كشفت مصادر مطّلعة من ميناء بجاية أن كمية السلع المكدسة بالميناء تتعدى 4 آلاف طن، وتحتل مساحة تقارب 5 بالمائة من المساحة الإجمالية، وهي معبأة منذ سنوات داخل مئات الحاويات المعرّضة بدورها لأشعة الشمس والرطوبة، ونسبة كبيرة منها بها سلع منتهية صلاحيتها للاستهلاك، وهي متنوعة من مواد غذائية وتجهيزات كهرومنزلية وعتاد الصرف الصحي ومواد كيمياوية وأدوية وكتب وغيرها. وتفيد مصادرنا أن 90 بالمائة من السلع المحجوزة هي بأمر من مصالح التجارة وقمع الغش. “خوخ مجمّد وفراولة” منذ خمس سنوات بالميناء! وخلال لقائنا بنائب مدير الميناء اعترف بوجود كميات هائلة من السلع المكدسة بالميناء، لكنه أوضح أن الوضع لا يحمل الطابع الكارثي، كما أن قيمة هذه السلع لا تمثل الكثير بالمقارنة مع حجم المبادلات التي ينجزها الميناء. وبالنسبة لسنة 2014 أوضح محدثنا أن عدد الحاويات التي بها سلع فاسدة وغير قابلة للتسويق يتعدى 489 حاوية، مقسّمة إلى ثلاث فئات، منها الحاويات الثلاجة وعددها ثلاثة، منها حاوية تضم “الخوخ المجمّد” والجاثمة بالميناء منذ سنة 2009 إلى يومنا هذا، بسبب خلاف بين المورّد والمستورد، حيث إن المورّد يرفض إرجاعها إلى فرنسا بسبب القوانين الفرنسية، والجمارك ترفض تسوية الوضعية بسبب القوانين الجزائرية. إضافة إلى ذلك هناك حاويتان محملتان ب«الفراولة المجمدة”، التي لم يصرح بها المستورد لدى الجهات المعنية، خاصة الجمارك، التي أعذرته بإخراجها من الميناء قبل تسليط أقصى العقوبات عليه. وكشف تقرير مسلّم إلينا عن تواجد 296 حاوية تضم سلعا معرضة للتلف ومدة صلاحيتها للاستهلاك انتهت منذ عدة سنوات، منها 190 حاوية تحتوي على جعة فاسدة بعد انتهاء مدة صلاحيتها للاستهلاك منذ سنوات عديدة. وأوضح مسؤول بميناء بجاية أن المديرية اتخذت كل الإجراءات القانونية والإدارية والوقائية لإتلاف الجعة الفاسدة دون أن يخلّف ذلك مخاطر على السكان وعلى المحيط، وقد أجريت عليها التحاليل البكتريولوجية للتأكد من إمكانية التخلص منها دون تأثير على البيئة، حيث أوكل أمر إتلافها لمؤسسة متخصصة تقوم بالتخلص من السوائل وتسترجع التغليف النحاسي أو الزجاجي. وما أثار استغراب مسؤولي الميناء هو إقدام مؤسسة متخصصة معروفة وطنيا باستيراد أزيد من 70 حاوية من الأرز، وهو ما يعادل 2000 طن، حيث هذه الكمية تتجاوز حاجيات السوق المحلية بكثير، ما عرّض نسبة كبيرة منها للتلف بعد تخزينها لفترة طويلة، وهو ما جعل مصالح قمع الغش ترفض جمركتها وتسويقها بسبب الخطورة التي تمثلها على صحة المواطن. ويضيف المصدر ذاته أن عملية التخلص من “جبال” الأرز الفاسد ليست بالأمر الهين، حيث يتطلب ذلك إمكانات غير متوفرة بولاية بجاية، وأن الحل المرتقب هو إقناع ديوان تغذية الأنعام (أوناب) باستلام هذه الكميات الضخمة بالمقابل أو دون مقابل من أجل تحويلها إلى أغذية للحيوانات. علاوة على ذلك تتواجد بالميناء أربع حاويات لمنتوج الحمص، مستورد من أوروبا منذ بداية 2013، رفضت مصالح التجارة قمع الغش تسويقها بسبب عدم صلاحيتها للاستهلاك، ورفض المورّد استلامها من جهته، ليبقى المشكل قائما بين الطرفين لأجل غير مسمى، أما الضحية فهو ميناء بجاية الذي خسر مساحة كان يمكن استعمالها واستغلالها في عمليات أخرى أكثر فائدة. وأشار مسؤول الميناء إلى وجود عشر حاويات للجعة الرفيعة من نوع “بورغ”، والتي لم يتقدم صاحبها لإخراجها رغم عديد الإعذارات الموجهة إليه. 190 حاوية لسلع مغشوشة يتبين من التقرير الذي يضم حوصلة حول السلع المغشوشة المكدسة بميناء بجاية أن “مافيا” الاستيراد تسعى لتحقيق أرباح خيالية على حساب صحة المستهلك، والغريب