أكد الدكتور تلمساني بن يوسف، أستاذ محاضر بجامعة الجزائر، وعضو المجلس العلمي لمركز الدراسات والبحث في الحركة الوطنية، أمين وطني لاتحاد المؤرخين الجزائريين، على ضرورة مواصلة السلطات، الضغط على فرنسا للحصول ولو على جزء قليل من الأرشيف، والتفاوض معها حول هذا الملف كلما أتيحت الفرصة، وذلك لوضع مختلف الوثائق التاريخية في متناول الباحثين لكتابة التاريخ كتابة موضوعية. وأشار المتحدث في لقاء خص به''المساء''، الى أن تدوين التاريخ الوطني وكتابته من قبل المؤرخين، لا تزال تعترضه صعوبات، خاصة ما تعلق بالأرشيف الوطني الذي تم تهريبه بطريقة غير شرعية من قبل السلطات الفرنسية، التي ترفض تسليمه وتعتبره ملكا لها، حيث يبقى جزء هام من أرشيف الثورة الجزائرية والوثائق الأساسية المتعلقة بالجانب الاقتصادي، الإداري والسياسي، حبيس الأدراج في فرنسا وبعيدا عن المؤرخين والباحثين، الذين يضطرون إلى السفر الى فرنسا من اجل الحصول عليها، ما يمثل مداخيل مربحة للسلطات الفرنسية ''التي كلما تسلم شيئا توظفه سياسيا، كما لم تبد الى حد الآن نية حسنة لتسليم الأرشيف للجزائر. وفي هذا السياق أشار الدكتور تلمساني الى أن السلطات الفرنسية لا تساوي في تعاملها بين الباحثين، كلما تعلق الأمر بالوثائق التاريخية الهامة، حيث تمنعها على الجزائريين وتتيحها لغيرهم من الفرنسيين، ما أدى الى صدور عدة كتب بفرنسا تخص تاريخ الجزائر، وذلك لسهولة حصول المؤرخين على الأرشيف، الذي يبقى بعيد المنال، رغم المساعي التي قامت بها الجزائر من خلال المركز الوطني للأرشيف، ومحاولة الضغط في كل مرة على الطرف الفرنسي، ومشاركتها في المنابر الدولية مثل المؤتمر العالمي للأرشيف، كما لا تزال المساعي متواصلة لجلب الأرشيف، خاصة المتعلق منه بالملفات الخاصة مثل التفجيرات النووية التي أحاطت فرنسا الوثائق المتعلقة بها بالسرية، مقدمة تبريرات غير مقنعة... ويؤكد الباحث أن الكثير من وسائل الضغط استعملت لاسترجاع الأرشيف، منها الندوات التاريخية التي سمحت هي الأخرى بفتح مواضيع تاريخية حساسة للنقاش، على غرار التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، ما مكن من إضافة لبنة من أجل جمع شهادات الذين شاركوا في الثورة، وجعل الملف متداولا، خاصة أن الباحثين الفرنسيين يتجهون أيضا إلى فتح الملف على مستواهم كلما تحرك نظراؤهم بالجزائر. من جهتها، أدت الندوات التي نظمت وتطرقت إليها وسائل الإعلام المختلفة الى الكشف عن الكثير من الحقائق التاريخية، من خلال تسليم المواطنين بعض الوثائق التي لم يكونوا يعرفون أهميتها. وفي هذا الإطار، ذكر المتحدث بأهمية التجربة التونسية في استعادة الأرشيف الوطني، والتي اعتمدت على توقيع اتفاق مع شركة فرنسية خاصة، قامت باقتناء وتصوير الوثائق وبيعها للطرف التونسي، الذي تمكن من الحصول على وثائق هامة ووضعها في دور الأرشيف وبين أيدي المؤرخين التونسيين وحتى الجزائريين الذين يلجأون الى تونس لإثراء مواضيعهم. وفي السياق، أشار الدكتور تلمساني الى أن الجزائر بإمكانها الحصول على جزء هام من الأرشيف، إذا طرحت هذا الملف في الصفقات الاقتصادية، وتضعه جنبا الى جنب مع قضايا البترول والاستثمارات والامتيازات، التي تريد الدوائر الفرنسية الحصول عليها، وكذا طرح هذا الملف في مختلف القمم الثقافية والسياسية والاقتصادية. من جهة أخرى، أكد على أهمية تسريع وتيرة جمع الشهادات الحية من خلال الرواية الشفهية لمن عايشوا الثورة والمجاهدين ''الذين تقدم بهم السن كثيرا، قبل وفاتهم''، خاصة أن الكثير من المواضيع التاريخية التي أنجزت، اعتمد فيها كليا على الشهادات الحية ''التي تأخرنا فيها كثيرا''. وناشد محدثنا المعنيين ضرورة مواصلة عملية جمع الشهادات، والاعتماد على الرواية الشفهية، التي تعتبر حاليا أهم وسيلة في جمع الأرشيف وكتابة التاريخ، خاصة بالنسبة لبعض المواضيع التي تنعدم فيها الوثيقة المكتوبة، ما جعل الباحثين يعتمدون على التسجيلات بالدرجة الأولى لإعداد أعمالهم. وتأسف الأستاذ بجامعة الجزائر، لوجود رصيد من الأرشيف الوطني غير متاح للباحثين لتناوله في مواضيعهم، وأعطى مثالا على الأرشيف المتواجد بالمتحف الوطني للمجاهد، الذي يبقى لحد الآن غير مستغل ''ليس بقرار سياسي أو قانوني، وإنما بسبب اللامبالاة التي تؤخر عملية كتابة التاريخ بموضوعية.