«رفقاء في الظلم فرقاء في الديمقراطية”، ينطبق هذا على شخصيات ما يعرف بهيئة 18 أكتوبر التي تشكلت في أكتوبر 2005 عشية انعقاد قمة المعلوماتية في تونس، وضمت شخصيات يسارية وإسلامية وقضاة مستقلين، أبرزهم حمة الهمامي زعيم حزب العمال اليساري، ونجيب الشابي رئيس الحزب التقدمي، وسمير ديلو القيادي في حركة النهضة، وعبد الرؤوف العيادي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يقوده المنصف المرزوڤي، وأصدرت بيانا يكشف الممارسات البوليسية لنظام بن علي، وشكلت- حينها- الوعاء السياسي الذي استوعب كافة القوى المناهضة للنظام التسلطي، وأسس للحراك الشعبي الذي تجسد في أحداث الحوض المنجمي عام 2008، ثم أحداث سيدي بوزيد في ديسمبر 2010، والتي أنهت نظام الرئيس بن علي. في رئاسيات تونس.. يمثّل هذه الجبهة في الانتخابات الرئاسية المرشحون الرئيس منصف المرزوڤي وحمة الهمامي وأحمد نجيب الشابي، لا تتقارب أفكارهم السياسية، لكن كل منهم نال “نصيبه” بالعدل من ظلم الرئيس بن علي؛ أمر شكل جزءا من خطابهم الانتخابي، الذي يحذّرون فيه التونسيين من إجهاض الثورة ومنح فرصة للنظام السابق للعودة إلى السلطة. الرئيس المترشح منصف المرزوڤي، الذي “أكلت” الخيبات الاجتماعية والاقتصادية وعثرات المرحلة الانتقالية من رصيده السياسي، يقدّم نفسه ممثلا للقوى الثورية وللثورة، قال أمس إن التونسيين أمام خيارين: صناعة التاريخ مجددا، وإما أن يكونوا ضحايا دورة التاريخ نفسه. على الجانب الآخر من المشهد: جبهة 7 نوفمبر، والتي يحسب ضمنها “فلول” النظام السابق وكوادر حزب التجمع البائد، والشخصيات السياسية التي عملت مع الرئيس بن علي. حزب “نداء تونس” الذي يقوده المرشح الأبرز باجي ڤايد السبسي يعتبره خصومه “جزءا من منظومة النظام السابق” الساعية للعودة من بوابة الانتخابات، خاصة وأن عددا من قيادات الصف الأول في الحزب عملت إلى جانب الرئيس بن علي، والسبسي نفسه كان رئيسا لمجلس النواب في عهد زين العابدين بن علي. أكثر من ذلك يعتقد الكثير من التونسيين أن اللعبة السياسية باتت مكشوفة، من قبل قوى الثورة المضادة التي تستغل طموح السبسي للرئاسة، برغم سنه المتقدم (88 سنة)، للدفع به كواجهة تعمل عبرها على استعادة زمام الأمور والسيطرة مجددا على مقاليد الحكم، عبر الدفع بالباجي ڤايد السبسي إلى واجهة الحكم، كما يدرج في هذه الجبهة وزير خارجية الرئيس المخلوع، كمال مرجان، الذي يطمح في دخول قصر قرطاج، ومالك قناة “حنبعل” العربي نصرة، الذي كان أحد المروّجين لسياسات بن علي. وبين الجبهتين جبهتان، جبهة الإعلام الذي نجح المال السياسي في تطويع جزء منه، واستدراجه وتحويله إلى ماكنة للدعاية ضد مرشحي جبهة 18 أكتوبر، وخاصة المرشحين المرزوڤي والهمامي ونجيب الشابي، فالأول تعرّض لحملة تشويه كبيرة، دفعته إلى مواجهة هذا الإعلام، ووصفه ب«إعلام العار”، فيما تعرض الهمامي لمغالطات وتشويه قاس لم تسلم منها عائلته، حيث أثير لغط بشأن زواج ابنته من إسرائيلي، تبيّن لاحقا أنه شاب جزائري ليس إلا، وهو ما دفع الهمامي إلى التعهد في حالة وصوله إلى الرئاسة “بتطهير الإعلام من قوى الثورة المضادة”، فإدارة الرأي العام جزء من المعركة السياسية التي أخفقت قوى الثورة في كسبها، في مواجهة حكومة الظل والمال. الجبهة أخرى تقف على أعتابها المؤسسة العسكرية المحبطة من صراعات السياسيين في تونس.. حظ العسكر في تونس تعب وتعيس دائما، فالمؤسسة التي وجدت نفسها منذ الاستقلال على هامش صناعة القرار