيه، يسمون بآل أبي طالب، ليسوا أحفاد الأمير، نحن نحافظ على صلة الرحم، ونكنّ لهم كل الاحترام والتقدير، لكن يجب أن يتوقف الإعلام عن المتاجرة باسم الأمير عبد القادر ويجب التحقق من الوثائق من خلال شهادة النسب. نخاف إذا تركنا هذه ”الميوعة” أن يأتي يوم من هو من خارج نسل الأمير عبد القادر ويسيء له ولتاريخه من خلال استخدام لقب ”حفيد” بغير حق، لهذا فالقانون الذي نسعى إلى ضبطه في البرلمان الجزائري سيجعل من استخدام ”حفيد عبد القادر” مضبوطا وموثقا. أتمنى من وسائل الإعلام في الجزائر أن تقوم بالتحقق من كل من يدّعى بأنه ”حفيد الأمير”، فالحفيد عند العرب هو الابن، فحتى الحسن والحسين لم يطلق عليهما أحفاد الرسول بل يقال عنهما سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان أحدٌ ما جدته من أصول الأمير عبد القادر فعليه أن يوضح ذلك أمام الإعلام، وإذا أردنا فكل الجزائريين أحفاد الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. لم يسلم تاريخ الأمير من التشويه وأسوأ تهمة وجهت له هي ربطه بالماسونية. هل لك أن توضح لنا الحقيقة؟ الماسونية عبارة عن خدمة يستخدمها الغرب للتقليل من رموزنا التاريخية، وهي عملية غسل للأجيال لكي يفقد الشباب الثقة في رموزهم، وهذه فزاعة صنعتها فرنسا لضرب رموز العرب والمسلمين، لأن ضرب الرموز يعني انهيار الدول. وأنا أعتقد أن ما زرعه الاستعمار نجنيه الآن من تقسيم للبلاد العربية والإسلامية. لاحظ كيف أن الغرب لا يشككون في رموزهم. وبالنسبة للماسونية فهذه جمعية عمرها مائتي سنة، كل رموزها أصوليون، وقد حاولوا إلصاق تهمة الماسونية بالأمير عبد القادر لأنهم أعجبوا بسماحة أخلاقه فأرادوا أن يقولوا للعالم هذا ”الأمير منهم”، فالأمير عندما حمى النصارى أصبح جميع قادة العالم يراسلونه ويغازلونه في محاولة لجلبه. وقد كان هناك مهندس يهودي ماسوني فرنسي يدعو ”ديليسبس”، كانت له مساهمات كبيرة في بناء مشروع قناة السويس، قد التقط صورة مع الأمير عبد القادر بحضور حاكم مصر خلال حفل افتتاح قناة السويس الذي حضره أزيد من 6 آلاف مدعو، ومن خلال الصورة تم اتهام الأمير بأنه ماسوني، وقد استغل الماسونيون تلك الفرصة لتشويه صورة الأمير عبد القادر الذي هو أكبر أخلاقيا من أي جمعية مشبوهة، لأنه تفرغ للعلوم والزهد في دمشق وكل إنسان عربي فيه خير يريد الغرب تشويهه. هل يعقل أن ينتسب شخص إلى جمعية لا تملك له بطاقة أو صورة له في اجتماعاتها؟ إنهم يغارون من سماحة أخلاق الأمير عبد القادر لأنه كبير وفتح أبوابه للجميع. نقف اليوم في بيت الأمير الأول بدمشق وقد تحوّل إلى مركز ثقافي؟ ما هي أهداف المركز؟ بداية أود أن أقول إني أفتح أبواب غرفة الأمير الخاصة ومكتبته لأول مرة أمام الصحافة، ففي مكتبة الأمير توجد حكاية العلم الجزائري الأول الذي رسمه الأمير على جدار داره الذي عاش فيه ثلثا حياته، وهناك نجد دليلا على أصل العلم الوطني الجزائري الذي رسمه الأمير، وهو بالأخضر والأبيض وتتوسطه نجمة. أنا أحاول بجهودي الخاصة إعادة ترميم أجزاء البيت الذي أصبح مركزا ثقافيا ومقر مؤسسة ”الأمير عبد القادر الجزائري” الدولية للثقافة والتراث في دمشق، التي قررنا إسناد رئاستها إلى الدكتور معتز السبيني، وهو ليس من أحفاد الأمير، وهنا الغاية، حيث نريد أن تكون المؤسسة صرحا للفكر يخدم الإسلام الوسطي الذي دعا إليه الأمير وتؤسس للتسامح ونبذ العنف، كما كان الأمير يقدم دروسه لعلماء الأمة الإسلامية. ما هو موقفكم من الفيلم الذي يتم الإعداد له حول حياة الأمير عبد القادر؟ لقد أطلعتنا وزارة الثقافة الجزائرية على سيناريو الفيلم، وأعتقد أن إنجاز الفيلم خطوة جيدة لأنه في النهاية لن يتوغل كثيرا في حياة الأمير، فهو لن يصل إلى تناول فترة الأمير في دمشق. ومن المهم إنجاز فيلم عن حياة الأمير، كما أننا نثق في المخرج الأمريكي شارل برنات الذي أسندت له مهمة إخراج الفيلم، لأن المخرج من أصول إفريقية لديه مبادئ إنسانية لمسناها في أفلامه. وبالنسبة لنا نحن أحفاد الأمير عبد القادر، لدينا مشروع إنجاز مسلسل عن حياة الأمير عبد القادر لأن حياة هذا القائد الكبير تحتاج إلى حلقات.