الدكتور فاتح دبيش ضرورة تشكيل أكاديمية وجهاز يضمن حقوق صيانة اللغة العربية قال الباحث في علم الاجتماع، فاتح دبيش، إن السياق الذي ظهرت فيه المصطلحات هو سيوسيو- ثقافي جديد، يتجلى ببروز مفاهيم ومصطلحات أصبحت شائعة التداول، خاصة في الحقل الإعلامي، الذي يتميز بالتنوع الإيديولوجي لمختلف وسائله، ولعل ما يجب تسجيله كملاحظة أولية أن المصطلحات انتقلت من التداول العامي إلى مستوى التداول الإعلامي، وهذا ما يفسر أن اللغة الصحفية المستعملة في مختلف وسائل الإعلام بتوجهاتها الحزبية والعمومية، يغلب عليها طابع ”السذاجة”، أو ما يعرف ب«لغة السخرية الاجتماعية”، أو مفهوم ”الرداءة اللغوية”، وهو دليل بيّن على تغير النمط الثقافي للمجتمع الجزائري، بمعنى سيادة الثقافة العامية على العلمية، وهذا مردّه تغييب النخب والمثقفين، واعتماد سياسة الإقصاء والتهميش التي فرضتها النخبة الحاكمة، التي شوّهت الممارسة السياسية، ورفضت التنوع في الطرح، وبوّأت لفئات ”طفيلية” مناصب السلطة والنفوذ، ومنه ميّعت الممارسة الإعلامية، وأسقطتها في السطحية والممارسات ”الشوفينية” التسلطية. حاول الدكتور دبيش، ربط متغيرات تحوّل خطاب الشارع إلى خطاب الصالونات ووسائل الإعلام، بالمقارنة التاريخية بين الحقب التي السابقة ومرحلة الانحطاط في الذوق ومنظومة القيم المجتمعية، حيث قال إن الفرق يلاحظ في التجربة الإعلامية الجزائرية بعد عشرين سنة من التعددية السياسية وما رافقها على الصعيد الإعلامي، ففي بداية التجربة كانت هناك ”نخبة” مثقفة وواعية بمسؤولياتها الإعلامية، وأعطت ”نموذجا” جزائريا محضا في الممارسة الديمقراطية، وهو ما خلق منافسة بين مختلف المحطات الإعلامية العربية على استقطاب الصحفيين الجزائريين، عكس مرحلة التدهور الأخلاقي والقيمي، التي رأى الأستاذ دبيش أنها بدأت في سنة 2008، مرحلة الانزلاق والانحراف في الممارسة السياسية التي تتطلب مبدأ التداول على السلطة سلميا، ديمقراطيا وإعلاميا، وهو ما اصطدم بمفهوم ”غلق الديومينو”، في إشارة إلى مفهوم ”الزعامة” السياسية أو الديكتاتورية والتسلط. مفهوم ”الشكارة” ترجمة لفظية للممارسة المشبوهة قال الدكتور دبيش إن ثمة انزلاقا أخطر سابق مرتبطا ببداية الألفية، تمثل في الطفرة النفطية الجديدة في جانبها المالي دون فعالية اقتصادية، وكانت تبعاتها توزيع غير عادل للثروة وتمركزها في يد نخبة مهيمنة على حساب باقي الطبقات الاجتماعية، ما تسبب في انهيار ”الطبقة الوسطى”، بما فيها الشغيلة والطلبة ورجال الإعلام والمؤطرون والمشرفين، وغيابها سمح بظهور أصحاب ”المال الفاسد” وما رافقه من الحديث عن مفهوم ”الشكارة” والهيمنة على وسائل الإعلام، بهدف صناعة رأي عام يهتم بالأمور السطحية، دون جوهر وحقائق الوضع العام. واعتبر الدكتور دبيش أن هذه المرحلة بالذات عرفت تحولا خطيرا حتى في التلاعب بالمفردات والمصطلحات، وبالتالي دخل في قاموس الاستعمال الإعلامي والسياسي مصطلحات تنم عن طبيعة الممارسة السياسية والإعلامية، البعيدة عن