السياسي بفعل “تغوّل” المؤسسة الأمنية، وجدت نفسها مجددا تحت ظروف أخرى في مواجهة التطرف والجماعات الإرهابية التي حاولت كسر مسار الانتقال الديمقراطي، وأنتجت حالة من التصادم مع منجزات الثورة، وتسعى للتشويش على الاستحقاق الرئاسي. وحدها حركة “النهضة” التي حاولت أن تنأى بنفسها عن الصدام المحموم في الانتخابات الرئاسية، لكن قرارها النأي بالنفس دفع بها خلافا إلى قلب المشهد السياسي، تعيش تدافعا في المواقف داخلها، دعوة أمينها العام السابق، حمادي الجبالي، مناضلي الحركة إلى عدم التصويت على ڤايد السبسي وموقف عبد اللطيف المكي، اعتبرته الحركة خروجا عن قرار مؤسسات الحركة، وتشويشا على موقفها، ومع ذلك لا يعتبر المتحدث باسم حركة النهضة، زياد العذاري، هذا الموقف انقساما داخل الحركة ويضعه في خانة المواقف الشخصية التي لا تلزم الحركة. ويدافع زياد العذاري بقوة عن المنجزات السياسية التي حققتها تونس خلال فترة حكم “النهضة”، فبالنسبة إليه فإن إنجاز دستور توافقي هو الأكثر تقدمية في المنطقة العربية، والتوافق على هيئة عليا مستقلة للانتخابات، وهيئة عليا مستقلة للقضاء، والهيئة المستقلة للإعلام والهيئات الخاصة بالعدالة الانتقالية ورصد التعذيب، كلها مكاسب تضمن الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. أمس، قررت الحكومة التونسية غلق الحدود مع لييبا كإجراء احترازي ضمن حزمة تدابير أمنية، وبعد يومين تفتح تونس أبوابها لحدود المستقبل، فالبلد الصغير الذي يقف على طرف المستحيل بصدد استكمال آخر حلقة في الانتقال الديمقراطي، وإنقاذ شرف أول ثورة في ربيع العرب المحموم. المرزوڤي يصدر “ننتصر أو ننتصر” والسبسي يكتب عن البورڤيبية والهمامي يدافع عن المرأة الاشتراكية كتاب بكتاب وفكرة بفكرة.. صراع المرشحين في رفوف المكتبات المشهد الأجمل في تونس ليس تلك النقاشات الساخنة في الشارع بين فرقاء المشهد السياسي، لكن الأجمل أيضا أن صراع المنابر السياسية بين المرشحين لانتخابات الرئاسة في تونس انتقل إلى رفوف المكتبات أيضا.. كل مرشح استعرض تصوراته لتونس الجديدة، ومنطلقاته الفكرية أو تجربته السياسية في كتاب. والنقاشات السياسية التي تشهدها تونس في الفترة الأخيرة ترجمها السياسيون إلى مؤلفات، لا تعطي إشارة ايجابية على هذا الحراك السياسي، لكنها تؤشر أيضا على الرغبة في مخاطبة العقل السياسي. أبرز المرشحين للرئاسة الباجي ڤايد السبسي أصدر كتابا بعنوان “الحبيب بورڤيبة.. المهم والأهم”.. لم يكن الكتاب في صفحاته مجرد مذكرات رجل سياسي يستعيد أوراق التاريخ من معايشته لبورڤيبة، ويستعرض فيه تجربته ولقاءاته مع كبار الزعماء، وجهوده لأجل تونس في مراحل عصيبة في تاريخها، لكنه في الحقيقة محاولة من السبسي إيقاظ- في التونسيين- الحنين إلى البورڤيبية، واستعادة وهج المدرسة السياسية التي أسس لها الزعيم التونسي الراحل بكل منجزاتها الثقافية والسياسية، ويؤكد قدرته على إنجاز المستقبل بالشكل الأفضل للتونسيين بناءا على هكذا تجربة سياسية يتمتع بها. ويصبّ الكتاب من رصيد السبسي السياسي إلى رصيده الانتخابي، عشية الانتخابات الرئاسية. لكن البورڤيبية التي يحنّ إليها السبسي تلقى في كتاب الرئيس المترشح محمد المنصف المرزوڤي “ننتصر أو ننتصر، من أجل الربيع العربي” الكثير من النقد، فالمرزوڤي الذي لم يمنعه منصب الرئاسة عن الكتابة مجددا، يعتقد في كتابه الذي اتخذ من عنوانه شعار حملته الانتخابية “ننتصر أو ننتصر” أن الصراعات الوهمية التي كانت تحكم