قال الله تعالى: ”ومِن آياتِه أن خَلَق لكم من أنفسكم أزواجًا لتَسكنوا إليها وجَعَل بينكم مودَّة ورَحمَةً إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون}، فبناء الأسرة واستقامتها من أعظم ما يسعَى إلى تحقيقه العبد المؤمن، حتّى تستقرّ نفسُه وتسكن السّكينة القائمة على الوُدّ والأنس والرّحمة، وهي في الحقيقة علاقة عميقة الجذور، واسعة المعاني، شبّهها القرآن باللّباس الّذي من شأنه أن يستر لابسه ويَحميه ويُزيّنه ويلائمه فقال سبحانه وتعالى: ”هُنَّ لباسٌ لكم وأنتُم لباس لهنّ}. ولابدّ لأجل تحقيق هذه المعاني السّامية من اختيار شريك أو شريكة الحياة بالنّظر إلى التّقوى والخُلق الحسن والصّلاح، حتّى يكون كلّ طرف معينًا لقرينه على عبادة الله تعالى وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ليعيشا حياة سعيدة في الدّنيا وينعما بدخول الجنّة، قال تعالى: ”جنّاتُ عَدنٍ يدخلونها ومَن صَلَح مِن آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم”. وينبغي للرّجال بما فضّلهم الله على النّساء بالقَوامة ورجاحة العقل والقدرة على الإنفاق، أن لا يستغلّوا هذه القوامة فيما حرّم الله عليهم من الظّلم والاعتداء وهضم الحقوق، قال تعالى: ”وعاشِروهُنّ بالمعروف فإن كرِهتموهنّ فعَسى أن تَكرهوا شيئًا ويَجعَلَ اللهُ فيه خيرًا كثيرًا”، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”استوصوا بالنّساء خيرًا فإنّهنّ خُلِقنَ من ضلع أعوج، وإنّ أعوجَ شيء في الضّلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسّرتَه وإن تركته لم يزَل أعوج، فاستوصوا بالنّساء خيرًا” أخرجه البخاري ومسلم. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يَفرك مؤمن مؤمنة –أي: لا يبغض ويكره- إن كره منها خُلُقًا رَضي منها آخر” رواه مسلم. والّذي يُحسن فهو إنسان صالح في مجتمعه ذو سمعة حسنة بين جيرانه وزملائه، وهو عكس ذلك في أهله فهذا ليس صالحًا، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي”. وعلى الزّوجة أيضًا أن تجتهد في طاعة زوجها. ونشير إلى أنّه من الضّروري أن يتسامح أفراد الأسرة فيما بينهم، فكلّ طرف فيها مُكمّل للآخر، يُجبِر نقصَه، ويستر عيوبه، ويصوّب خطأه. والله أعلم.