أرى أنه بات من الضروري وفي مستهل هذا الموضوع عرض بعض الأسباب التي دعت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني إلى تقديم اقتراحات تتعلق بالتعديل الناجع والمفيد لقانوني البلدية والولاية والتي يأتي في مقدمتها الضرورة الملحة لتفعيل أداء تلك المجالس المنتخبة في كنف التعددية الحزبية والممارسة الديمقراطية التي تعيشها الجزائر باعتبارها هيئات مداولة حاليا دون المراقبة وباعتبار الممارسة الحالية للمجلس الولائي من خلال القوانين والصلاحيات المحددة هي ممارسة مبتورة تجهل منه مجلسا بروتوكوليا أكثر منه مجلسا يعمل جنبا إلى جنب وبفعالية مع الهيئة التنفيذية للولاية باعتبار أن الغرض من وجود الهيئتين معا خدمة الصالح العام للمواطنين والحرص على مصالح المواطنين والمساهمة الفعالة والمنسجمة من الهيئتين في إنجاح الخطط التنموية المحلية (البلدية والولائية) وتجسيد المشاريع المبرمجة تلك المشاريع التي تبرمج لخدمة المواطنين وتذليل الصعوبات التي تعترض سبيلهم وتهيئة المناخ الحضاري للتطور الإجتماعي والمواكبة السريعة لما يجري في العالم من تطور حضاري وارتقاء وازدهار حياتي تعرفه المجتمعات المتحضرة في العالم والتي تسعى الحكومات والدول فيها إلى تطوير حياة شعوبهم في سباق مع الزمن ومن خلال المؤسسات المختلفة والهياكل الهرمية التي تنفذ الخطط التنموية والمشاريع المختلفة من خلال البرامج المسطرة التي تنفذها بالتعاون مع ممثلي الشعب في المجالس الشعبية المختلفة وطنية وولائية وبلدية بفضل القوانين المنظمة للعمل والمحدد للصلاحيات والتي تمكن تلك المجالس من المساهمة الفعلية عن طريق قوة الإقتراح الذي يمكنها من الحرص على تجسيد الخدمات التي ينشدها المواطنون والتي عبر لهم ذلك المنتخب أثناء حملته الإنتخابية عن اقتناعه بها وبنجاعتها على شكل وعود قدمتها الأحزاب في برامجها لاستقطاب الوعاء الإنتخابي الأوسع وما يحدث في كنف القوانين المحلية المعمول بها أن المنتخبين يصدمون بالحواجز القانونية عند ممارسة المسؤولية فيجدوا أنفسهم غير قادرين على تحقيق أي شيء من الوعود والبرامج التي قدمت للناخبين عربونا للإلتزام ويلاحظون أن هيئة التنفيذ هي التي بيدها الحل والربط والأمر والنهي حيث تمارس سلطتها بقوة القانون ليظل المنتخب في تلك المجالس يدور في حلقة مفرغة ولا يجد السبيل الذي يمكنه من الوفاء بوعوده وتسجيد برنامج حزبه الذي أخذ على عاتقه أمام الجماهير السهر على تحقيقه أيام الحملة الإنتخابية وعلى هذا فإن المنتخب يظل في موقف ضعيف أمام المواطنين لعدم تمكنه من الوفاء بالوعود فيتهرب منهم تارة ويراوغهم تارة أخرى لتوجه لهم أصابع الإتهام بالتقصير والتخلي والجري وراء المصالح الخاصة ضد المنتخب الذي لا حول له ولا قوة وهذا ما يدفع بجماعة الهيئة المنتخبة إلى الصراع فيما بينهم على المراكز القريبة من سلطة القرار ليفكروا ويخططوا لعمليات سحب الصقة من رئيس المجلس البلدي وأحيانا من رئيس المجلس الولائي الذي يحميه القانون لأنه ينتخب للفترة الإنتخابية أساسا ورغم هذا فإنهم يحاولون في الغالب الوصول إلى هذا الهدف لتبديل وجوه المسؤولين من الرؤساء• وبهذا فإنهم ينشغلون عن مهامهم الأساسية ويشوهون صورة المنتخب ويعطلون الأداء في الغالب ويجمدون النشاط ويوقفون عجلة التنمية من طرف هيئة التنفيذ بعيدا عن الإنسداد الذي كثيرا ما يحدث ويتحمل الحزب سلبيات آداء منتخبيه وما يتعرض إليه المنتخب من تشويهات وسلوكات طالما