أخلاقيات المهنة، وهذا بسبب سياسات التوظيف في المؤسسات الإعلامية، والمتحكمين فيها، ممن فرضوا الخطاب الإعلامي، وتوجيه الخط الإيديولوجي لها وفقا لمصادر تمويلها وتغيير خطابها وفرض مصطلحات الشارع بهدف تسويف لغة الإعلاميين، ما سمح بدخول مصطلح جديد على الممارسة السياسية والإعلامية المتمثل في ”المال الفاسد” الذي يتحكم فيه ”بارونات امتياز الدولة”، وارتبط ذلك في القاموس العامي الذي أصبح متداولا على نطاق واسع في الخطاب السياسي والإعلامي بمصطلح شعبي أكثر تعبيرا عنه ”الشكارة”، الذي استشرى لدى الرأي العام. وأضاف الدكتور دبيش أن الشارع خلق مفاهيم بديلة منها ”المال الفاسد”، الذي يعتبر نموذجا ماليا غير شفاف، مجهول الهوية والمصدر، وغالبا وهميا، ولا يملك دليلا أو سندا لثبوته بهدف التهرب الضريبي، وعدم الدخول في السيرورة المالية للدورة الاقتصادية، وأشار إلى أن منظمة الشفافية الدولية تحصي في الجزائر وجود أكثر من 40 بالمائة من الكتلة المالية متداولة في الأسواق غير الرسمية، وهو ما يفسر غسل المال الفاسد في التجارة القانونية ”البيضاء”، عن طريق الاستثمار في عدة مجالات، وهو مرتبط بالمفهوم العامي ”الشكارة”، وهو ترجمة لفظية للممارسة المشبوهة للمال الفاسد في شراء الذمم والمناصب، بمعنى أنها تحيل إلى ”الرشوة” السياسية والإدارية للاستفادة من منصب، وحتى على الصعيد الاقتصادي هي سيدة التعامل بتحويل الأموال إلى سوق الماشية ”الرحبة” والأدوية والعقارات والبناء، حيث يفرض التعامل ب«الشكارة” بدل الصكوك، رغم أن القانون يفرض ذلك عند بلوغ مبلغ معين. “الشيتة” مفهوم تاريخي: تلميع حذاء المعمّر الوسخ وبخصوص مفهوم ”الشيتة”، الذي شكلت شبكات التواصل الاجتماعي منبرا موازيا لتداوله في قوالب تهكمية لمن يمارسون فعله، قال أستاذ علم الاجتماع إنه يحيل إلى بطانة السوء، والمجاملات ”السياسوية” المشبوهة، التي تنمّ عن الدفاع عن الأشخاص الذين بوأوا شخصا مكانة وأعطوه السلطة، وهو بذلك يحاول ”تلميع” صورته والدفاع عنه مهما كانت الأخطاء والظروف، وقال إن هذا المصطلح موروث عن الاستعمار، لأن المعمر الوسخ بسلوكاته الوحشية تُلمّع صورته أمام الرأي العام، بتلميع حذائه الوسخ من قِبل الجزائري الفقير والمنبوذ والمهمش والمسترزق من هذه الحرفة المهينة، ولهذا الجزائري بعد الاستقلال لم يمتهن تلميع الأحذية إلى يومنا هذا. وانتقلت الحرفة من بعدها المهني التاريخي إلى السياسي والإعلامي ولقاموس الشارع في ظل الفساد المالي والسياسي والإعلامي، فأصبحت مهنة ”المشط” التلميعي في الفضاء السياسي كاتهام المواطنين للأشخاص المرتشين وأصحاب السجلات التجارية المشبوهة بأنهم يعملون على تلميع أحذية أسيادهم الذين أوكلوا لهم هذه المناصب لتلميع صورتهم أمام الرأي العام، ولهذا ارتبطت بهم صفة ”المشيتون”، وهو دليل على انهيار منظومة القيم في الجزائر. طبيعة النظام السياسي خلقت ثقافة معارضة للمجتمع فيما يتعلق بطغيان مصطلحات قاموس الشارع على الخطاب السياسي والإعلامي في الجزائر، قال