يدخل الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة في حرب ضروس مع العالم وخاصة مع العالم العربي الذي حطمه تحطيما رهيبا وعلى كل المستويات البنيوية منها والإنسانية كذلك، فبعد تحطيم العراق عدة مرات وبعد اجتياح سوريا وزعزعة مصر وتكسير ليبيا والسطو على تونس، يبقى الغرب الذي نظم وكوّن وموّل كل هذه “الثورات الخبيثة” بدءا بالجزائر في بداية التسعينيات، مدهوشا ومبهوتا أمام تعنت التاريخ الذي لا يعرف إلا نسقه الخاص، فإذا كانت الأحداث التاريخية لا توجد معزولة عن بعضها البعض، بل ضمن كتلة كلية تندمج فيها جميعها كنسق من العناصر والعلاقات والصلات والصراعات، فإن على تفسيرها أن يتم على مستوى الكل الذي يشكل جزءا منه (كنسق دائما) وهذا ما جعل المدافعين عن فكرة التاريخ كنسق متكامل ومتكاتل، في صراع وصدام مع كل نزعة عكسية أي كل نزعة ترى التاريخ علاوة عن أجزاء وعوامل متفرقة لا ربط بينها، إن كعناصر معزولة أو تنظر إلى الكلية التي تشكل كل جزء منها كجمع من الوحدات المتجانسة أو كتجميع لوحدات منغلقة على ذاتها. وهذا ما لا يفهمه الغرب الغاشم اليوم لأنه لا يرى إلا مقياسا واحدا لتحليل التاريخ الذي يحاول تحويله نحو مصالحه الخاصة والمادية والانتهازية، أساسا، لا أكثر ولا فقط، لكن هذا الغرب الحربي والمحارب، العدواني والمريض، يعيش انفصاما رهيبا، لأنه يصرح أنه يدافع عن السلم العالمي عندما “يضطر” إلى استعمال القوة والعنف و”القنبلة”، وهو لا يؤمن أبدا بهذا الاتجاه الأخلاقي والإنساني رغم أنه يكثف من الدعاية الكاذبة والموجهة خاصة لشعوبه ولشعوب العالم. وقد وصل في هذه الفترة الانفصام الغربي إلى مستوى خطير جدا، إذ استفاق أخيرا أنه وهو يخرّب العالم، يمرن شبابه ومواطنيه على “السفاكة” من قتل وذبح وتعذيب، فجعل من هؤلاء الأشخاص الغربيين متعصبين من الطراز الرهيب يذبحون أبناء جلدتهم وقد ارتدوا زي أبو غرايب البرتقاليǃǃ وهنا يتورم الخبث والمرض والانفصام النفسي الذي يعيشه الغرب بكل استغراب وبكل سذاجة فيطرح هذا السؤال: “لماذا ينخرط شبابنا في العصابات الإسلامية المتعصبة والهمجية والمتوحشة؟ لماذا؟ والجواب بسيط جدا: إن المجتمعات الغربية وخاصة المجتمع الأمريكي أصبحت مجتمعات مريضة لا تهتم إلا بالمادة والمال والانتهازية وغيرها من الأمراض النفسية والعقلية. كذلك يذكّرنا سياق الكلام، مقولة جورج بوش الثاني عندما صرح أمام الملأ في حصة تلفزيونية مشهورة: “لماذا يكرهنا الناس؟ لماذا يكرهنا العالم بأسره؟”. ومن وجهة نظر البلدان العظمى المقاتلة والتي تريد تصفية التاريخ والدنيا، يصبح التاريخ هامشيا نوعا ما وقانونيا بالنسبة لعوامل أخرى، في نقيضه مثلا عن التزامن والتعاقب اللذين يكوّنان نمطين لا يمكن اختزالهما نظرا للظواهر الأنتروبولوجية والاجتماعية والنفسية وحتى الكلامية (مرض الثرثرة عند الحكام بصفة عامة) منها في التطابق مع اقترانها أو تعاقبها في الزمن، ففي الحالة الأولى يجري الاهتمام بالعلاقات بين الظواهر المعطاة مع استبعاد كل فكرة عن التغيير أو التطور، وفي الحالة الثانية تدرس التحولات التي لا تمس بالتاريخ كنسق متكامل الأطراف، مغلوق على نفسه ومكتف بمنطقه الداخلي دون أن يستغل أي معطيات خارجة عنه. لكن –أساسا- الرموز هي التي تعطي النكهة الإنسانية للتاريخ، أي: -العداوة الإسلامية التي اقتحمت الشباب الغربي. -دهشة جورج بوش عندما فهم “أن العالم يكره أمريكاǃ”