لم تتعد العلاقة التي كانت تجمع الضحية مهدي صاري، بأمين وسفيان حدود الزمالة، حيث كانا يدرسان سويا منذ الصغر، ويلتقيان به أثناء زيارته لجدته التي تسكن بموريتي. ولكن مع مرور الوقت، حاول أمين وسفيان الاقتراب أكثر من الضحية الذي فضّل عدم مصاحبتهما، ما فجر الضغينة نحوه، ليقررا التخطيط لجريمة اختطافه. فبينما كان الضحية في مستودع منزله ببلدية دالي ابراهيم في العاصمة رفقة صديقه الميكانيكي “ل. س” الذي كان يقوم بإصلاح دراجته النارية، اقترب منه أمين طالبا منه تجاوز الخلافات الشخصية التي وقعت بينهما منذ أكثر من سنتين، قبل أن يعرض عليه مرافقته على متن سيارته من نوع ‘'أودي أ 4” للاحتفال بهذه المصالحة، غير أن مهدي رفض، طالبا تأجيل ذلك إلى موعد لاحق، لكن أمام إصرار أمين استأذن مهدي صديقه، وركب السيارة التي اتجهت نحو إقامة الدولة بنادي الصنوبر، وما أن وصلا إلى منطقة بوشاوي، استأذن أمين صديقه لينزل من السيارة مدعيا أنه سيقضي حاجته، لكن بمجرد أن توقفت السيارة صعد شخصان آخران، الأول تولى قيادتها، وآخر وضع سكينا على رقبة مهدي وهو يقول ‘'اليوم ستدفع الثمن''، في حين ركب أمين سيارة أخرى متوجها إلى إقامة الدولة بنادي الصنوبر، وما أن وصلوا إلى منطقة موريتي قام الشخصان المعتديان بإنزال الشاب مهدي وأدخلاه إلى فيلا تابعة لرجل أعمال معروف، وهناك سلطت على مهدي أبشع صور التعذيب من قبل مجموعة أخرى من الشباب قدّر الضحية عددهم بعشرة أشخاص، حيث تعرّض للضرب المبرح بالأرجل، كما طعن بخنجر في رجله، ثم انتزع منه قميصه ورش بالماء ثم عذب بواسطة الكهرباء وجهاز لم يسبق أن شاهده مهدي. كل ذلك حدث تحت إشراف أمين ملزي الذي قال له: ‘'اليوم ستدفع الثمن ولا أحد باستطاعته فعل أي شيء ضدي، أنا ابن شخصية معروفة''. لم يجد الشاب من وسيلة لإنقاذ نفسه سوى الصراخ الذي سمعه الجيران، لكن نداءات النجدة التي كان يطلقها مهدي لم تلق أي استجابة. واستمر المعتدون في العبث به وشتمه إلى أن سمع أحدهم يقول الآن سأغتصبه، ما دفع بالضحية إلى بذل جهد للهروب قافزا من نافذة الفيلا ليصاب بكسور خطيرة ويغمى عليه، ومنذ تلك اللحظة لم يتذكر مهدي أي شيء إلى أن وجد نفسه بالعيادة، وهو محاط بأفراد أسرته. وفيما بعد، ذكر الضحية للمحققين أن المعتدين قاموا برميه على الطريق المؤدي إلى بلدية أولاد فايت، حيث عثر عليه مواطن بالقرب من منزله، فقام بالاتصال بعائلته التي نقلته إلى العيادة الخاصة ‘'شهرزاد'' بالشراڤة. صديق مهدي لم أطمئن ل”أمين” كان صديق مهدي المدعو “س. ل” من بين الذين حضروا بمحكمة الشراڤة يوم 15 ديسمبر الجاري، وهو تاريخ مثول المتهمين الستة في قضية موريتي أمام قاضي التحقيق، حيث كان ينتظر دوره على أحر من الجمر لإفادة المحكمة بشهادته التي قد تفك الغموض. أدلى صديق الضحية للمحققين بشهادته بالتفصيل، إذ قال إنه كان آخر من شاهد مهدي بمستودع بيته بدالي ابراهيم، وبينما كان منهمكا في تصليح دراجته النارية، اقترب منه أمين وألح على مهدي مرافقته، تردد في البداية، غير أنه سرعان ما استسلم لطلبه بعد أن وعده بالعودة للمستودع في وقت قصير، لكن اختفاءه طال وبدأ القلق ينتابه وأفراد عائلته، حيث اتصلت والدته بهاتفه النقال عدة مرات، ووجدته مغلقا. ملامح ملزي لم تعجب صديق مهدي، ما جعله يدرك أن شكوكه في محلها، فهو من كان وراء اختطاف صديقه، كما أن ما أثار انتباهه أن مهدي لم تكن له رغبة في مرافقة ملزي الذي بدا متوترا من طريقة حديثه. سقط خبر اختطاف مهدي كالصاعقة على مسامع صديقه الميكانيكي، فهو