الدكتور غالب بن شيخ مفكر إسلامي فرنسي من أصول جزائرية، شغل عدة مناصب سامية من بينها رئيس جامع باريس الكبير ومفتي مرسيليا، يشرف على برنامج أسبوعي خاص بالإسلام في القناة الثانية الفرنسية، قبل أن ينتخب رئيسا للمؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام والمعروف بمواقفه المعارضة للتيار السلفي. التقت به “الخبر” بمدينة بجاية وكان معه هذا الحوار. الدول الإسلامية ومعها كل المجتمع الإسلامي اليوم غارقة في الفتن.. هل ترون في اللائكية الخلاص؟ في بعض الأحيان الكلمات مفخخة ومن ضمنها اللائكية، واللائكية ليست إلحادا، وليست ضد الدين، فهي تعني فصل الدين عن الدولة، وأن المنظمات الحكومية لا يحق لها أن تفرض نظرتها الدينية على المجتمع، بل حينما يتحرر الدين من قبضة السياسيين سيخدم ذلك الدين أكثر من السياسة. فربما أنتم محقون في طرح مثل هذا السؤال، إن اعتماد هذا الفصل بين الدين والسياسة قد يكون حلا لإخماد نار الفتن التي يعرفها للأسف الشديد كثير من المجتمعات الإسلامية. إذن هل أخطأ المعتزلة بصفتهم أول من سيّس الدين الإسلامي؟ إن المعتزلة حينما سيّسوا الدين قد أخطأوا ولكنهم أصابوا في كثير من الأشياء حينما فكروا ومحّصوا الأمور. فالأزمنة ليست متشابهة، نحن نعيش عصر المعلوماتية والتكنولوجيا والثورة الرقمية، فإذا ما تأكدنا أن هذا خطأ فعلينا ألا نعيد الكرة ونتفادى تسييس الدين ونتفادى تدجينه لأغراض سياسوية. وزارة الشؤون الدينية تلمح لإعادة فتح معابد اليهود، والسلفيون يعارضون. هل يمكن أن نتحدث عن حوار بين الحضارات في ظل وجود مثل هذه المواقف؟ مستحيل ذلك إذا كانت هذه الأفكار هي السائدة، فالمطالبة بالحرية تخص كل شرائح المجتمع، نحن نتكلم عن المجتمع الجزائري، هناك أطياف وشرائح لا تدين بالدين الإسلامي، فعلى السلطات العمومية أن تكفل لهم ذلك بحق القانون، فالذين يعتقدون أنهم مخولون باحتكار القناة إلى الله سبحانه وتعالى عن طريقهم الأوحد، هم في رأيي مخطئون. مرة أخرى الحريات الأساسية وحقوق الإنسان لابد أن يكفلها القانون، للمسيحيين واليهود حق العبادة في أماكن عبادتهم مثل الدير والكنائس، وأقول إنه بحق القانون وبصرامته لابد أن يكون ذلك مكفولا لهم، شاء الإخوة السلفيين أم أبوا. كلما حل علينا الشهر الكريم عادت ظاهرة انتهاك حرمة رمضان لأغراض سياسية، ما موقفكم في ذلك؟ موقفي عبرت عنه أمام الرأي العام، يجب أن لا نسقط في فخ الاستفزاز. حرية المعتقد لا تعاني من أي لبس أو غموض في الفهم. من يريد أن يفطر فليفطر، ومن لا يريد أن يفطر فيجب أن يكون له الحق في عدم الإفطار، وهذا يجب أن يضمنه القانون، فالموقف الأمثل هو اقتناع المفطرين بوجوب احترام غير المفطرين أي الصائمين، وهي أخلاق، تربية، عادات، وبالمقابل فإذا كان غير المفطرين شاهدوا شخصا يفطر يجب أن لا يتأثروا ولا يصدموا بذلك. أنتم تحدثتم عن انتهاك حرمة شهر رمضان، لابد أن نتعفف ونترفع عن مثل هذه الاعتبارات. في وقتنا هذا حرية تطبيق الشعائر الدينية لابد أيضا حسب رأيي أن تكون مكفولة بحق القانون. ألا تخاف بمثل هذه التصريحات أن تثير غضب السلفيين؟ أنا جزائري مسلم فخور بجزائريته ودينه، تربيت في وسط أخلاقيات الاختلاف في النقاش، والإسلام لا يعيش أزمة بقدر ما يواجه تحولات إنسانية في ألم شديد، وثقافة الخوف لا مكان لها عندنا. الإسلام غريب عن التفجيرات الدموية والاغتيالات الشنيعة وذبح المسلمين، وهدفهم في ذلك ترسيخ ثقافة الخوف “الإخوانية”. دكتور، هل لكم أن تقدموا لنا المنظمة العالمية التي ترأسونها؟ المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، منظمة دولية تأسست في حدود 1993 من طرف المدعو صوامي، هي متواجدة اليوم في أكثر من 70 بلدا الآن، انخرط فيها العديد من رجالات الدين سواء من الديانات السماوية التي توحد الله (الإبراهيمية) أعني بها اليهودية والمسيحية والإسلام وأيضا الديانات الأخرى، مثل البوذية والهندوسية وديانات أخرى من الشرق الأقصى. كان مؤسسها في البداية ينوي تأسيس برلمان للأديان العالمية يضم ورثة العائلة الإبراهيمية بمعنى المسلمين والمسيحيين وديانات الشرق الأقصى. هذا البرلمان عمل بشكل عادي إلى غاية الحرب العالمية الأولى حيث تعرض لهزة عنيفة. وبعد الحرب العالمية الثانية تقرر التخلي عن فكرة البرلمان وتأسيس المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام. تعمل هذه المنظمة بدبلوماسية الخفاء أو الدبلوماسية الموازية للدبلوماسية المعروفة وتتدخل في أماكن النزاعات التي تحصل في العالم بين المتصارعين، خاصة إذا أرادوا أن يبرروا نطاحهم بمقدسات دينية، حيث نذهب إلى هناك للوساطة وإيجاد الحلول من الروحانيات ومن المراجع الدينية التي يزخر بها التراث الديني سواء في الديانات السماوية أو الديانات الأخرى. وأذكر أن للمنظمة غايتين: الأولى تحقيق محتوى تسميتها، والثانية تتمثل في السعي لمنع الإنسان من ارتكاب معاصي باسم القداسة الدينية وأحيانا لتبرير ما لا يبرر. كيف تفسرون الجدلية القائمة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية؟ أعتقد اعتقادا راسخا بأن الحضارة الإسلامية قدمت للإنسانية تعاليم سمحاء أسست ورسخت الأنسنة في المجتمع، ومفهوم الأنسنة اليوم أن تعتبر الإنسان بمثابة اللبنة الأولى فيما يخص كل تصرفاته، حيث عرفنا في التاريخ أنه الأديب ليس بمفهومه الاصطلاحي لكن بمفهوم أن السعادة تكون محصنة للإنسانية جمعاء. ذكرت في تدخلاتي المختلفة الأصمهي، والمسكاوي والفارابي وأبو حيان التوحيدي، حيث كان دأبهم كيف يكون تحصين السعادة لكل الإنسانية وعلى الحضارة الإسلامية في هذا الوقت. وفي إطار العولمة التي نعيشها اليوم أن تمد وتعطي للإنسانية ما يكفل كرامتها ويكفل سعادة الخلق في هذه الدار والدار الأخرى. وبما أن هذه السعادة غير محصنة، فأين مكمن الخلل؟ في اعتقادي، واعتقادي قابل للنقاش، الموضوع ليس مشكلة الإسلام، وإنما المشكلة في المسلمين، فالمسلمون،مع احترامي لكرامتهم كأشخاص أكثرهم يعاني من ثالوث “الجهل والفقر والتخلف”، إن لم نضف إلى هذه الثلاثية المرض، فعلينا أن نزيح الغبار أو حتى إعادة النظر في الخطاب الديني المهيمن على كثير من العقول الآن. لقد قدسنا الجهل، نحن لا ندري ولا ندري أننا لا ندري، ولا يمكن أن نبقى في هذا المنوال. فالجهل قد قدس والحكومات أسست للجهل أيضا، فما يدرس في المعاهد والجامعات والمدارس لابد أن يعاد النظر في ترتيباته وتشكيلاته الإبستمولوجية إن صح التعبير. فالمقاولة الكبرى أو العمل الجبار الذي يخلصنا من المأزق هو التخلص من التخلف ومن التحجر الفكري والتقوقع والتطرف ومن التزمت الذي نعاني منه كلنا والذي يعود علينا بالوباء. مرة أخرى أعتقد أن في حضارتنا الإسلامية ومقومات ديننا الحنيف ما يمكن أن يمدنا بالسعادة، شرط أن نعطي للفكر كل حريته للخروج من الطابوهات التي قدسناها. وأخيرا أبلغوا تحياتي لطاقم “الخبر” وقناة “كاي بي سي”. الدكتور غالب بن شيخ في سطور الذكتور غالب بن شيخ ولد بمدينة جدة السعودية سنة 1960 يحمل دكتوراه في العلوم الفيزيائية، يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية. هو ابن الشيخ عباس بن شيخ الحسين أول سفير للجزائر في السعودية، وعضو في الحكومة المؤقتة، وهو شقيق المفكر الإسلامي المعروف صهيب بن شيخ. شغل عميدا لمسجد باريس ومفتي مارسيليا، يحوز على تكوين عال في الفلسفة الدينية والحضارات الإنسانية. انتخب قبل سنوات رئيسا للمؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام، وألّف عدة كتب منها “إذن ما معنى الإسلام؟” في 2001، “الإسلام واليهودية في حوار” في 2002، “اللائكية في نظر القرآن” في 2005، وكذلك “رسالة مفتوحة للإسلاميين” سنة 2008.