رفض صالح لغرور الطرح الذي فضّله محمد عباس في كتابه “نصر بلا ثمن”، حينما أرجع إعدام شيحاني بشير من قبل عجول وعباس لغرور، للصراع على السلطة بين “جماعة باتنة” التي كان يتزعمها عمر بن بولعيد، عقب استشهاد شقيقه مصطفى، من جهة، و”جماعة خنشلة” بزعامة عباس لغرور وعاجل عجول من جهة أخرى، موضحا بأنه لم يعثر لدى المؤرخين على أي كلام عن وجود جماعة اسمها “جماعة خنشلة” ولا جماعة “باتنة”. كما انتقد لغرور استنتاجات الباحث محمد زروال في كتابه “النمامشة في الثورة”، وأعاب عليه تقديم معلومات بخصوص ذات القضية دون ذكر المصادر التي استند إليها، وهو ما اعتبره بمثابة طريقة غير صحيحة لكتابة التاريخ. وقال ضيف “الخبر” إنه حان الوقت لتجنب كل الأحكام القاسية التي تم الترويج لها بخصوص قادة الولاية الأولى، بما في ذلك تسمية “المشوشين”، مفضلا إطلاق تسمية المعارضين على هؤلاء الذين رفضوا قرارات مؤتمر الصومام، لذلك فضّل العودة لما كتبه المؤرخ الإنجليزي “أليستر هورن” الذي أرجع أسباب الخلاف بين شيحاني من جهة، وعجول ولغرور من جهة ثانية، إلى أخطاء إستراتيجية ارتكبها شيحاني أدت إلى قيام الجيش الفرنسي بمحاصرة مركزه بمنطقة “الجرف”، ورفضه العمل بتوصية عجول ولغرور اللذين طلبا منه فتح ثغرة والانسحاب. وحسب المؤرخ الإنجليزي، فإن شيحاني فقد كثيرا من حراسه المقربين، إضافة إلى وثائق مهمة على شكل رسائل من أحمد بن بلة، شكلت مرجعية أساسية للمكتب الثاني الفرنسي. عباس لغرور لم يلتحق بالثورة طمعا في السلطة وحسب صالح لغرور، فإن شقيقه عباس لم يكن من أنصار الاستيلاء على قيادة الولاية، ولم يكن أبدا رجل مناورات أو عصبة ولم يكن ينتمي لا لجماعة خنشلة ولا للسوافة ولا للقبائل وكانت عصبته الوحيدة هي “الجزائر ذات السيادة”، بدليل أن لغرور اختير لقيادة الولاية بعد مقتل شيحاني، لكنه رفض واقترح اختيار عاجل عجول. واستنادا إلى محمد العربي مداسي وكتابه “مغربلو الرمال”، فإن لغرور يكون قد صرح “لم ألتحق بالثورة طمعا في السلطة”، وأنه اعترف بقيادة شيحاني على المنطقة قبل ذلك، بعد استشهاد بن بولعيد. كما انتقد صالح لغرور مواقف أنصار مؤتمر الصومام من الولاية الأولى، الذين لم يحضروا إلى “ايفري”، موضحا أن لجنة التنسيق والتنفيذ التي انبثقت عن المؤتمر قررت أن ترسل إلى الأوراس النمامشة لجنة من قيادات مهمة تمثلت في ثلاثة قادة ولايات، وهم زيغوت يوسف، ومزهودي من الولاية الثانية، وسي الشريف من الولاية السادسة، واوعمران ممثلا للولاية الرابعة، وعميروش ممثلا للولاية الثالثة، ولأسباب مجهولة، يضيف صالح لغرور، لم يذهب في هذه المهمة سوى الرائد عميروش الذي لم يكن حينها قائد ولاية. وبالعودة إلى تصريحات الجنرال بن معلم، فإن مؤتمر الصومام اختار فعلا قيادة موسعة، لينتهي الأمر عند الرائد عميروش دون غيره. وتساءل صالح لغرور في كتابه، لماذا ركز المجتمعون في الصومام على الولاية الأولى، خلال المؤتمر؟ ولماذا توجه عميروش لوحده إلى هناك؟ وهل كان عميروش يملك الكفاءة اللازمة لإنجاز هذه المهمة؟ وانتقد صالح لغرور مواقف عميروش الذي كان يميل لجماعة دون أخرى، ما أدى به إلى الانحراف عن مغزى مهمته. ثم تساءل هل تمكن عميروش من نقل قرارات الصومام إلى الأوراس النمامشة؟ هل نجح في حمل السلم والوفاق مثلما نصت عليه مهمته؟ وأوضح بأن المهمة عقدت أوضاع الولاية الأولى، وتسببت في فرار عجول والتحاقة بالعدو. ويكشف صالح لغرور استنادا إلى التقرير الذي أعدّه مجاهدو خنشلة يوم 22 سبتمبر 1984 بخصوص المرحلة ما بين 1956 و1958، أن قادة الثورة في الأوراس عقدوا مؤتمرا لتنسيق الجهود بين مختلف المناطق بواد جديدة عند نهاية سنة 1956، وتقرر توحيد القوات وإيجاد تنظيم جديد لمختلف القوى، وتحقيق المصالحة بين مختلف قادة المناطق التابعة للأوراس النمامشة. وفي هذه الفترة بالذات، وصل عميروش حاملا معه قرارات مؤتمر الصومام. وحسب التقرير ذاته، فإن عميروش همّش عباس لغرور، بينما كان هذا الأخير قد توجه إلى تونس بغية تحقيق مصالحة فعلية بين الأطراف المتصارعة، وأن هذه الخلافات تعاظمت بسبب قرارات الصومام، وأن لغرور توجه إلى تونس للقاء قادة الثورة، ومعرفة رأيهم