في الأمر أنه رغم تأكد الجهات المسؤولة من حقيقة السلع المغشوشة والخطيرة فإنه لا أحد تحرّك لتأديب المستوردين المحتالين، بل يتم الاكتفاء بحجز السلع دون متابعة المعنيين، وهو ما شجع الكثير منهم على إغراق السوق الوطنية ببعض السلع الصينية الخطيرة على المستهلك الجزائري، من ذلك 16 حاوية معبّأة بمسخنات غير مطابقة للنسخ الأصلية، ما دفع مصالح قمع الغش إلى حجزها، إلى جانب 12 حاوية أخرى معبأة بتجهيزات طبخ مستوردة من قِبل شركة برايجية، وخمس حاويات معبّأة بمسخنات تشتغل بغاز البوتان مستوردة من الصين مكدسة بالميناء منذ سنة 2011، وكذلك خمس حاويات أخرى معبأة بمصابيح كهربائية مستوردة من قِبل شركة خاصة أهملتها منذ سنة 2011 بعد تأكدها من عدم صلاحيتها للاستعمال، بعد التحاليل التي أجريت عليها من قِبل مصالح قمع الغش، حيث تأكد تعرضها للانفجار بعد ساعات قليلة من استعمالها، وأن الزجاج المستعمل فيها غير مطابق للمواصفات الواردة في الأغلفة، حيث قررت مصالح قمع الغش حجزها بعد أن تأكد لها رفض المورّد استعادة سلعته المغشوشة. وأوضح مسؤول الميناء والمكلف بملف السلع المعطّلة أن جميع المحجوزات سيتم تحويلها قريبا إلى مؤسسة استرجاع بالشرق لإتلافها، وذكر قضية الحاويات الخمس المعزولة في الميناء والتي تحتوي على البلاستيك الصلب، حيث لم يصرّح بها مستوردها إلى أن تفطنت لها مصالح الجمارك التي قررت إعذاره قبل إتلافها. إتلاف أزيد من 3 آلاف طن من السلع المغشوشة والفاسدة في 2013 كشف تقرير لمديرية مؤسسة ميناء بجاية أنه في سنة 2013 تمكنت اللجنة المشكلة لمتابعة السلع المعطلة من إتلاف أزيد من 3000 طن من السلع المختلفة، منها 984 طن عبارة عن سكر أبيض استوردته شركة خاصة عجزت عن تسوية وضعيتها إلى أن انتهت مدة صلاحية السكر للاستهلاك، ليتقرر بعد ذلك نقلها إلى مفرغة بوليماط، حيث ظلت الشاحنات تنقل السلعة من الميناء إلى المفرغة لمدة قاربت الأسبوعين، إلى جانب إتلاف خمس حاويات من الأرز الفاسد، وأربع حاويات من الحليب المعقم بعد أن تأكدت مصالح قمع الغش أن الحليب المستورد مغشوش، وأيضا إتلاف حاويتين من العصير للأسباب نفسها، وحاوية للحمص وأخرى للعجائن الغذائية، وكمية ضخمة من الأرز الفاسد الذي استوردته إحدى الشركات المختصة من الشرق الجزائري. كما قررت مصالح قمع الغش، حسب التقرير، إتلاف أزيد من 50 ألف حنفية مستوردة من الصين من قِبل شركة خاصة، حيث تبين بعد التحاليل أنها تحمل أعراضا مسببة لأمراض سرطانية، ما دفع مصالح قمع الغش إلى حجزها، وقد تم تسليمها لمؤسسة وطنية مختصة لصهرها واستخراج إحدى الجزئيات التي تحتاج إليها، وإتلاف ما تبقى بسبب مخاطر التعرض للسرطان. وقررت مصالح قمع الغش حجز وإتلاف كميات معتبرة من السلع، تتمثل في قطع الغيار ومواد كيمياوية وتجهيزات مطبخ وآلاف الكتب ومصابيح كهربائية وأدوية موجهة لمرضى السكري، وحوالي 4333 خرطوشة للسجائر، وعدة حاويات لأنواع مختلفة من الجعة. ..والمأساة تتكرر في سنة 2014 رغم إقدام اللجنة المختصة بمتابعة السلع المعطلة على إتلاف آلاف الأطنان من السلع الفاسدة والمغشوشة إلا أن الكثير من المستوردين لم يعتبروا بذلك، بل واصلوا مساعيهم لإغراق السوق الوطنية بمثل هذه السلع، مستغلين عدم متابعتهم من قِبل الجهات المكلفة قانونا بحماية المواطن، وتمادوا في تصرفاتهم، حيث استوردوا أطنانا أخرى من السلع الفاسدة، وهو ما جعل مصالح قمع الغش تتلف خلال السنة الجارية فقط ثلاث حاويات من التفاح، وأزيد من 10 آلاف وحدة حنفية للماء فاسدة وحاملة لأعراض بعض الأمراض السرطانية حسب نتائج التحاليل، وحوالي 4700 كتاب أهدتها جمعية فرنسية لجمعية جزائرية لم يسمح لها القانون باستلامها، وثماني حاويات من الأرز للشركة نفسها التي أتلفت لها خمس حاويات من المادة نفسها خلال سنة 2013، وخمس حاويات أخرى للشركة نفسها تتضمن البقول الجافة. وأوضح مسؤول بميناء بجاية أن الحاويات التي تضم الحنفيات التي تحمل موادا مسرطنة قد تم التنازل عنها لفائدة شركة “بي.