لم يتوقع أن يغدر به أمين الذي تعرّف عليه بوساطة ابن عم هذا الأخير أثناء لقائهما في سباق للدراجات النارية. والدة مهدي عشنا أسبوعا أسودا غصت محكمة الشراڤة بعائلات المتهمين، بينما كانت والدة الضحية مهدي تجلس بأحد أركانها، والصدمة بادية على وجهها لدرجة أنها تعرضت لارتفاع حاد في الضغط الدموي آنذاك، حسبما أكدته للصحافة، لتكشف أن بعض عائلات المتهمين توسلوها لتعفو عن أبنائهم فأجابتهم قائلة: “لو كان ابني قد مات لافتقدته إلى الأبد، العفو عن أبنائكم ليس بيدي، فقد ارتكبوا جريمة ويجب أن يعاقبوا عليها، عشت وأفراد عائلتي أسبوعا أسود، لم أكن أدري ساعتها إن كان ابني سينجو من هذا الحادث أم لا.. كل ما أطلبه الآن تطبيق القانون”. وتساءلت عائلة صاري عن الكيفية التي تمكن بها المعتدون من المرور عبر نقاط التفتيش المقامة على مستوى مداخل إقامة الدولة بنادي الصنوبر، المفروض أنها محمية ومخصصة لإيواء إطارات الدولة، دون طلب تسريح الدخول من كل هؤلاء الأشخاص الذين تمكنوا من التسلل، مؤكدين أنه يوجد من بين المعتدين أشخاص لا يملكون ‘'شارات الدخول'' أي أنهم غير مقيمين بإقامة الدولة بنادي الصنوبر، بدليل أن أحد المعتدين يقطن بالحي الشعبي بلوزداد حسب ما أكدته عائلة صاري، فيما أضاف الوالد أن ذلك ‘'دليل على منح شارات الدخول لكل من هب ودب للدخول إلى نادي الصنوبر''. الفتاة اللغز تنقلت مصالح الدرك الوطني إلى مكان الجريمة، ووجدت الفيلا فارغة، فيما قام بعض الجيران بأخذ صور لدم الضحية، لينطلق التحقيق الذي سخرت له كل الإمكانات. وبعد عملية بحث واسعة للقبض على المتهمين في قضية تعذيب الشاب مهدي صاري بإقامة الدولة، ألقي القبض على المتهم الرئيسي، وهو ابن مدير الإقامة أمين ملزي. واكتشف المحققون أن من بين المتورطين في القضية فتاة لا يتجاوز عمرها 19 سنة، كانت قد تلقت اتصالا هاتفيا من أحد المتهمين أثناء قيامهم بتعذيب الضحية، ولم تقم بإبلاغ مصالح الأمن. وتعد هذه الفتاة أصل صراع قديم بين “مهدي صاري” و”سفيان زابور”، وهي سبب المشكل حسب رواية روّج لها آنذاك، غير أن الضحية أنكر الأمر وأكد أنها لم تكن محل صراع بينه وبين سفيان مثلما يشاع. وتلقت مصالح الدرك الوطني على مستوى ولاية الجزائر أمرا بالقبض على كل الأشخاص المتورطين في عملية خطف وتعذيب الشاب مهدي صاري في أجل لا يتعدى 48 ساعة، وفي حال عدم التمكن من استكمال هذا الإجراء يمكن تقديم طلب لوكيل الجمهورية قصد تمديد أجل التحقيق ب48 ساعة أخرى. تهم ثقيلة للمتهمين وجّه قاضي تحقيق محكمة الشراڤة بتاريخ 15 ديسمبر 2014 للمتهمين الستة في القضية، تهم تكوين جماعة أشرار، السرقة، محاولة القتل، الاختطاف والحجز ومحاولة الاعتداء الجنسي، قبل أن يتم إيداعهم الحبس المؤقت، مع إصدار أمر بالقبض ضد المدعو سفيان زابور، الفار إلى فرنسا. أحضر الضحية والمتهمون الستة إلى المحكمة، من بينهم فتاة قصيرة القامة ومتوسطة الجمال، كانت تلف رأسها بخمار أسود في حدود الساعة الثانية بعد الزوال تحت حراسة أمنية مشددة، واستمر استجوابهم لساعة متأخرة من الليل، حيث أعاد مهدي سرد الوقائع أمام قاضي التحقيق، مؤكدا تعرضه للتعذيب بالكهرباء وسرقة نقوده وإسورة ذهبية، ومحاولة الاعتداء عليه جنسيا من قبل أشخاص لا يعرفهم. وبخصوص الفتاة، قال مهدي إنها صديقة زابور سفيان، حاول حمايتها منه عندما أخبره أصدقاؤه أنها تتعرض لمعاملة سيئة من طرفه بحكم أنها كانت تدرس معه، متمسكا بمعاقبة كل من نكّلوا بجسده وأذاقوه الجحيم. أحكام بالسجن من سنة إلى 4 سنوات للمتهمين أدانت محكمة الجنايات لمجلس قضاء البليدة المتهم أمين ملزي بأربع سنوات سجنا نافذا، و18 شهرا نافذا لشركائه ‘'ش.