باحثون يؤكدون على أهمية الأرشيف ويتحدثون عن “مصالحة” لكتابة التاريخ “أرشيف الجزائر مصادَر وتاريخها لم يستقل بعد” دعا الباحث سعدي بزيان إلى تكثيف العمل البحثي حول جرائم المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وهي جرائم لا يختلف عليها اثنان. وقال الدكتور سعدي إنه ورغم امتداد جرائم المستعمر إلى ما قبل ثورة نوفمبر إلا أن هناك تقصيرا كبيرا من قِبل المراكز البحث الجزائرية في دراستها وتناولها بشكل دقيق ومفصل. وأوضح الدكتور بزيان أن تعدد مراكز البحث والجامعات في الجزائر لم يخدم التاريخ الجزائري بالشكل الكامل، مشيرا إلى ضرورة أن تؤسس الجزائر لمرحلة كتابة التاريخ بالصور وباللغات المختلفة، وليس فقط بالعربية والفرنسية، لمخاطبة العالم بتاريخ البلاد الغني بالأحداث الهامة والشخصيات التي صنعت أهم الملامح الإنسانية في العالم. واعتبر الباحث أن عدم كتابة تاريخ الثورة الجزائرية يستغله الحركى للترويج لمغالطاتهم عبر المنابر الإعلامية الكبرى، ما يشوش على تاريخ الجزائر. من جهته، أرجع مدير البحث في التاريخ بجامعة باتنة، الباحث يوسف مناصرية، فشل الجزائر في عملية كتابة إلى غياب الوثائق والأرشيف المحجوز لدى فرنسا. وقال الدكتور مناصرية إن أرشيف الثورة الجزائرية لا يزال مستعمرا ومصادرا منذ ستين عاما، لهذا لا يوجد قاموس يضم سيرة الشخصيات التاريخية، وهو ما يحتاج من السلطات الجزائرية بذل أقصى جهد لاسترجاعه أو حتى طباعة نسخ منه وتوفيرها على مستوى مراكز البحث الجزائرية. وقال الباحث من جامعة باتنة إن بعض الشخصيات ترفض منح أو إرجاع أرشيف الجزائر إلى مراكز البحث، وحسبه، يجب وضع قوانين صارمة في عملية التعامل مع المواد الأرشيفية من أجل ضبط عملية كتابة التاريخ وإخراجها من الذاتية. من جهته، اعتبر الرائد عمار ملاح أن ما كتب من مذكرات لا يعكس التاريخ الحقيقي للجزائر، مشيرا إلى أن الجزائر كانت سنة 1967 أمام مشروع كتابة تاريخ الثورة الجزائرية إلا أن النظام، وعلى رأسه الرئيس الراحل هواري بومدين، رفض ذلك المشروع، باعتبار أن “الوقت لم يحن بعد”. كما قال الرائد عمار ملاح إن كتابة تاريخ الثورة أصبح أمرا مستعجلا اليوم لإنقاذ ما تبقى من الحقائق التي يملكها المجاهدون، مشيرا إلى أن تاريخ الثورة الجزائرية لم يكن إيجابيا بشكل كامل، وإنما تضمن سلبيات تحتاج إلى “المصالحة” لكتابتها. صديق الثورة الجزائرية الباحث السويسري نيلس أندرسون ل”الخبر” “الجزائريون هم من يجب عليهم كتابة تاريخهم وليس الفرنسيين” “90 بالمائة من المؤرخين الفرنسيين ينتقدون في كتابتهم فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا” دعا الباحث السويسري وصديق الثورة الجزائرية، نيلس أندرسون، المؤرخين الجزائريين إلى كتابة تاريخ الجزائر وعدم ترك المساحة فقط للكتاب الفرنسيين. وقال أندرسون، ل”الخبر”، إن كتابة تاريخ الجزائر عملية لم تتحرر بعد منذ أن مرت في بداية استقلال الجزائر بمرحلة الكتابة على منهاج عسكري. والباحث ألّف العديد من الكتب عن حقوق الإنسان، منها كتاب عن تاريخ الجزائر بعنوان “دور الشهادات في كتابة التاريخ”، وتحدث في كتابه الصادر عن دار “الأتلنتيك” سنة 2004 عن فجوة التاريخ عبر الشهادات المتضاربة لصناع التاريخ، معتبرا أن مسألة استرجاع الأرشيف من فرنسا عملية شبه مستحيلة حاليا، في ظل الإرادة السياسية الفرنسية التي ترفض الحديث عن جرائم الاستعمار. ما الذي تمثله لك الذكرى ال60 لاندلاع ثورة نوفمبر؟ الجزائر تحيي اليوم الذكرى ال60 لاندلاع ثورة التحرير، والتي هي ليست فقط مناسبة تخص الجزائريين، بل العالم، حيث تلتقي الثورة الجزائرية مع حرب الفيتنام في صناعة أهم معالم تاريخ القرن العشرين، ففي ذلك الزمن لم يكن أحد يتوقع أن تحقق الجزائر استقلالها، ولكن النصر كان لوحدة وعزيمة الشعب الجزائري . كيف تتذكر أحداث 17 أكتوبر 1961؟ في تلك الفترة كنت متواجدا في سويسرا، ولكن كان اهتمامي كبيرا بمناهضة العنف والتعذيب والقمع الذي مارسه المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري. وهناك الكثير من الفرنسيين الذي رفضوا قيام الحرب ضد الجزائر وهاجروا إلى سويسرا والعديد من الدول الأوروبية، وقاموا بمساعدة المناضلين الجزائريين للوصول إلى الاستقلال. الجزائر لا تزال أمام سؤال جوهري هو كتابة التاريخ. لماذا؟ أعتقد أن المشكلة تكمن في أن تاريخ الجزائر أعيد كتابته بطريقة عسكرية بعد الاستقلال. صحيح أن الانتصار لم يكن ليتحقق دون دور جيش التحرير، ولكن الاستقلال هو انتصار الشعب الجزائري بأكمله ومختلف شرائحه، وهذا ما بدأت الجزائر تتحدث عنه في السنوات الأخيرة، حيث أصبح هناك نوع من التغيير في سياسة الجزائر تجاه تاريخ الثورة، وهذا ضروري جدا من خلال الشهادات التي تقدّم والندوات التي تقام للحديث عن ثورة نوفمبر. كما أنني أعتقد بأن هناك ضرورة ملحة لأن يكتب التاريخ من قِبل الجزائريين، لأننا لا نجد الكثير كُتِب من قِبل المؤرخين الفرنسيين، وعندما نقول فرنسيين لا نعني بالضرورة أنهم كانوا مع المستعمِر، بل منهم الكثير من كتب لإيمانه بالقضية الجزائرية وهو يناهض الاستعمار، ورغم ذلك فهم فرنسيون، لديهم وجهة نظرهم الخاصة للأشياء. فمثلا عند الحديث عن دور فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا فبالنسبة ل90 بالمائة من الكتاب الفرنسيين هي أمر سلبي وخطأ لا يجب الدفاع عنه. ففي النهاية هم أمام قضية الدفاع عن انتمائهم ووطنهم أيضا فرنسا، بعيدا عن فكرة مناهضة الاستعمار. بالنسبة لي هذا ليس خطأ سياسيا، لهذا أشدد على أن يكتب الجزائريون تاريخهم. يرجع المؤرخ الجزائري عدم تمكّنه من كتابة تاريخ الثورة إلى صعوبة الحصول على الأرشيف. ما قولكم؟ حتى بالنسبة للمؤرخين الفرنسيين هناك صعوبات وحدود حمراء بالنسبة للأرشيف، خصوصا أرشيف الجيش. يجب أن تتمتع بعلاقات قوية للحصول على الأرشيف. وأعتقد أن هناك إرادة سياسية فرنسية قوية تقف وراء هذا المنع، تحديدا بالنسبة لملف الثورة الجزائرية. لماذا ترفض فرنسا الاعتراف بجرائمها الاستعمارية؟ رفض الاعتراف بالاستعمار وأيضا بحرب التحرير الجزائرية له أبعاد سياسية بحتة. وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى أجيال كاملة كي تعترف فرنسا وتعتذر للجزائريين عن جرائمها. فهذا المطلب الذي لم يتحقق يرجع إلى تورط جميع التيارات السياسية في فرنسا في مسألة قبول فكرة الاستعمار منتصف القرن الماضي. وعندما نقول “التيارات السياسية” نحن نتحدث عن اليسار واليمين على حد سواء، لهذا لا نتوقع أي يقبل أي منهما بإدانة نفسه، على الأقل في الفترة الحالية . الجزائر: حاوره محمد علال شعبان حمودة حفيد العقيد سي الحواس ل”الخبر” “الشاذلي بن جديد سعى إلى تحرير الجزائر من عقدة كتابة تاريخ الثورة” قال الدكتور شعبان حمودة، حفيد الشهيد سي الحواس، إن عملية كتابة التاريخ الجزائري هي من مهام المؤرخين بالدرجة الأولى وليست من مهام السياسيين. وبالنسبة للثورة الجزائرية فقد أرجع الدكتور حمودة