لم يتعرض منصب سياسي للسخرية والدعابة مثل منصب نائب الرئيس في أميركا. أيام كان ليندون جونسون في هذا الموقع، قال إنه مليء بالرحلات حول العالم ورئاسة اللجان الفارغة واللاشيء. ليس للرجل ما يفعله في الإدارة سوى الانتظار: إما أن ينتظر نهاية ولاية رئيسه فيرشح نفسه، كما فعل جورج بوش الأب، وإما أن ينتظر مقتله فيحل محله، كما حدث مع جونسون نفسه بعد اغتيال جون كيندي، وإما أن ينتظر استقالته، كما حدث مع ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. الاستثناء الوحيد كان في رئاسة جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني. الأخير كان هو الحاكم الحقيقي. حتى ذبح الصحافي الأميركي ستيفن سوتلوف، كان باراك أوباما يتصرف مثل نائبه جو بايدن. لا صلاحيات ولا قرار وجولات حول العالم، كما قال جونسون. صور بلا حدود. طالع إلى هليكوبتر، نازل من ”بوينغ”. وخلفه ميشيل وابنتهما، وخلف الجميع حكايات لم تظهر بعد. لكن أحداث العالم لا صبر لها على انتظار أن ينتبه الرئيس الأميركي إلى أنه انتُخب رئيسًا وليس نائبًا لنفسه. ومن أسوأ الأشياء أن يبدو الرئيس مخيفًا. لكن الأسوأ منها بكثير أن يبدو خائفًا. ثم هناك ما هو أكثر سوءًا: أن يُعلن رئيس أميركي شيئًا اليوم وعكسه غدًا ونقيضهما بعد غد. أوباما درس في نتائج الضعف والتردد. وفوقهما سوء الخيار. وأحيانا، سوء التصرف كما حدث عندما خاطب رئيس جمهورية مصر بالقول ”عليك أن ترحل، وأن تفعل ذلك الآن”. صحيح أن مصريين رفعوا الشعار قبله، لكن هؤلاء شركاء في البيت المصري. لكن أي رئيس آخر هو غريب حتى لو كان رئيس أميركا. ويزيد الأمر عبثًا وصبيانية أن حسني مبارك كان مضيف باراك أوباما عندما قرر أن يخاطب سلام الشرق الأوسط من القاهرة. سوف يُصدر أوباما في نهاية الولاية كتابًا يُبرر فيه كل شيء. حتى جورج بوش الابن بدا ملمعًا في مذكراته ويستحق العطف والتفهم. لكن التاريخ لا يقرأ المذكرات ولا يعترف بها. التاريخ لا يقرأ سوى التاريخ: أين نجح الرئيس وأين أخفق. ولماذا اختار نوري المالكي لكي يمثله في ”دولة القانون” و”المنطقة الخضراء”، وكم مرة عض على شفته السفلى وهو يرى ما يحدث في العراق وفي سوريا وفي أوكرانيا وفي ليبيا، حيث كان التحدي الأكبر هو تحدي ترهُّل أميركا في اللحاق بالمتغيرات الكبرى في العالم. بلاد الغرب تنقلب. وبلاد القرم تنقلب. وبلاد الأفغان تنقلب. وهو ضائع بين الخطوط الحمر، ويضيع معه وزير خارجية يبحث عن أي إنجاز في أي مكان: في رام الله. في جنيف. في موسكو. في جنيف2. في كييف. في أي مكان. وإذا بنا نكتشف من مقال لديفيد إغناتيوس أن حتى سفارات أميركا حول العالم تبحث عن سفراء. كما لو أن أميركا بلد مشتت يبحث عن رئيس مثل لبنان. والأرجح أنها عثرت أخيرًا على رئيس. سوف ينتقل أوباما إلى البيت الأبيض.