المشهد السياسي في أكثر من بلد عربي بين الإسلاميين والديمقراطيين والعلمانيين هي صراعات وهمية، استغلتها الأنظمة السابقة، برأيه، فإن حقيقة الصراع هي في الواقع بين نظام الاستبداد والقمع في مواجهة الحريات المدنية، وهي صراع بين التسلط والتغوّل الاجتماعي والاقتصادي والفقر، ولذلك يرافع المرزوڤي في كتابه لصالح تحالف بين العقلانيين في مختلف التيارات السياسية من أجل وضع قواعد للدولة المدنية ومواجهة التغوّل والاستبداد. وليس من باب الترف السياسي أن يترشح الكاتب الكبير الصافي سعيد، صاحب المؤلفات الغزيرة، والصحفي الذي التقى عددا من زعماء العالم، فالرجل وجد في تجربته الثرية عاملا مساعدا في الترشح.. كتابه “كيف نصنع المستقبل” يؤكد أن الرجل يحمل قدرا كبيرا من فهم الواقع المجتمعي والتحولات الداخلية والإقليمية. وفي صفحات هذا الكتاب يقدّم الصافي سعيد وجهة نظره في كيفية صناعة مستقبل تونس كبلد صغير وعلى طرف الخريطة، وتحويل الرصيد التاريخي لأول بلد يصيغ دستورا في الوطن العربي عام 1861، إلى عامل استقطاب فكري واقتصادي. ما يلفت في الكتاب تصور عن إمكانية استغلال وتحويل دبلوماسية بلد صغير كتونس إلى آلية اقتصادية تتيح توفير منجزات اجتماعية للتونسيين. رئيس المجلس التأسيسي المنتهية عهدته مصطفى بن جعفر والمرشح للرئاسة أصدر كتابا بعنوان “الطريق الطويل إلى الديمقراطية”، وهو عبارة عن حوار مطول رصد فيه تجربته السياسية ومعايشته للتحولات التي شهدتها تونس، والظروف التي أتاحت نشوء نظام الاستبداد. ويقدّم بن جعفر في هذا الكتاب تصوراته عن كيفية منع عودة نظام الاستبداد. ويعتقد مصطفى بن جعفر أن وضع المشهد السياسي في حالة استقطاب، وتقسيمه إلى قطبين سياسيين، سيمثل الفوهة الأولى لاستبداد أحد الطرفين، ويفرض تحفز قوى المجتمع المدني. ولا يكلّ رئيس حزب العمال حمة الهمامي عن الكتابة أيضا.. عشية الانتخابات الرئاسية يطرح الهمامي كتابه “الاشتراكية والمرأة اليوم”. في الكتاب كثير من وفاء الرجل والتزامه بأفكاره وقناعاته الاشتراكية، لكن الكتاب يؤشر على هاجس يشغل بال الهمامي منذ فترة، ويتعلق بتأثيرات التحولات السياسية الراهنة على وضع المرأة في تونس في اتجاهين: اتجاه الحد من حرياتها بفعل أفكاره المتلاطمة مع التطرف، أو إخراجها من صلب النقاش المجتمعي، ولذلك يرافع الهمامي في كتابه عن جدية وحتمية مشاركة المرأة في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويطرح تصور الفكر الاشتراكي للمرأة. المرشح للرئاسة محرز بوصيان أصدر كتابا بعنوان “رؤيتي لتونس” ضمّنه فلسفته السياسية التي يبني عليها تصوّره لتونس الجديدة. يعتقد بوصيان أن الفقر والتهميش هما أبرز الأمراض المجتمعية التي يمكن أن تؤدي إلى خلخلة المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، وتسهم في نشوء الحكم الفردي. ويرى بوصيان أن التنمية لن يكون لها معنى دون مرافقتها بإصلاح جدي للتعليم والمدرسة. تفرّق المرشحون كل إلى سبيل لإقناع الناخبين.. شيء من الخصومة السياسية تكاد تمنع بعضهم من الجلوس إلى الآخر، بسبب حدة التصادم السياسي، لكنهم تجمعوا على رفوف المكتبات في تونس.. كتاب بكتاب، وفكرة بفكرة، وطرح بطرح وصفحة بصفحة، مشهد هو الأجمل في تونس، والأكثر تعبيرا عن قدرة التونسيين على الإبداع مجددا. الباجي ڤايد السبسي.. حاضن الطاهر الزبيري الذي أغضب بومدين في عام 1967 كان ڤايد السبسي أكثر الأسماء المتداولة في دواليب الحكم في الجزائر، فعندما فشل الطاهر