ر'' و''ط. ت'' و''ف. ط''، فيما سلطت عقوبة عام سجنا نافذا ضد المتهم ‘'م. أ. ب''، واستفادت المتهمة ‘'ف.م'' من البراءة، وهي الفتاة التي ليست لها يد في القضية بل كانت وراء حدوثها. أما المتهمان حكيم وسفيان زابور و''ابن خالة هذا الأخير'' الموجودان في حالة فرار، فقد كانت المحكمة قد أصدرت حكما غيابيا بالمؤبد في حقهما. وكان مجلس قضاء البليدة، قد أسقط أربع تهم عن الجماعة التي اختطفت الضحية بعد أن وجّه لهم قاضي التحقيق بمحكمة الشراڤة تهم تكوين جماعة أشرار ومحاولة القتل، ما دفع عائلة الضحية للمطالبة في رسالة موجهة للرأي العام الوطني تحت عنوان ‘'موريتي.. الفضيحة بحلقتين''، بضرورة إنصافها في هذه القضية. موريتي.. الولاية رقم 49 نادي الصنوبر وموريتي وحيدرة، هي أبرز المناطق التي يعيش فيها الوزراء ورجال الدولة، وهو محمية على الشاطئ لا تبتعد كثيرا عن سيدي فرج أو اسطاوالي، إحدى المناطق التي تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أحياء راقية يرتادها السياسيون وقيادات الجيش وأعضاء الحكومة وكبار رجال الأعمال ونجوم الإعلام والفن والثقافة.. الخ. وتوصف هذه المنطقة من قبل مختلف الجهات المناوئة لتوجهات السلطة بأنها الولاية التاسعة والأربعين، وقد خصصت للوزراء وموظفين سامين في الرئاسة وقيادات عسكرية وحزبية. وتلتهم الإقامة مصاريف بالملايير من الخزينة العمومية، فالمقيمون بها لا يدفعون فواتير الماء والكهرباء والهاتف والكراء والتنقل والبنزين، والبعض من المستفيدين لا ينزلون بإقاماتهم إلا في العطلة الصيفية للاستجمام بالبحر. الجريمة تحت المجهر المختصة في علم الإجرام الاجتماعي سامية هميسي “المجرمون يعانون من جنون العظمة ولم يتقبلوا رفض الضحية لهم” تعتقد الأستاذة سامية هميسي، مختصة في علم الإجرام الاجتماعي، في تحليلها لتفاصيل الجريمة وشخصية المتهمين الذين تورطوا في اختطاف وتعذيب شاب على طريقة الأفلام الأمريكية، أن المحرك الرئيسي للجناة لارتكابهم جريمتهم، هي التربية غير السوية التي تلقوها في أسرهم، واقتناعهم بأنهم سادة لا ترفض أوامرهم “فهؤلاء يعانون من جنون العظمة”. وأوضحت الأستاذة هميسي بأن الشركاء في الجريمة الذين ينتمون إلى طبقة راقية، سواء قاموا باختطاف وتعذيب مهدي لعدم رغبته في مصادقتهم أو بسبب الفتاة، يتضح جليا أنهم يعانون من ميول “سيكوباتية” أو ما يعرف بجنون العظمة، فهم من جهة يعتبرون رفض مهدي لصداقتهم جريمة لابد أن يعاقب عليها لأنهم لم يتعودوا أن يطلبوا شيئا ولا يلبى لهم، ومن جهة أخرى يعتقدون أن مهدي يجب أن يعاقب لأنه تجرأ على المساس بممتلكاتهم وهي الفتاة. فهؤلاء الشباب، تضيف المختصة في علم الاجرام الاجتماعي، غير مكتملي النضوج العقلي والنفسي، فهم أبناء أصحاب القرار بالدولة ماديا أو إداريا، تعودوا على التعامل مع الناس بتعجرف. وتضيف الأستاذة هميسي أن ذلك يظهر جليا في السيناريو الذي حبكوه من أجل إخضاع الضحية مهدي لأمرهم ومحاولة قتله التي باءت بالفشل، موضحة: “حبك سيناريو على طريقة أفلام الأكشن، دفع أموال طائلة من أجل استئجار مجرمين للنيل من الضحية واقتياده إلى منزلهم الفاخر، ثم دخولهم من أمام الحراسة دونما أن يثيروا أدنى شك في مؤامرتهم، كل هذا يؤكد أن التربية غير السوية لهؤلاء واقتناعهم أنهم سادة البشر وعدم تقبلهم لرفض الفتاة ومهدي لهم السبب الرئيسي في الجريمة”. الجزائر: سلمى حراز