بشأن تعارض قرارات الصومام مع بيان أول نوفمبر، دون أن تكون له نوايا أخرى. وذكر ضيف “الخبر” أن شقيقه لغرور أراد الحفاظ على روح نوفمبر، وهو في مهمته بتونس. وتظهر مواقفه وكأنها شكل من أشكال المعارضة داخل الثورة، ولم تكن تهدف أبدا إلى التمرد. من أفشل لقاء المصالحة في “ماتيلد فيل؟” وقال المتحدث ذاته: “كان عباس لغرور يسعى إلى وضع حد للخلافات بمنطقته دون تدخل عناصر دخيلة لتفادي المأساة”، علما أن تلك المرحلة عرفت صراعات بين زمرتين في تونس، زمرة تابعة لأنصار مؤتمر الصومام بقيادة آيت احسن، وزمرة ظلت موالية لأحمد بن بلة بزعامة عبد الحي الذي توصل إلى سجن آيت أحسن. وهنا أورد صالح لغرور شهادة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الذي كلف من قبل عبان بضرورة التنقل إلى تونس لمتابعة ما يجري، والنظر في الخلافات التي نشبت بين الطرفين. واستنادا للدكتور طالب الذي التقى عباس لغرور، فإن هذا الأخير يكون قد صرّح أنه مستعد لإطلاق سراح آيت حسن، لو يطلب منه بن بلة ذلك. لكن صالح لغرور لا يتفق مع فكرة “السلطة الشرعية” التي استعملها الدكتور طالب، التي يكون على رأسها عبان رمضان، فتساءل “من هي السلطة الشرعية للجزائر العاصمة التي يتحدث عنها أحمد طالب؟ من هو الشرعي، محساس وعبد الحي ألم يكونا شرعيين؟ ألا يحق لهما اعتبار آيت حسن، وقايد مولود، وروابحية حامد كوافدين جدد؟”. ويتساءل مرة أخرى: “ولماذا لم يقم عبان بتكليف أحمد طالب بإخبار بن بلة وعباس لغرور بأن مؤتمرا للثورة سينعقد يوم 20 أوت؟ علما أن مهمة أحمد طالب في تونس جرت في شهر جويلية، مضيفا “ألا توجد هنا نية لإبعاد بن بلة والمنطقة الأولى؟”. وأكد صالح لغرور على رغبة شقيقه في تحقيق المصالحة بين قادة الولاية الأولى وهو في تونس، وهو ما أكده عبد الرزاق بوحارة وأرزقي باسطا في مذكرتهما، موضحا بأن أطرافا أخرى كانت تنظر إليه بعين الشك، في الوقت الذي انفجرت صراعات عميقة بين أنصار الصومام والمتمسكين ببيان أول نوفمبر، متسائلا في الوقت نفسه عمن يكون الطرف الذي دبر محاولة إفشال اجتماع المصالحة الذي حضره عباس لغرور في تونس بالمكان المسمى “ماتيلد فيل”. عباس لغرور لم يكن رجل مؤامرات اعتبر صالح لغرور أن شقيقه كان ينتمي إلى جيل الحركة الوطنية ولم يكن يتصرف وفق تصورات قبلية، بل وفق وعي وطني كان يمليه عليه فكر حزب الشعب، الذي كان يعارض أي سلوكيات جهوية. وقال: “عباس لغرور لم يكن رجل مؤامرات، ولا مناورات. لو كان يرغب في محاكمة أي كان، فإنه صاحب شجاعة لمواجهته مباشرة. لقد وجد نفسه في خضم مواقف حربية معقدة، فواجهها دون اللجوء للمؤامرة”. أصرّ صالح لغرور على تناول الجوانب الإنسانية في شخصية شقيقه الشهيد، استنادا لشهادات عدد من المجاهدين الذين عرفوه عن قرب، على غرار محمد العربي مداسي وعثمان سعدي بن الحاج. وقال صالح لغرور، استنادا إلى شهادة المجاهد عثمان سعدي بن الحاج، إن لجنة التنسيق والتنفيذ أصدرت أوامر للقادة المتواجدين في تونس بعدم العودة بوحداتهم القتالية إلى الداخل والبقاء في تونس، لكن لغرور ولزهاري شريط تمسكا بفكرة الالتحاق بالمجاهدين في الداخل للاستمرار في العمل المسلح، وأثناء تواجدهما على الحدود، أصدرت لجنة التنسيق أوامر بإلقاء القبض عليهما. ويضيف سعدي بن الحاج أن عباس لغرور استجاب للقرار، وفضّل الامتثال أمام القيادة، فوجد نفسه رفقة لزهر شريط في السجن، فتمت محاكمتهما وحكم عليهما بالإعدام بتهمة إعدام شيحاني بشير، وقال بشأن هذا الحكم: “أعتقد أن قسوة ظروف الثورة هي التي دفعت عباس لغرور وعجول للتصرف وفق هذا المنحى، ففي العام 1955 لم تكن الثورة تملك قيادة موحدة حتى يتم إرسال شيحاني إليها من أجل المحاكمة، حتى وإن اتهم بشيء معين”، مضيفا: “إن محاكمة عباس لغرور بشكل رجعي في قضية شيحاني، عبارة عن محاكمة غير معقولة، فالمناطق سنة 1955 كانت مستقلة، وبالتالي فإن كل منطقة كانت تتصرف بمفردها”، معتبرا أن عباس لغرور سقط “ضحية صراعات على السلطة”. وختم قائلا: “عباس لغرور لم يتمرد أبدا على السلطة، بدليل أنه صرح قائلا: أنا ابن النظام الثوري، والنظام هو من يحاكمني. فسلم نفسه وكان يتصور أنه سيدافع عن نفسه”.