وادي سيباو ووادي بوعيد ببوخالفة وسيدي نعمان وتادمايت بولاية تيزي وزو وبغلية وبن شود وسيدي داود وشواطئ رأس جنات ببومرداس، التي وقفت عليها ”الخبر”، حيث تعجز كل الأعضاء عن الوصف، وتبقى في ذهول تكاد تنسيه أن هذه الأمور محظورة قانونا، خاصة وأن الوضع أقل ما يقال عنه ”كارثة ايكولوجية”، بعد أن ‘'أمّمت” المافيا هكتارات وهكتارات من الأراضي ووضعتها تحت تصرفها، وعاثت في طبيعتها خرابا وفسادا، لمدة فاقت 15 سنة، بمقدار نهب وصل إلى غاية 18 مليون متر مكعب طيلة هذه الفترة، التي أدرت على ”بارونات الرمال” ما يتجاوز 180 مليار سنتيم أرباح سنوية، أمام أعين العام والخاص وصمت رهيب من الجهات المسؤولة بالولايتين. مرملة ”تادميت”.. الشجرة التي تغطي الغابة كانت زيارتنا للوادي في وضح النهار، حيث كانت الحفر والخنادق وآثار النهب باقية بوسطه وبحوافه، ناهيك عن أكوام الرمل المتراصة هنا وهناك، وكأن الأمر يتعلق بمشروع في طور الإنجاز، لكن واقعه يعكس كل ذلك تماما، وهو ما اكتشفناه ونحن نتوغل في وادي سيباو، وبالضبط في منطقة ”كاف لعقاب” الذي يمر على أكبر ”إمبراطورية” للرمال بالمنطقة، ألا وهي مرملة وادي سيباو، التي أصبحت تنشط بشكل عادي منذ 2001، حيث وبمجرد أن تغرب الشمس وتمتد خيوط الليل بظلامه الدامس تدبّ حركة غير عادية بهذه الأخيرة، حيث تتحول إلى أكبر سوق غير شرعي للرمال بعد ليلة من النهب واستخراج الرمل ونقله، حيث تبدأ كل المسالك في النشاط من شاحنات وجرارات وجرافات تحمل الرمل من وسط الوادي، إلى غاية فجر اليوم الموالي لتتوقف الحركة ويختفي كل من دخل هذه النقطة. وهنا يحكي أحد المواطنين، ينحدر من بلدية الناصرية: ”حين كان يحل ليل تسعينيات القرن الماضي تدب حركة غير عادية بالمنطقة، وتكسر الشاحنات هدوء ليالي قرى معزولة عانت من بطش الإرهاب، لم يجد شبابها غير السقوط في أحضان هذه المافيا ليتجمع الشباب البطال بالقرب من الطرقات، في انتظار مرور الشاحنات لملئها يدويا، هي فرصة عمل لمن لا عمل له”، ويواصل كلامه ”لكن الأمر تغير مع بروز الجرافات والمرامل التي انتشرت كالفطريات منذ 15 سنة، فتحوّل من لا عمل له إلى شاب دون أدنى أمل في الحصول على شغل، فمعظم المرامل تفضّل الماكنات لسرعتها في التصفية والرفع”. وأضاف فلاح رفض ذكر اسمه: ”حالة الوادي في النهار تربك زائره، بسبب خطورة الوضع فيه”، مشيرا إلى أنه مورد سقي محاصيلهم الفلاحية، التي باتت مهددة بالزوال بعد مغادرة عدد من الفلاحين للمنطقة وجفاف الوادي بسبب عمليات الحفر الكبيرة التي أدت إلى انخفاض مستوى مياهه في بعض الأماكن بأكثر من 25 مترا، يوضّح الفلاح. وهنا يضرب محدثنا مثلا بالمشكل العويص الذي وقع فيه فلاحو سيدي دواد بعد ارتفاع مياه البحر عبر مصبّه في منطقة الساحل ببوبراك، حيث توغل البحر على مسافة مئات الأمتار، مفسرا الأمر بانخفاض مستوى الوادي على البحر وهو أمر إيكولوجي خطير، حسبه. حاولنا بعدها التقرب من ”المرملة” التي لم نكن نرى منها سوى عدد من الجرافات والشاحنات الكبيرة، المنهمكة في عمليات نقل الرمل المجمّع في الليل من الوادي المجاور، غير أن عددا من المواطنين هناك نصحونا بعدم الاقتراب من المنطقة، لخطورة الأمر علينا، حيث قال أحدهم: ”أنتم تبحثون عن الموت عن سبق إصرار وترصد..”