الدكتور دبيش إن القاعدة السياسية تقول إن كل نظام سياسي يخلق طبيعة المعارضة السياسية، وأيضا ثقافة سياسية واجتماعية مناهضة له، والمعارضة تخلق ثقافة مضادة في المخيال الاجتماعي والإعلامي، وهو ما جعل السياسيين والوزراء يظهرون في أشكال تعبّر عن حقيقتهم في مخيال الرأي العام الجزائري، ومنه فالمشاهد هي رد فعل اجتماعي عن الممارسات ”الشوفينية”. وطالب الأستاذ دبيش لمواجهة الرداءة اللغوية التي فرضها الشارع على الإعلاميين والساسة أن يتدخل المجلس الأعلى للغة العربية، كإطار رسمي، في تنقية المفردات المتداولة، بما يتماشى والمنظومة الثقافية والمرجعية للمجتمع الجزائري، وتشكيل أكاديمية للحفاظ على اللغة العربية، وجهاز يضمن حقوق صيانة اللغة العربية، واجتناب سياسة تغييب المثقفين والأجهزة الثقافية داخل المجتمع الجزائري. الأستاذ حموش عبد الرزاق قاموس الشارع الجزائري فرض نفسه إلى حدّ تداول مصطلحات ”فايسبوكية” قال أستاذ الإعلام والاتصال، حموش عبد الرزاق، إن الإشكال يكمن في كون الساحة السياسية مالت ”للشعبوية”، حيث أصبح الشارع هو الذي يقود السياسي ويرضخ له، وهو ما يتجلى في شكل آخر من خلال استخدام الساسة، في الحملات الانتخابية المتعاقبة وفي خطاباتهم، المصطلحات السائدة في الأغاني، وأحيانا عبارات ”فايسبوكية” يتم تداولها أيضا إعلاميا، وتصبح مصطلحات ”قارة”، على غرار ما هو معتمد في القنوات الخاصة الجزائرية. واعتبر الأستاذ حموش السبب في ذلك هو الساحة السياسية غير المهيكلة، وغياب الاحترام للآخر، ما أدى إلى انهيار منظومة القيم، وهذا الانحدار يتجلى في الاتباع أو ”القيادة” العكسية، حيث كان يفترض أن تكون الشخصيات السياسية هي ”القائد”، لكنها تتبع الرأي العام السائد، وهو ما يظهر في تبني السياسيين لمصطلحات عامية منها ”شركة ڤادرة”، وهي مفاهيم تعبّر عن استجابتهم للشارع، وسعيهم الحثيث لكسب رضاه بأي طريقة كانت، حتى لو كانت بطريقة غير أخلاقية فالمهم الحصول على تأييد الشارع. وتأسف الأستاذ حموش لعدم قيام وسائل الإعلام بدورها، وهذا ينسحب، حسبه، على المؤسسات الاجتماعية الجزائرية التي قال إنها انسحبت تماما من الساحة، كالمدرسة والمسجد، وآثرت لسنوات طويلة الانغلاق، حيث تحوّل المسجد إلى مؤسسة ”إدارية” أكثر منه لنشر الوعي، وغاب دور المجتمع المدني والأسرة، كما أن للانغلاق الإعلامي الذي مورس في وقت مضى دور في انعدام التطور، وقال الأستاذ حموش إن كل هذا الفراغ سمح بظهور مفهوم ”التخلاط” في الساحة السياسية، وعدم الاعتراف بكينونة المواطنين بل هم مجرد ”أتباع”. كما اعتبر الأستاذ حموش أن هذه المصطلحات وما يرافقها من سياسات الإغراء نوع من الاحتقار للرأي العام، وتدني الذوق، وقال إن الواقع يعبّر بجلاء عن انعدام أشخاص يرغبون حقيقة في الرقي بالمجتمع. المدوّن محمد ياسين رحمة القواميس السياسية اعتمدت ”الشوارعية” في صياغة خطابات عشوائية ويرى المدوّن محمد ياسين رحمة أن الحملات الانتخابية الجزائرية، على تعاقبها، كانت أبعد أن تكون