الزبيري كرئيس الجيش في محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس بومدين عام 1967، اجتاز الحدود البرية إلى تونس، هناك استقبله باجي ڤايد السبسي الذي كان وزيرا للداخلية، حيث أمّن له السبسي مكانا للإقامة ومبلغا من المال وسمح له بالسفر إلى سويسرا. وقد أغضب ذلك بومدين كثيرا، لكن السبسي ظل أكثر المعتقدين بحاجة تونس إلى الجزائر ك«شقيقة كبرى”. حنق الرئيس الراحل هواري بومدين بسبب ذلك كثيرا على بورڤيبة ووزير داخليته السبسي، لكن الأخير نقل توضيحات من بورڤيبة إلى بومدين. كان أكثر الموفدين الذين يرسلهم الرئيس بورڤيبة إلى الجزائر عندما يتعلق الأمر بالملفات السياسية والأمنية، فقد كان الرجل يتمتع بقدرة على التفاوض، نشأته في عائلة ارستقراطية ودراسته المحاماة في باريس سمحا له بذلك. أشرف على جهاز الأمن عام 1962، وعيّن وزيرا للداخلية عام 1965، وعيّن وزيرا للخارجية عام 1986، قبل أن يصبح رئيسا لمجلس النواب عام 1990، انسحب بعدها من المشهد السياسي، لكنه عاد بعد الثورة ليترأس الحكومة حتى انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، وأنشأ بعد خروجه من الحكومة حزب “نداء تونس” الذي انخرطت فيه بعض وجوه النظام السابق، وتوفر له “لوبي” مالي قوي، ولم يمنع السن المتقدم ل«العجوز السياسي”، 88 سنة (من مواليد 1926)، من الحلم بالوصول إلى قصر قرطاج والطموح إلى الرئاسة الأحد المقبل. حمة الهمامي.. صهر الجزائر المكافح على جبهتين الهمامي.. وريث ماركس والمؤمن حتى النهايات بأفكاره، لم تتعدل قناعاته الفكرية اليسارية التي بنى عليها مشروعه السياسي، بالمصلحات العتيقة نفسها التي كانت تشكل أدبيات الأحزاب اليسارية والشيوعية، منذ عام 1970. بدأ الهمامي نشاطه الطلابي في معارضة الرئيس الراحل بورڤيبة، كان عضوا في منظمة “آفاق العامل التونسي” ذات التوجهات اللينينية، وهي التوجهات نفسها التي مازال الهمامي يعتمدها في خطاباته اليوم. للهمامي قصة علاقة سياسية مع الجزائر، عبر علاقته مع قيادات حزب “الباكس” (حزب الطليعة الاشتراكية) كالصادق هجرس، وحزب “التحدي” لاحقا بقيادة الهاشمي شريف، لكن علاقته مع الجزائر باتت علاقة عائلية، فقد تزوجت ابنته من شاب جزائري، لكن هذا الزواج أثار جدلا كبيرا في الصحافة التونسية، التي استندت إلى معلومات خاطئة وذكرت أن زوج ابنة القيادي اليساري هو شاب جزائري ملتحي وسلفي، لكن الواقع لم يكن كذلك تماما. يحمل الهمامي، المتزوج من رئيسة رابطة مناهضة التعذيب راضية نصراوي، على عاتقه الدفاع عن هموم الفلاحين والطبقات الكادحة في تونس، فهو مازال ذلك الشيوعي المتمسك بأفكار اليسار في صورتها الأولى، لم تدفعه المتغيرات المتسارعة في المجتمعات إلى تغيير أفكاره أو مراجعتها. ومنذ سقوط زين العابدين بن علي، يقاتل الهمامي على جبهتين: جبهة ضد الثورة المضادة التي تسعى إلى التسلل مجددا إلى السلطة، خاصة وأنه كان أبرز ضحايا مرحلة القمع والترهيب، وظل حتى يوم هروب الرئيس المخلوع بن علي في قبو أسفل مقرات وزارة الداخلية، وضد جبهة ما يعتبرهم “دعاة الفكر الظلامي” المستورد والتدخلات الخليجية في الشؤون الداخلية لتونس. نجيب الشابي.. اللاجئ الذي احتضنته الجزائر بين نجيب الشابي والجزائر قصة “لجوء”، هو من أبرز الوجوه القيادية في الحركة الطلابية المعارضة في تونس. فرّ نجيب الشابي من تونس إلى الجزائر بعد ملاحقته من قبل الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورڤيبة إلى الجزائر، ووجد