. كل هذا الكلام و«التخويف” الذي سرّبه هؤلاء إلى نفوسنا، جعلنا نستفسر أكثر عن طرق نشاط هذه ”المرملة اللغز”، حسبهم، حيث قال لنا أحد الشباب: ”ملاك هذه المرملة لهم نفوذ كبير، استطاعوا من خلاله شراء ذمم المواطنين”، ليضيف ”صاحب هذه المرملة سيطر على الوادي كله، وهو من يتحكم في كل المرملات الصغيرة بالمنطقة، من خلال ”حصرية” بيعه لتراخيص العبور التي يتم إظهارها في الحواجز الأمنية”. وبخصوص سبل تهريب أو نقل الرمل، كشف محدثنا أن ”إمبراطورية تادميت هي الوحيدة التي تملك تراخيص النقل، حيث يقوم أصحابها ببيع وصولات النقل، بمبلغ 12 ألف دينار، للمرملات والناقلين الآخرين ببومرداس وتيزي وزو، وهذه الوثيقة لا تحمل سوى ترقيم الشاحنة المستعملة وتستظهر في الحواجز الأمنية فقط”. وردا على سؤالنا ”من هو المانح الشرعي أو السلطة المخولة لمنح مثل هذه التراخيص؟”، ابتسم المتحدث، وقال: ”سؤالكم نطرحه على أنفسنا منذ سنوات، لكننا لم نجد له جوابا”. ولم تتوقف طرق تحايل هذه المرملة عند هذا الحد، حسب مواطن آخر، حيث قام صاحبها، مؤخرا، بوضع لافتة كبيرة ”بومرداس ترحّب بكم”، متحايلا بذلك ومقتطعا لحيز كبير من الهكتارات من ولاية تيزي وزو، وهذا من أجل التوسع على حساب الوادي الذي فتح شهية صاحب المرملات به. وبوادي بغلية كانت الصورة ”أبشع” بكثير، حيث كانت وضعية الوادي أشبه بعمليات التنقيب، بعد الحفر الكبيرة التي وصل إليها الناهبون، كما أن العملية وصلت إلى غاية الحفر تحت أحد الجسور بالبلدية، ما بات يهدد بانهياره في أي لحظة. ونحن نسير فوق هذا الجسر، وإذا بشاحنة محملة بالرمال، في حدود الساعة التاسعة نهارا، تعبر الوادي دون أي قلق أو خوف، حيث قال مرافقونا ”كل شيء هنا يتم في وضح النهار، وعلى مرأى الجميع، لكن لا أحد يتحرّك”. كما شد انتباهنا ونحن بالقرب من إحدى المرملات بهذا الوادي لافتة مكتوب عليها ”حذار منطقة عسكرية”، بالرغم من بعد المسافة الفاصلة بين الثكنة العسكرية وهذه المرملة، حيث قال أحد الشباب: ”هذا يدخل في طرق التمويه من قِبل المافيا، حتى لا يقترب أحد من منطقة نشاطهم”. كما أكد شاب آخر من مرافقينا أن ”عمليات الحفر والنهب التي تقوم بها هذه المرملة وصلت إلى غاية حائط الثكنة العسكرية بحافة الوادي، ما أدى إلى سقوط جزء من حائطها، لكن لا وأحد تحرّك وأوقف عملية الحفر التي تقوم بها هذه المرملة غير القانونية”. الصور نفسها تكررت بمصبّ وادي بلدية سيدي داود التي تعاني هي الأخرى من صعود