فرض ملثمون في عدة مواقع بمدينة غرداية حواجز أمنية مزيفة لتفتيش السيارات التي تخترق بعض الطرق، بحثا عن أشخاص من خارج الأحياء، وسط حالة من الانفلات الأمني الخطير، وواصلت مجموعات كبيرة من الشباب تبادل التراشق بالحجارة والزجاجات الحارقة، بينما اكتفت وحدات التدخل وفرض النظام بإطلاق القنابل المسيلة للدموع. لم يسلم الأطفال من عابري السبيل من اعتداءات الملثمين الذين فرضوا سيطرتهم على بعض الطرق الجانبية، وحتى الرئيسية داخل بعض الأحياء. وتواصلت أعمال العنف بين العرب والميزابيين في منطقتين بغرداية طيلة نهار أمس، وتعرض العشرات من عابري السبيل للاعتداء بالضرب المبرح، ومنهم أطفال ونساء، في تطور خطير لمنحى العنف أسفر أمس عن إصابة 10 أشخاص آخرين بجروح. وعبّر مواطنون من غرداية عن استيائهم الشديد من غياب الحزم في تعامل قوات مكافحة الشغب مع مثري الشغب والمتورطين فيه. واستعاد الآلاف من سكان الأحياء الساخنة بمدينة غرداية، ليلة الأربعاء إلى الخميس، مشاهد الرعب والعنف بعد هدوء نسبي تواصل لشهر تقريبا، لكن ما لم يفهمه المواطنون في غرداية هو سرعة تدخّل وحدات مكافحة الشغب في العاصمة وإخلاء الساحات واعتقال كل من تجمّع من خصوم العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، وتساهل قوات الأمن والدرك مع ملثمين يحملون السيوف والخناجر ويعتدون على الممتلكات. ويقول، في هذا السياق، عمر طالب، عضو سابق في المجلس الولائي بغرداية: “ما يثير استغرابي هو أن مئات الصور تشير صراحة إلى أن قوات مكافحة الشغب من الشرطة والدرك تتفرج على جموع الشباب المسلحين بأسلحة بيضاء، ولا تعمد أبدا لاعتقالهم كما جرى في العاصمة، رغم أن الأمر يتعلق بأشخاص يرغبون في الاعتداء والقتل الحرق والتخريب”. وتكررت مشاهد العنف نفسه في غرداية ليلة أول أمس، حيث استحالت الحركة عبر بعض الشوارع وتحوّلت شوارع أخرى إلى مواقع لتحرك قوات الشرطة والدرك لمواجهة الاضطرابات العنيفة. وتمكّن ملثمون في عدة مواقع من تخريب أكثر من 12 بيتا ومحلا تجاريا وتحطيم زجاج عدد من السيارات، وإصابة ما لا يقل عن 15 شخصا بجروح منهم 6 من عناصر الشرطة والدرك. وحسب شهود عيان من الأحياء التي شهدت تجدد أعمال العنف، فإن مظاهر تجدد العنف بدت واضحة منذ مساء أول أمس، حيث تجمع عدد من الشباب في بعض المناطق الساخنة، كما أن قوات مكافحة الشغب تلقت تحذيرا من سكان بعض الأحياء حول وجود مخاوف من وقوع اعتداء بعد المواجهات التي شهدها حي شعبة النيشان. والمثير في أحداث غرداية هو أن الشباب من الجانبين يتحدثون عن تعرضهم للاعتداء، وأنهم في موقف الدفاع عن النفس. ويقول ضابط من قوات مكافحة الشغب للدرك الوطني، رفض الكشف عن هويته: “في كل مرة، ومنذ أكثر من شهرين منذ اندلاع أعمال العنف، في كل مكان تقريبا، فإن الشباب المتورطين في أعمال العنف يحضّرون كل شيء من زجاجات حارقة وأسلحة بيضاء وسيوف وكميات ضخمة من الحجارة، ما يدفع للتساؤل حول من يقف خلف تجدد أعمال العنف”. ويقول في هذا السياق “ب.خالد”، وهو أستاذ جامعي وأحد ممثلي سكان الأحياء في المفاوضات التي جرت مع السلطات: “أريد أن أطرح سؤالا ينغّص عليّ نومي منذ أكثر من شهرين؛ لماذا لم تبادر السلطة لفتح تحقيق جدي حول المتسبب الحقيقي في أعمال العنف؟ إن كل أطراف الأزمة طلبوا هذا. أنا بصراحة أرى أن بعض المسؤولين يتعمّدون تعفين الوضع في غرداية خدمة لأجندات مجهولة”.