هذه مصادفة لا تخلو من مفارقة. أن ترتفع كثير من الأصوات الحكيمة في الجزائر منتقدة للوضع البالي والبائس الذي تعرفه جلّ، إن لم أقل كل بلديات الوطن وعددها ال1541 بلدية، في جانبي ضعف التسيير المحلي وفقا للقاعدة الفقهية القانونية أن البلدية هي النواة الأولي أو الرقعة الإدارية المتقدمة لتمثيل الدولة بكل مكوناتها المركزية واللامركزية. أما فيما يخص جانب معالجة القضايا العالقة للمواطن فتجابه من قبل القائمين أحيان بالتهرب أو التسويف في غالبية الأحيان، وفي قليل منها بالمحسوبية المستغلة بالنفع العائد من ريع المنصب، متبعين لطرق غير قانونية ولا هي أخلاقية مما تنفر بشكل بين، وتمس بشرخ عميق علاقة المواطن بالإدارة التي ما فتئت تنوه لها بلوائح وتعليمات ونصوص مركزية صارمة، ولكن لا أثر في الأرض، ما يؤثر على الأداء العام من خلال غياب تفعيل دور المواطنة نتيجة تقاعس الجميع “أجهزة وأحزاب” في اختيار الرداءة بدخول المال الوسخ في تحديد قوائم المرشحين من قبل الثاني. أما الأولى، وهي الأجهزة بتقاعسها أو تواطئها، وهنا اختلفت التفسيرات في تقديم مثل هذه النماذج وتشريفها بواسطة الانتخابات المشكوك فيها معنى ومبنى من قبل أكثر من جهة مستقلة، وما زاد الوضع قاتمة، عزوف الشعب عن مراقبة الأداء العام، والنتيجة السائدة حاليا في المجالس الشعبية البلدية المحلية خليط سياسي متنافر نتاج عن الانتخابات المحلية 29/11/2012، وتركيبة مجلسه من رئيس إلى نواب، إلى رؤساء لجان تمت عن طريق التكتلات المبنية على المزايدة الشخصية لا على الأداء العام، وهذا على مرأى ومسمع السلطات الوصية، للأسف، والتي يوجه لها الحيز الواسع من الانتقاد حتى لا أقول الاتهام، وذلك لعدم اكتراثها للتنبيهات والتحذيرات الجمة. والقاعدة تقول إنه لا يصلح الحال من السطح والأساس هش. والأساس هنا هو الذي ينسب له الموبقات السبع وما تشمله. وفي هذا السياق، وقبل أي كلام في الموضوع، أرجو ألا يخطر على بال أحد أنني أدعو إلى التسامح مع أي تقصير أو عمل يخالف القانون. كما أرجو ألا تخلط بين تبرير الظاهرة وتفسيرها. ذلك أن التبرير دعوة للقبول بالفعل وتسويقه، في حين أن التفسير يحاول أن يتقصى جذور الفعل لفهم العوامل الكامنة وراءه، ومن ثم التعامل معها لكي لا تتكرر سلبيات الفعل بعد ذلك، وهذا ما أصبو إليه، لأن الهدف من مراجعة قانون البلدية هو “تكييف الإطار القانوني والتنظيمي من أجل تحديد أمثل للعلاقات بين مختلف الهيئات المنتخبة وظروف الممارسة من قبل ممثلي الدولة ومهامهم”، حيث يمكن القول إن قانون البلدية الجديد، هو قانون 11-10 المؤرخ في 02 يوليو 2011 مؤطر بشكل صائب من أجل ضمان مصلحة الدولة والبلدية والمواطنين على حد سواء، خاصة وأن البلدية لها مكانة مركزية للمواطن، حيث سيستشيره المجلس الشعبي البلدي في اختيار أولوياته، خصوصا في مجال تهيئة البلدية وتسييرها. حين يعمد البعض إلى تنبيه الرأي العام إلى مدى جسامة المسؤولية التي تتحملها سلطة البلدية القائمة الآن، فإنهم يذكرّون الناس بخط التماس المترابط بين مصالح المواطن ومصالح الدولة. وهم محقون في ذلك لا ريب، إلا أن هذه المرافعة، التي أريد بها التوضيح بالمكاشفة لتكشف في الوقت ذاته عن مفاجأة أو مفارقة تبعث على الحيرة والدهشة، ذلك أنه في الوقت الذي تسلط الأضواء بين الحين والآخر على التجاوزات والأخطاء، وحتى الجرائم التي يرتكبها ممثلي المجالس الشعبية البلدية بحق البلد وعباد البلد، والتي كانت سببا في نفور المواطن من أداء حق المواطنة، وبالتالي طلاق تعسفي بين الجهات والشعب، ومن ثم غاب التوجيه، وبالتالي غاب الأداء وضاع الوقت في حق الأجيال، وتلك هي الحقيقة المحزنة تمثلت في قتل الحياة السياسية والمجتمع المدني ومحاصرة وإفساد القوى والأحزاب المدنية. هذه العبارات ليس فيها أي تجنٍ على جهة أو هيئة أو شخص بذاته، ورغم أنها لم تشر إلى التزوير والنهب الاقتصادي والظلم الاجتماعي والعلاقات المريبة مع رجال المال. أقول رغم ذلك، فإن القدر الذي تسير به البلديات كفيل بإدانتنا جميعا ولا يوفر ذريعة لأحد، الملاحظة المسجلة مهمة وهي تسلط الضوء على جانب مسكوت عليه، فقد جرى إضعاف الدور الإستراتيجي الهام للبلدية وما تمثله من تواجد داخل الشعب، بحيث تم التلاعب من قبل الأحزاب في تقديم ممثليها وبرامجها إن وجدت، وتفرج الجهات وعدم تدخلها بشكل أو بآخر، ويكون ولاء أولئك المماليك لمن عينوهم ولمن وظفوهم ويكون قهر الشعب واستنزافه وخداعه هو عملهم الوحيد، في نهاية المطاف نتج عنها مجالس مشلولة متصارعة وبعيدة عن الأداء العام، على الأقل ذلك هو القدر المؤسف الذي لمسناه حتى الآن. [email protected]