المياه المالحة بسبب الإفراط في نهب الرمل، وهو ما خلّف كارثة حقيقية في كل تلك الأجزاء، حيث إن كل الآبار الارتوازية للمياه الصالحة للشرب الموجودة بحواف الوادي التي تزود كل هذه البلديات غمرتها المياه المالحة، فضلا على أنها مهددة بالجفاف صيفا لسبب واحد وهو أفول المياه بها. شواطئ رأس جنات.. لكل ”بارون” قطعته قبل أن نغادر وادي سيباو كان المواطنون هناك قد تحدثوا لنا عن مشادات تقع بين ”الرمّالة”، في كل مرة، بسبب تقسيم خارطة الوادي، وكذا بسط النفوذ على المنطقة، خاصة بعد عمليات فيضان الوادي، الذي تزداد رماله.. لكن الأمر تأكد لنا ونحن نضع أرجلنا على رمال ”كاب جنات” العذراء، حيث تجلّت لنا سيطرة ناهبي الرمال شبه المطلقة على السواحل وتقسيمها إلى قطع باستعمال قطع القصب المغروسة بها، لتبين حدود كل واحد منهم. وبهذه الشواطئ التي وقفنا بها على آثار العجلات كبيرة الحجم المتبقية فوق رمالها، حدثنا أحد السكان بأن ”قوة الرمّالة استمدوها من خبرتهم الواسعة في مجال النهب، خاصة وأنهم يتنصلون من مطاردات مصالح الدرك التي عجزت عن القضاء على الظاهرة”، مشيرا أن ”الشواطئ هنا مقسمة بين بارونات الرمال، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاقتراب منها، إلا بإذن منهم، والويل كل الويل لمن يتجرأ على حمل ولو ”رميلة” منها، إذ يسلط عليه البارونات عددا من عصاباتهم الذين تستأجرهم لغرض الاعتداءات”. كما فضّل آخرون، لا بل أجبروا على ”العيش على وقع صراعات متواصلة في الليل بين الرمّالة لفرض نفوذهم”، مشيرين إلى أن هذه الصراعات عادة ما تنتهي بإصابات وتتحوّل إلى شكاوى تستقبلها المحاكم للفصل فيها، وهو ما قد يؤجل صراعات الرمّالة إلى يوم آخر، حول عملية تقسيم جديدة لشواطئ رأس جنات. وعن عمل هذه العصابات، قال عدد من السكان، ل«الخبر”، إنها تركز على الليل في نقل رمالها، حيث لا يسمع إلا صوت الشاحنات الداخلة أو الخارجة من هذه الشواطئ. كما أوضح هؤلاء أن البارونات الكبيرة تقوم برفع الرمل وتحويله إلى كثبان صغيرة لإعادة غربلته من أجل بيعه كجودة عالية، على عكس آخرين وهم من يفوزون بقطع صغيرة، هؤلاء الذين يقومون بتخزينه في أماكن ليست ببعيدة عن الشاطئ، لإعادة تصفيته بطرق تقليدية وتحويله لبارونات أخرى. من جهة أخرى، طرح سكان شاطئ ”رأس جنات” مشكلة تفشي ظاهرة البنايات الفوضوية، حيث قال هؤلاء ”مافيا الرمال أصبحت تشتري وتبيع قطع الأراضي بالقرب من الشاطئ لمواطنين من خارج المنطقة، ما فتح الباب أمام انتشار البناء دون تراخيص”، وقال محدثونا ”البارونات سيطروا على المنطقة من خلال رميهم للنفايات الصلبة بالقرب من الشاطئ، محوّلين المناطق الرملية إلى أراض صالحة للبزنسة وقابلة للبناء، مع أن كل القوانين تمنع وتعاقب على كل هذه الممارسات”. شرايين لا تنتهي.. جولة ”الخبر”، التي انطلقت في حدود الثامنة والنصف صباحا، بين