حملات انتخابية، ولعلها كانت شيئا لا بد منه في سياق مراحل العملية الانتخابية، فلم تكن حملات مدروسة ومنظّمة وواعية بالجغرافية السياسية للجزائر، هدفها التنافس بين برامج وطرح رؤى استشرافية واستعراض آليات إستراتيجية، بل كانت ”فرصة” للتصادم بين الأشخاص وممارسة الترهيب والترغيب الضمني، وتبادل الرسائل المشفّرة بين ”الخصوم”، إلى حد استشعرنا فيه أن كل مترشح يقوم بدور المبشر والنذير، وتجلى ذلك في مفردات قواميس الحملات الانتخابية لكل مترشح؛ قواميس اعتمدت على ”الشوارعية” في صياغة خطابات عشوائية، كشفت بكل أسف عن مدى الإفلاس السياسي الذي تعاني منه الجزائر. واعتبر المدون أن محصلة ذلك كانت حالة من العجز في التواصل مع الجماهير، واستيعاب الواقع الفعلي للشعب. ويعتقد أن السبب في”الفقر” السياسي المدقع الذي تميّزت به قواميس الحملات الانتخابية ناجم عن كون الشعب صار يمتلك وعيا سياسيا متقدما وعميقا تجاوز قدرة استيعاب السياسيين، بحيث لم يبق من خيار أمام منشطي الحملات الانتخابية غير توظيف القواميس ”الشوارعية”، بغرض استثارة انفعالية الجزائري، وهذا في ظل غياب خطاب سياسي حقيقي يحقق الإقناع ويخاطب العقل. الدكتور رابح نمامشة تبني مصطلحات الممارسين في الخطابات هو تأثير عكسي ولغياب بديل لتقريب المعنى أما أستاذ الإعلام والاتصال رابح نمامشة فيرى أن إشكالية طغيان مصطلحات الشارع على الخطاب السياسي والإعلامي يجب أن تطرح من زاوية أيهما يؤثر في الآخر، ومن خلال تحليل خطاب السياسيين، حيث يظهر ذلك انحراف الخطاب، ومنه استعمال مصطلحات مسيئة أو لغة التهديد، وهي لغة مبتذلة، وتماهت وسط ذلك السياسة الجادة ونقيضها، إذ لا يحق للسياسي أن يتفوه بكلام بلا معنى، وهو ما أحدث خللا في الخطاب، وبالقراءة المتأنية لخطابات المترشحين نستخلص منها ”الخرجات غير الموفقة”، في إشارة إلى الزلات غير المقصودة للمسؤولين، والتي دارت في صالونات مغلقة، قبل أن تخرج إلى العلن، وتتداول على نطاق واسع واقعيا وافتراضيا، وأخرى حدثت في تجمعات وهي ”الأخطر” وتشكل عوامل تهديد وعنف وانحدار، ما يتعارض وتقاليد الممارسة السياسية. وأضاف الدكتور نمامشة أن الصحفي في حد ذاته ومن خلال تناوله لمصطلحات منها ”الأرانب” يعتبر غير موضوعي، وقد وضع نفسه طرفا مع جهة مقابل أخرى، وأضاف ”هنا أعتقد أنه لا وجود للحيادية، حيث يقسم المشهد الإعلامي إلى ثلاث فئات، طرف معارض للسلطة وليس له بديل، وطرف له ميول نحو السلطة، وآخر مؤيد لها، وهذا ما جعل عملية التأثير تكون عكسية من الجمهور باتجاه الساسة ووسائل الإعلام، مثل مفهوم سابق ذاع استخدامه وهو ”الحراڤة” ذو البعد التاريخي والانتروبولوجي الذي فرضه القائمون بالفعل، حيث استخدم في الخطاب الإعلامي، وهو ما يعبّر عن مدى تأثير الممارسين للفعل في توجيه مصطلحات الخطاب، وهذا في ظل غياب مصطلحات دالة ومفهومة وواضحة كالتي يقدمها قاموس ”الشارع”، وهذا أيضا ينسحب على مفاهيم ”الحلابة” و«البڤارة” المرادفة للكسب غير المشروع للأغنياء الجدد”.