سي.آر” للتخلص منها بتوظيف التكنولوجية الرفيعة التي بحوزتها. وبالنسبة للكتب فقد تم التنازل عنها لفائدة مديرية الثقافة لولاية بجاية، بينما الحمص سيتم وضع كميات معتبرة تحت تصرف ديوان تغذية الأنعام. وحسب المسؤول نفسه تقوم اللجنة حاليا بدراسة عدد من القضايا التي تخص إتلاف سلع فاسدة ومغشوشة، منها كمية معتبرة من المشروبات الكحولية الرفيعة مثل “الفودكا” و«الويسكي” والجعة، إلى جانب 12 حاوية معبأة بمسخنات غاز مستوردة من الصين وضعت تحت تصرف المؤسسة العمومية للاسترجاع. وحسب المتحدث نفسه دائما، فإن المعضلة تكمن في “جثمان” حوالي ستين سيارة “زاد آش” وسيارات أخرى محجوزة لا تزال قيد النزاع القضائي، رغم أن الكثير منها تحوّلت إلى أشبه بحقول مهجورة بعد أن نبت الحشيش داخلها وخارجها. ميناء بجاية.. الخاسر الوحيد سألت “الخبر” مسؤولا بالميناء عن تداعيات مثل هذه العمليات التي تخص الحجز والإتلاف والثقل الذي يتحمّله المستوردون الجزائريون الذين يغرقون السوق الوطنية بالسلع المغشوشة والفاسدة، فردّ علينا بأن هؤلاء لا يدفعون شيئا قبل بيع سلعتهم وهي اتفاقات مبدئية بين المورّد والمستورد، وحتى البنوك لا تدفع شيئا، ودون أن يقول ذلك فهمنا أن المورّدين لا يخسرون شيئا لأن السلع الموجهة للسوق الجزائرية هي خردة، وبدلا من توجيهها إلى مفرغة في بلدانهم يحوّلونها إلى بلدان تحوّل موانئها إلى مفرغات للسلع الفاسدة. العلامة الكاملة لمصالح قمع الغش أثناء تجوالنا بالميناء فتحنا نقاشا مع أحد المسيرين لوكالة العبور، الذي قال إن الوضع سيكون أكثر كارثية لو حدث تواطؤ بين المستوردين ومسؤولين بالميناء أو مع مصالح قمع الغش، حيث سيمررون أكبر كمية ممكنة من السلع المغشوشة دون مراعاة لأي اهتمام لصحة المواطن، أو للأضرار التي تلحق بالاقتصاد الوطني، وبرر محدثنا اختيار الكثير من المستوردين الجزائريين لميناء بجاية بالتسهيلات الكثيرة التي تمنحها إدارة الميناء والمعالجة السريعة للحاويات بفضل التحكم شبه المطلق في تكنولوجيا الإعلام الآلي، حيث الكثير من المستوردين يسوّون وضعياتهم قبل الوصول إلى الميناء وذلك قصد ربح الوقت. المدير العام لمؤسسة ميناء بجاية عاشور جلول “نحن ضحايا تبسيط إجراءات المعاملات الإدارية والجمركية” قال الرئيس المدير العام لمؤسسة ميناء بجاية، عاشور جلول، ل«الخبر”، إن المؤسسة التي يديرها تتوجه بخطى ثابتة لاعتلاء الصدارة الوطنية في حجم المعاملات التجارية من حيث الصادرات والواردات. وأضاف أنه من أجل ذلك تقرر تبسيط الإجراءات الإدارية والجمركية لفائدة جميع المستوردين والمصدّرين، ووضع تحت تصرفهم آخر ما توصلت إليه تكنولوجيات الإعلام والاتصال والمعالجة القياسية للحاويات، وربما هذا ما كان وراء تزايد نشاط المستوردين عبر هذه البوابة، وبالتالي تزايد حالات القضايا غير القانونية. وقال المتحدث إن مصالحه تحقق أرقاما قياسية في هذا المجال، وهو ما يبرر تدفق المستوردين إلى ميناء بجاية، وستعرف المعاملات تطورا أكبر بعد تدعيم الميناء بأربع رافعات عملاقة ينتظر استلامها لاحقا. وبالنسبة للمستوردين الذين يتعمّدون إغراق السوق الوطنية بالسلع غير المطابقة، قال عاشور إن كل جهة عاملة بالميناء تقوم بواجبها، ويبقى الجميع في خدمة الاقتصاد الوطني.