في الأخيرة ملاذا احتمى فيها لفترة. ففي عام 1968 انقطع نجيب الشابي عن الدراسة بعدما اعتقله البوليس السياسي بسبب نشاطه السياسي وحكم عليه ب11 سنة سجناً قضى منها سنتان. وبعد خروجه من السجن ظل ملاحقا من قبل البوليس، فقرر التوجه إلى الجزائر التي تحصل فيها على اللجوء السياسي، ردا على قبول تونس بلجوء الطاهر الزبيري عام 1967. وفي الجزائر أتم السنة الثانية في دراسة الحقوق بنجاح سنة 1971، لكن الشابي انتقل إلى فرنسا لاحقا، وعاد سرا إلى تونس عام 1977، حيث نشط في تأسيس خلايا البعث العربي، قبل أن يحصل على اعتماد لحزبه الاشتراكي التقدمي، لكن ذلك لم يمنعه من التعرض للمضايقات السياسية، خاصة في عهد الرئيس بن علي، ما دفعه إلى إعلان المواجهة السياسية مع الرئيس بن علي عام 1991. شارك عام 2005 في صياغة بيان 18 أكتوبر، وخاض إضرابا عن الطعام إلى جانب سبعة مناضلين من توجهات سياسية مختلفة لمدة شهر تزامنا مع القمة العالمية للمعلومات، احتجاجا على التضييق على الحريات. بعد الثورة شارك في الحكومة، وحرص نجيب الشابي على حضور جنازة الرئيس الراحل أحمد بن بلة، فقد كان يعتبر الرجل ملهمه السياسي. المرزوڤي.. تلميذ مانديلا الذي كرّمه الشاذلي في عام 1989 حصل الدكتور محمد المنصف المرزوڤي على جائزة المؤتمر الطبي العربي من الجزائر. كان الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد هو من سلّم هذه الجائزة للمرزوڤي، تقديرا لجهوده في خدمة الطب. وحاز المرزوڤي على هذه الجائزة مناصفة مع رفيقه الحقوقي الجزائري يوسف فتح اللّه، الذي آلمه اغتياله في الجزائر في التسعينيات. لكن للجزائر قصة أخرى مع المناضل المنصف المرزوڤي، فقد كانت الصحافة الجزائرية، ممثلة في جريدتي “الخبر” و«الوطن”، الوحيدة التي وصلت إليه في بيته عام 2000. ومازال المرزوڤي يحفظ للصحافة الجزائرية مناصرة قضيته في عز ملاحقته من قبل بوليس زين العابدين بن علي. ترأس المرزوڤي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في التسعينيات، وكان على صلة وثيقة بالناشطين الحقوقيين في الجزائر، من أمثال الراحل يوسف فتح اللّه وعلي يحيى عبد النور وغيرهما، لكن الملاحقة البوليسية اشتدت ضده عندما طالب بفتح ملفات التعذيب في السجون، واعتقل بسبب نشاطه الحقوقي عام 1994، وأودع زنزانة انفرادية، لكن الزعيم مانديلا أطلق حملة دولية للمطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما تم فعلا، لكنه ظل تحت الإقامة الجبرية في بيته. ويعتقد أن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لعب دورا في الضغط على الرئيس بن علي لإطلاق سراحه، وبرغم ذلك ظل الرجل يؤمن أن المقاومة السلمية الأسلوب الأفضل لإحداث التغيير السياسي، استلهم ذلك من معلمه الأول “غاندي”، لكنه تشبع أيضا بأفكار الزعيم نيلسون مانديلا. في عام 2001 غادر المرزوڤي إلى فرنسا، ومنها خاض قتالا سياسيا ضد نظام بن علي وقمع الحريات في تونس، وألّف أكثر من عشرة كتب في الطب والديمقراطية. وفي 2006 أعلن عزمه العودة إلى تونس دون موافقة نظام بن علي، لكنه منع من ذلك، وظل في المنفى حيث دعا التونسيين إلى المقاومة السلمية. لعب دورا كبيرا في تدويل أحداث الحوض المنجمي في ڤفصة عام 2008، والتي كانت الأحداث المؤسسة لثورة جانفي 2011. وفي نوفمبر 2011 أصبح المرزوڤي رئيسا لتونس، بعد انتخابه في المجلس التأسيسي. لكن تلميذ الزعيم مانديلا لم يكتف كمعلمه بنصف عهدة رئاسية، وأعلن ترشحه لانتخابات الأحد المقبل.