انطلقت، مؤخرا، بمختلف قرى برج بوعريريج، عملية جني الزيتون، ككل موسم، تتجه فيه العائلات بكل أفرادها، رجالا ونساء، أطفالا وشبانا، مصطحبة معها مؤونة اليوم، باتجاه بساتين أشجار الزيتون، في جو يمتزج فيه الفرح بالمعاناة، كثيرا ما يتحول فيه دخول الشوك في الأصابع أو سقوط أحد أفراد العائلة إلى مصدر مزاح وتهكم، يضفي على جو العمل المرهق لحظات من المرح، قبل أن يجتمع أفراد العائلة عند منتصف النهار حول النار الموقدة بحطب الزيتون اليابس، وموائد “الشليطة” (وجبة بالفلفل) أو الكسرة والزيت، بينما يفرض الشباب القادم من المدن الوجبات الباردة، ليهون كل ذلك بعد تأمل المحصول داخل الأكياس على ظهور الأحمرة. موسم للتعارف.. الزواج والمصاهرة يقول الشيخ أحمد: في العقد السادس من عمره: مبتسما: “هنا زوجت ثلاثا من بناتي”، مضيفا “في الحقول خلال عملية جني الزيتون، تتبادل العائلات في الحقول المجاورة الأغراض، فيمتد ذلك إلى التعارف والالتفاف حول وجبة الغداء الطبيعية، لتنتهي بإعجاب أمّ بإحدى الفتيات فتخطبها لابنها”. .. وفرصة لصلة الرحم الحاجة سعدية بلكنتها القبائلية وبعفويتها، تدخلت مسترجعة ذكريات الماضي من أنها منذ سنتين التقت بابن أخيها خلال موسم جني الزيتون، بعد أكثر من 20 سنة، كون شقيقها انتقل للإقامة في وهران، فأنسته السنون القرية وأهله، ولم يعد إليها إلا بعد ثلاثة عقود “عاد وحيدا في البداية لرفض أفراد أسرته مرافقته، لكنهم حضروا هذا الموسم إلى القرية وها هم يشاركوننا هذا العرس”. حرارة الدردشة حركت الرغبة الجماعية لعدد من الحضور في استعراض معارفهم في الزيتون وأنواعه وفوائده، واجتمع الكل، رغم الجدال الحاد الذي يصل حد الصراخ أحيانا، على أن شجرة الزيتون ثروة، وزيت الزيتون فضلا على كونه أساسا لكل الأطباق، دواء ومصدر رزق للعديد من العائلات بقرى ومداشر الولاية التي تعتمد على منتوجه للاستهلاك وللحصول على المال. بينما أكد الجميع اختلاف نوعية زيت هذه الشجرة المباركة التي تعمّر قرنا أو أكثر في أعالي الجبال، وكذا لونه باختلاف التربة والمناخ ونوع الزيتون (الشملال) أو (الجراز) وكيفيات العصر وموعده. فبعد الانتهاء من عملية الجني يقوم البعض ب”نشر” المنتوج وتجفيفه حتى شهر مارس، لتخليصه من الأكسدة، بينما يقوم البعض الآخر بتوجيهه مباشرة إلى المعاصر، ليتم عصره. وتجدر الإشارة إلى أن هناك من يفضلون المعاصر التقليدية على الحديثة، لكونها تضفي نكهة خاصة على المنتوج، رغم ندرتها في ظل انتشار المعاصر الحديثة التي توفر الجهد والوقت وبمردود أحسن قد يصل 23 لترا بدل 12 في القنطار. ويسمى العصير الأول للزيتون (أمورج) في حين يطلق على الثاني اسم (أشميال). ويجتمع الرجال في المعاصر عند انطلاق عمليات العصر لأكل المطلوع ساخنا بعد غمسه في الزيت داخل الأحواض، بينما تحضر النساء أكلة “الغرايف” المدهونة بالزيت، ليبقى جني الزيتون الذي يحتل أكثر من ثلث المساحة المخصصة للنشاط الفلاحي في المنطقة، رمزا للعائلات هناك منذ القرن 18 قبل الميلاد ومصدر معظم دخلها.