الأمر إلى عزوف صنّاع التاريخ عن كتابته لأسباب مختلفة، نظرا للأحداث الأليمة التي أحاطت بالثورة في بعض فصولها. واعتبر حفيد الشهيد سي الحواس أن الجزائر لم تتصالح مع عملية كتابة التاريخ إلا في مرحلة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، الذي فتح الباب أمام النقاشات وإقامة الندوات الفكرية حول تاريخ الجزائر، وقام بإعادة دفن رفات كثير الشهداء منهم سي الحواس. وقد دفعت المرحلة في باتنة إلى تأليف أول كتاب ضخم حول الثورة في منطقة الأوراس ما بين 1956 إلى 1958، وذلك دون الحديث عن مرحلة الثورة منذ الفاتح من نوفمبر 1954 حتى 1956، وذلك لعدة أسباب معظمها سياسية. واعتبر الدكتور شعبان حمودة أن كتابة التاريخ في الجزائر لا تخضع إلى العملية العلمية البحتة، بل كتبت في إطار أهداف معينة فيها رائحة السياسة. وبالنسبة للشهيد سي الحواس، فإن هناك عدم اهتمام بتاريخ هذا البطل، كما أشار نجله إلى أن ما كتب عن سي الحواس مجرد مقالات تعد على الأصابع. وفيما يخص مدى مصداقية المعلومات التي تعرّضت لها الكتابات حول تاريخ سي الحواس، أوضح الدكتور شعبان حمودة أن هناك نقائص ولا يوجد تزييف، مشيرا إلى العديد من المراحل التاريخية الهامة من حياة سي الحواس والتحاقه بالنضال قبل اندلاع ثورة نوفمبر أمور لا تزال مجهولة وغير مسلط الضوء عليها. وتأسف الدكتور حمودة لما كتبته بعض الشخصيات الوطنية الجزائرية في اتجاه معين وليس سرد الحقيقة الكاملة، واعتبر سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين تجاه كتابة التاريخ “خطأ”، لأن من صنعوا التاريخ كانوا أحياء ويتمتعون بذاكرة قوية آنذاك. وأشار الدكتور حمودة إلى أن عائلة سي الحواس ترفض تسييس تاريخ الشهداء، لهذا فهم على إصرار دائم لمنع الكتابة عن شهيدهم البطل خارج العمل الأكاديمي. وأشار الدكتور إلى أن عملية كتابة تاريخ الثورة الجزائرية تصطدم أيضا بإستراتجية العمل السري التي انتهجتها جبهة التحرير. المجاهد محمد غفير المدعو “موح كليشي” ل”الخبر” “إرادة سياسية جزائرية ترفض كتابة تاريخ الثورة” حذّر المجاهد محمد غفير، المعروف باسم “موح كليشي”، من عدم توخي الدقة في كتابة التاريخ، وأرجع عجز الجزائر عن كتابة التاريخ إلى مسؤولية الدولة الجزائرية، محملا الدور الأساسي في عملية كتابة التاريخ إلى وزارة المجاهدين التي تعكس غياب الإرادة السياسية في الجزائر لكتابة التاريخ الحقيقي بكل ما يحمله من سلبيات وإيجابيات. وقال المجاهد محمد غفير إن هناك تزويرا للتاريخ الجزائري في بعض ما كتب وقيل، مشددا على أن تقوم وزارة التربية الوطنية بدورها في خدمة التاريخ الجزائري. وقال المجاهد إن السلطات الحالية تخاف من التاريخ الحقيقي للثورة، مضيفا أن معظم صناع القرار في الجزائر ليسوا من صناع التاريخ، لذا فإن غياب الإرادة السياسية، حسب “موح كليشي”، تجاه هذه القضية راجع إلى مخاوفهم من تسليط الضوء على القادة الحقيقيين للجزائر الذين يعيشون اليوم في الظل. وكشف غفير أن السلطات الحالية تعتبر موضوع الحكومة المؤقتة، مثلا، خطا أحمر يمنع الحديث عنه، وذلك لدورها الكبير في قيادة الجزائر باتجاه الاستقلال والمفاوضات. وقال “موح كليشي” إن الرئيس الراحل هواري بومدين وقف ضد عملية كتابة التاريخ، وكان يقول “إنه لم يحن الوقت لكتابة تاريخ الجزائر”. وحسب المجاهد فإن مسألة رفض كتابة التاريخ لا تزال قائمة في الجزائر اليوم، وهو أمر يجب مراجعته قبل رحيل كل المجاهدين الذي شاركوا في ثورة نوفمبر .