وأن الحزب هو الذي اختار قوائم ممثليه وصادق عليها وقدمها للناخبين• إذن من خلال التجربة الكبيرة لحزب جبهة التحرير الوطني في تسيير المجالس المنتخبة وتسيير شؤون شؤون البلاد وجد نفسه ملزما على طرح تلك الإشكاليات القانونية التي تتسبب في جزء كبير منها القوانين المحلية الحالية إلى جانب ما حملت تجربته من ملاحظات وما عاشه ممثلوه من ممارسات ليؤكد ومن جديد على ضرورة إعادة النظر في القوانين المحلية الحالية القانون 90 / 09 المسير للمجالس الولائية وكذلك القانون 08/90 الذي يسير البلديات مع تقديم إقتراحات بديلة متواضعة رأى فيها صلاحا لحل المعضلات المطروحة والتداخلات القانونية الموجودة والغموض الذي يكتنفها والتي تسمح بالتفسيرات القانونية التي تؤدي إلى هيمنة هيئة على حساب هيئة أخرى وإلى شل القدرات الكامنة لدى المنتخبين في كثير من الأحيان تلك القدرات التي لا تعرف النور وبالتالي تجعل من المجالس هيئات وهياكل بلا روح وأشكال دون مضامين هذا إلى جانب عدم مواكبتها للتحولات التي تعرفها البلاد الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وهذا أمر منطقي في ظل القوانين الحالية التي مضى عليها الزمن وطالما وأن والي الولاية هو المسؤول عن الأموال العمومية وحسن تسييرها وفق برامج يراها ناجعة بعيدا عن مشاركة الهيئات المنتخبة في اختيارها واقتراحها والإكتفاء بإطلاعهم عليها من خلال دراسة الميزانية الأولية أو الأخرى الإضافية، فالأمر إلى حد ما وبالوضع الحالي وأمام المسؤوليات التي تتحملها هيئة التنفيذ بحكم القانوني فهي مقبولة إلا أنه وعندما تكون المسؤولية مشتركة فالأمر يختلف وطرائق التسيير تتباين• وهذا ما جعل حزبنا يلح بل يؤكد على ضرورة إعادة النظر في توزيع الجباية المحلية توزيعا عادلا وتفعيلها على المستوى المحلي لتمكين المجالس البلدية ومن خلال المصالح المختصة والإطارات الكفأة التي تنشأ لها مناصب عمل على مستوى البلديات بما يسمح لها بتسيير تلك الأموال وتوجيهها واعتمادها وفق برامج محلية ومن خلال مداولات المجالس البلدية لتعتمد فيما بعد من طرف الهيئتين الولائيتين (هيئة التنفيذ وهيئة المداولة) ضمانا لخلق تفاعل إجتماعي منسجم بفضل إشراك الجميع في الرأس والإختيار عن طريق الممارسة الديمقراطية الواعية والمسؤولة وبما يحقق اللامركزية التي أقرها القانون• وقد قدمت إقتراحات من طرف لجنة المختصين في القانون ومن ذوي التجربة والممارسة في التسيير المحلي على ملاحظاتنا تلك تؤخذ بعين الإعتبار لأن هدفنا والله يشهد كان ولا يزال وسيبقى نجاعة التسيير ورفع أداء الجماعات المحلية إيجابا وتجاوز التداخلات والهيمنة، وتمكين المنتخب من أن يلعب دوره في خدمة مواطني بلديته وولايته ويحاسب في الإطار القانوني بالإيجاب أو السلب• وهذا ما يجعلنا نؤكد بإلحاح على أن الإصلاح ينبغي أن ينطلق بادئ ذي بدء من البلدية باعتبارها المجموعة الإقليمية الأولى التي تشكل الإطار الذي تتفاعل فيه القدرات المختلفة والمتباينة وتتجسد فيه المشاكل الشعبية في التسيير لجعلها واقعا طالما وأن الخلية الإقليمية هي أداة وفي نفس الوقت قناة لكونه تنقل الإنشغالات الإحتياجات بدقة من القاعدة إلى القمة والعكس صحيح وهي نفس الوقت أداة لبروز الكفاءات المحلية والوطنية• وعليه فإن الديمقراطية واللامركزية في الإدارة وأقصد لا مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ• لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال توسيع المسؤوليات المحلية وتطوير المبادرات المختلفة على المستوى المحلي وهذا يتطلب: 1- البحث عن إطار تنظيمي يجعل المعلومات الإقليمية (المجالس) قناة اتصال لرصد الإحتياجات المحلية ضمن السياق العام لأهداف المجتمع بفضل المشاركة الفاعلة على المستوى المحلي• 2- لابد وأن نأخذ بعين الإعتبار الفوارق وخصائص كل منطقة• 3 - التفكير الجاد في وضع قوانين تسمح بتكييف برامج التنمية بما يفرضه الواقع من شروط تتنوع بتنوع المناطق وتجنب الأنماط الجاهزة• 4 - تجسيد مبدأ ديمقراطية التخطيط والتنفيذ من خلال دعم الدولة للجماعات المحلية بالوسائل الضرورية البشرية منها والمالية وبمعني أدق إنشاء هياكل متخصصة من طرف الدولة على مستوى المجموعات الإقليمية تقوم الرقابة من جهة ومن جهة ثانية تكون الوعاء الذي تتفاعل فيه القدرات والإهتمامات المحلية• 5 - لا بد من إصلاح وتعديل في قانون الجباية بما يمكن الهيئات المحلية من تحقيق طموحات مواطنيها ويسهم كذلك في حسن أداء وفعالية المجالس المحلية• وعلى هذا فإننا نسجل ومن خلال التجربة الميدانية قصور القانون الحالي المحلي سواء بالنسبة للتغيرات القانونية الملحوظة فيه والنقائص المسجلة، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى صراعات بين الهيئتين مما يستوجب مستقبلا• 1- تقنينا جديدا من ذوي الإختصاص يتجنب الإحالات والتداخلات ويحدد الصلاحيات بوضوح مما يمكن كل هيئة من هيئات الولاية أن تلعب دورها في الإقتراح والمتابعة والمراقبة• 2- تحديد صلاحيات الوالي كسلطة عمومية وكممثل للدولة ودوره الأساسي في تنفيذ مداولات المجلس 3- إنشاء هيئة مشتركة ومختصة من الهيئتين لمتابعة مدى تنفيذ المداولات• 4- تمكين رئيس المجلس من الطعن في عدم تنفيذ المداولات التي تصدر عن المجلس على مستوى وزارة الداخلية• 5- تمكين المجلس الشعبي الولائي من إطار ديمقراطي يجسد رؤيته في برنامج التنمية للولاية من الجوانب الإقتصادية والأجتماعية والثقافية باعتباره هيئة مداولة وقوة إقتراح• 6- باعتبار أن تلك الصلاحيات تتوجب الإمكانيات المادية والعلمية والبشرية فإنه لا بد من تقنين ذلك مع تمكين المجلس الولائي من الإستعانة بمكاتب الدراسة والخبراء على غرار هيئة التنفيذ وبالتنسيق معها• وللعلم فإن المجالس المحلية المنتخبة لا تستطيع أن تلعب دورها الرقابي الفعال وأن تسهم في تسيير الشؤون المحلية للمواطنين دون قدرات بشرية منتخبة ومن ذوي التجربة في التسيير وهذا ما يفرض بل يحتم على الأحزاب حسن إختيار المرشحين والمرشحات من خلال قوائم لا يكون فيها إلا من تتوفر فيهم شروط الترشح التي لا بد وأن تقنن عن طريق قانون الإنتخابات المتماشي مع المرحلة والملزم لجميع الأحزاب بترشيح ذوي المستوى والأخلاق والتجربة في التسيير وبهذا يمكن للمجالس الشعبية المحلية أن ترفع أدائها وتسهم في تطوير الممارسة الديمقراطية التي لا يمكن أن ترتقي إلا بالوعي والنضج وحسن التسيير من خلال تضافر الجهود والتكامل والإنسجام بين الهيئات المشكلة للولاية • ومما لا شك فيه فإن العملية التكوينية للإطارات الولائية ولرؤساء البلديات المنتخبة التى إعتمدتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية هي عملية رائدة وجيدة وسيكون لها وعلى المدى القريب والمتوسط نتائجها الإيجابية في التنمية المحلية وفي الممارسة والتسيير التي ستعود على المواطنين بالفائدة والراحة والطمأنينة من خلال التحكم بالقوانين والتوجيهات والتعليمات•