هذه الوديان والمسالك التي يمرّ من خلالها ”الرمّالة”، جعلتنا نعرف كل منافذ هؤلاء، بدءا من عمليات تحميل الرمال إلى غاية عبورهم الحواجز الأمنية، بلا رقيب أو حسيب، حيث أكد عدد من مرافقينا وممن التقيناهم بهذه المسالك الوعرة أن أصحاب الشاحنات يدخلون إلى المرملات ليلا، لتكون آخر شاحنة تخرج منها مع الفجر باتجاه مرملات صغيرة أو ورشات بيع مواد البناء ببومرداس أو خارجها. وقال أحد المواطنين الذين التقيناهم بالقرب من وادي حجداين إن ”هناك عددا من الشاحنات تسلك الطريق الوطني رقم 25 الرابط بين دلس وتيزي وزو وصولا إلى مفترق الطرق ببغلية، وهنا يمر هؤلاء أمام حاجز أمني للدرك، المعروف عنه الصرامة في وقت مضى، غير أن هذه الأخيرة تزول مع ناقلي الرمال والمارين بهذه المادة من هذا الطريق؛ هؤلاء فكروا في كل شيء، وربما يستظهرون وثائق مزورة للإفلات من أجهزة الرقابة”. كما كشفت دردشتنا مع أحد الشباب خارطة طريق ”الرمّالة” الذين يمرون على طرق وطنية وولائية، وأمام مرأى 5 حواجز أمنية، حيث أشار أحد الفلاحين العارفين بخبايا المسالك الداخلية للوديان إلى أن ”المافيا تدخل للوديان وتحمل الرمال ثم تسلك مفترق الطرق ببغلية وبعدها تمر بالطريق الولائي 2 بالناصرية، الذي يتوفر على حاجز للدرك، ثم تتجه نحو الطريق الوطني رقم 12، وبعدها تتوغل في الطريق الوطني رقم 5، وهو آخر نقطة تسلكها هذه المافيا للدخول إلى الطريق السيّار شرق غرب”. كما أضاف محدثنا أن هذه المسالك تمر منها ”مافيا” بومرداس، وتسلكها ”عصابات” تيزي وزو هي الأخرى، وهذا من أجل دخول الطريق السيّار الرابط بين بودواو وزرالدة. وعن بعض وجهات هذه العصابات، قال أحد الشباب، اشتغل بمرملة سابقة، إنها تدخل إلى شرق العاصمة بالرغاية والرويبة، حيث يستغل هؤلاء ”الرمّالة” عددا من نقاط بيع مواد البناء، التي يعتبرونها عبارة عن ”خزانات” لرمالهم المنهوبة، على أن توزع بعدها عبر عدد من النقاط الأخرى. وإضافة إلى هذا قال آخرون بأن هؤلاء يقومون بنقل رمالهم إلى منطقة أولاد هداج بالولاية ذاتها، التي تعد أكبر نقاط توزيع يقصدها الناقلون، كما أن الشاحنات تصل إلى غاية زرالدة واسطاوالي، كون هؤلاء الناهبين يملكون مرامل صغيرة بها. ”الجامع الكبير” يبنى من تموين مافيا الرمال! خلال تواجدنا بوادي سيباو ببغلية، وكذا اقترابنا من مرامل تادميت، أكد لنا السكان بأن هذه ”المرامل” لو تتوقف عن النشاط ستتوقف مشاريع كبيرة بمختلف ولايات الوطن، على غرار العاصمة وضواحيها، التي تعرف إنجاز مشاريع ”عملاقة”، مثلما وصفها محدثونا، حيث قال أحدهم بأن سكنات ”عدل” التي ينتظرها الآلاف من المواطنين ستتوقف لو منعت هذه المرامل تزويدها بالرمال التي تستخرجها من الأودية وشواطئ البحر. ولكن دهشتنا كانت أعظم لما كشف لنا أحد المرافقين بأن المسجد الكبير، الذي يتم تشييده بالمحمدية في الحراش بالعاصمة، تموّنه ”المافيا” برمالها المنهوبة، وهو ما يفسر، حسبه، بأن هذه المنشأة تموّنها شرايين ”العصابات” الكبيرة للرمال. كما قال آخرون: ”سوق الرمال تتحكم فيه هذه العصابات، حيث تتموّن من شرايينها عدة منجزات”، كما أشار أحد محدثينا إلى أن ”مرملة وادي سيباو أوقفت مرات عدة نقل رمالها للمرملات الصغيرة ونقاط بيعها، فأدى هذا إلى الارتفاع الرهيب للرمال وعجز مشاريع كبيرة على توفير كميات منها لتغطية العجز، وهو ما يفسر القبضة الحديدية لهذه المافيا”، ليضيف: ”في هذه الفترة وصل سعر الشاحنات إلى 10 ملايين للشاحنة الواحدة، باحتساب وصولات النقل التي تشترى من مرملة تادميت، حتى استقر بعدها سعر الشاحنة في 5 ملايين”. ”جواسيس المراقبة”.. عيون لا تنام جولة ”الخبر” هذه جعلتنا نتقرب أكثر من عالم ”الخفاء”، وكذا التعرف عن قرب على كل محيطه الخارجي، الذي يؤمّنه مجموعة من ”الجواسيس” مهمتهم مراقبة كل شبر من محيط ”المرامل” وكذا مصالح الأمن وإخطار الناهبين بكل تحرّكاتها. وأفاد أحد أبناء دلس من مرافقينا بأن ”الناهبين أنفسهم يستعملون كل الطرق من أجل تمويه مصالح الأمن، حيث يتنقلون في سيارات فاهرة لتأمين الطريق للشاحنات ناقلة الرمال، حتى لا يتم توقيفها من قِبل الأمن”، كما ذكر المتحدث نفسه أن هؤلاء صعّبوا كثيرا من مهمات مصالح الدرك والشرطة. وبين الطرفين يرى سكان حواف الوديان بأن القضاء على هذه الظاهرة أمر يكاد يكون مستحيلا، كونها أضحت ”دولة” قائمة بكل مقاييسها، خاصة وأن البارونات يدفعون أموالا لأشخاص معينين من أجل المراقبة اللصيقة لشاحناتهم، والاتصال بهم في الهاتف في حال حدوث أي طارئ. وأضاف فلاحون التقتهم ”الخبر” بحقول بغلية بأن ”هناك فلاحين هنا يسمحون للمافيا باستغلال حقولهم للهروب من المطاردات الأمنية، وهذا ما يدخل في التعامل معهم، ناهيك عن المخاطر الجانبية في حال رفضهم لشق طرقات استعجالية بها”. من جهة أخرى، طرح تغاضي الجهات المعنية والحواجز الأمنية وكذا دوريات الأمن عن هؤلاء ”الرمالة”، وكذا عن الكثير من الأمور التي سمحت لهؤلاء بممارسة نشاطهم غير القانوني بكل حرية، العديد من الاستفهامات لدى من التقيناهم بكل النقاط التي زرناها. أراض فلاحية اندثرت وجسور مهددة بالانهيار هي جريمة ايكولوجية وقفت عيها ”الخبر” وسط صمت وتغاضي المسؤولين عنها، حيث لم يتوقف نهب الرمال عند حد النقل والحفر والتهريب، بعد أن وصل درجات كبيرة من ”التخريب”، طالت الأراضي الفلاحية (الفيضية)، التي لطالما استغلها السكان في إنتاج أجود الحمضيات والخضر والفواكه. وفي هذا الجانب، قال السكان ”المافيا سرقت منا أراضينا بطرق غير مباشرة، خاصة وأن منسوب الماء انخفض أو مياه البحر طفت إليه، ما أتى على كل المنتجات بها”، مشيرين إلى ”عمليات التخلي الجماعي عن الأراضي من قِبل الفلاحين، وكذا هجرتهم بسبب الجفاف الذي أضحى يهدد كل القرى المجاورة للوديان”. و الأمر نفسه حدث مع سكان بغلية وبن شود، حيث تحوّلت كل الأراضي إلى ”ملكية خاصة” لهؤلاء ”الرمّالين”، خاصة بعد أن قاموا بشراء كل قطعة قريبة من الأودية، حيث أوضح عدد من السكان أن ”مافيا الرمال استعملت كل الطرق من أجل الاستحواذ على الأراضي المجاورة للوادي، من خلال الاستفزاز ومساومة الفلاحين”، كما أنها وجدت طرقا ”شيطانية” في التعامل مع الرافضين لبيع أراضيهم، من خلال شراء كل القطع المحيطة بها، وهو ما يجعلهم يقومون بالحفر حتى تنهار أراضيهم ويرضخون لكل مطالب ”المافيا”. كما تهدد عمليات النهب حتى الجسور التي تمر تحتها الوديان، حيث قام هؤلاء بالحفر تحتها، ما أصبح يهدد هذه الأخيرة، وهنا قال عدد من الشباب: ”مافيا الرمال تهدد بسقوط ما يزيد عن أربعة جسور بين تيزي وزو وبومرداس، على غرار جسر وادي بوقدورة الواقع بذراع بن خدة الذي انهار سنة 2013 بسبب عمليات الحفر بالقرب منه، وأعيد ترميمه بعدها”. والصورة نفسها لاحظناها بجسر وادي بغلية، حيث تهدد عمليات الحفر هذا الأخير بالانهيار، بعد أن ألحقت أضرارا بأحد أعمدته الرئيسية، ما جعل المصالح التقنية تمنع شاحنات الوزن الثقيل من عبوره، وهو ما لم نلحظه، حيث لم تتوقف عمليات الحفر من تحته والشاحنات تستعمله بشكل عادي. كما أن النهب طال أيضا الجسور الصغيرة التي تربط القرى بالطرق الرئيسية، مثل جسر قرية كاف لعقاب وجسر وادي زروكية، وكذا جسر ذراع بن خدة الذي يربطه بقرية سيدي نعمان. دعه يدفع.. دعه يمر أجمع كل من رافق ”الخبر” أو من التقته في جولتها هذه بأن مافيا الرمال في بومرداس بنت إمبراطوريتها على حساب جبال وطبيعة المنطقة، حيث لا يتوان كل ”مهرّب” في ربط علاقاته مع جماعات إرهابية، حسبهم، وذلك قصد تسهيل نشاطهم غير المشروع، في استنزاف رمال الوادي والبحر. كما أن محدثونا أكدوا بأن ”الرمّالة يعمدون لاستغلال الوضع الأمني المتردي بالمنطقة قصد مضاعفة عملها متوغلة في أخطر غابات بومرداس وتيزي وزو، المشوبة بالقنابل التقليدية، كما أنهم عقدوا حتى اتفاقات ”تأمين” مع هذه الجماعات مقابل ضريبة مالية قصد السماح لهم بالمرور في شواطئ ”شويشة” و«حاج أحمد” بزموري وشاطئ ”مندورة” ب«لقاطة” وكذا ”ميزرانة” بدلس”. وأضاف عدد من السكان ببغلية: ”هناك جماعات من الشباب البطالين وجدوا في عملية تأمين مرور هذه العصابات عملا لهم، لاسيما وأنهم يعرفون كل شبر في الغابات، حيث يؤمّنون تحركات ناهبي الرمال فيها بكل حرية، وتجدهم يفضّلون هذه المناطق أكثر من أخرى باعتبارهم لن يتعرضوا فيها إلى المطاردات الأمنية”. كما أن عارفين بالوضع أكدوا أن هذه العملية المتبادلة بين ”الرمالة” والجماعات الإرهابية، تسهّل من تحرّكات هذه الأخيرة، كون الجهات المعنية بمراقبة هذه المسالك أصبحت لا تهتم سوى بوضع شاحنات الرمال تحت ”مجهرها”، وهو ما يجعل الإرهابيين يتنقلون في ”راحة” بين ثنايا الغابات.