تجد العشرات من النساء الحوامل اللواتي تضطرهن ظروفهن الاجتماعية المزرية إلى طرق أبواب المؤسسة العمومية الاستشفائية سليمان عميرات للولادة الكائنة بمدينة المسيلة، المفترض أنها مشفى عمومي يضمن مجانية العلاج والولادة، تجدن أنفسهن مخيرات بين دفع مبالغ لا تقل عن ثلاثة ملايين سنتيم أو حملهن على التوجه نحو العيادات الخاصة. بالرغم من تلقي وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عبد المالك بوضياف عقب زيارته للولاية أواخر السنة المنصرمة تقريرا مفصلا بخصوص هذا الواقع المؤسف من قِبل إحدى البرلمانيات، إلا أنه اكتفى بالقول إنه لم تصله شكاوى تتعلق بقيام أطباء خواص بإجراء عمليات بمقابل مالي في مؤسسة عمومية، وزاد على ذلك أن أشاد بالدور الذي يقوم به أطباء تربطهم اتفاقيات في إطار سد العجز في هذه المؤسسات، وهو الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة صك وقّعه الرجل الأول في القطاع على بياض، جعل هؤلاء الأطباء يتمادون في تحويل مشفى عمومي على غرار سليمان عميرات للولادة إلى ملكية خاصة، معتبرين تصريح الوزير بمثابة تفويض للإثراء على حساب الآلاف من النساء الحوامل من الشرائح الأكثر فقرا، في وقت كان الأجدر، حسب المستغربين من الأمر، فتح تحقيق في القضية على الأقل من باب العمل بمقولة “لا دخان بلا نار”. كيف تتم عملية تحديد السعر وأين؟ قد يصعب على البعض تصديق ذلك، وقد ينفي البعض الآخر وجود أمر من هذا القبيل في مشفى عمومي تحرسه عديد الضوابط والمعايير المعمول بها، على عكس تلك السائدة في العيادات الخاصة، كما قد يذهب البعض إلى القول إن المسؤول عن ذلك هو من يدفع ولا يشتكي، وقد وقد.. ولكن بالمقابل أين المسؤولون عن القطاع محليا والذين ظلوا على صمتهم ولم يحركوا ساكنا بالرغم من إقدام نائبة برلمانية عقب زيارة الوزير إلى المؤسسة المذكورة على مكاشفة طالبت فيها هذا الأخير بفتح تحقيق في قضية قيام أطباء وطبيات خواص يعملون بالتعاقد مع المؤسسة ذاتها في إطار اتفاقيات مدفوعة الأجر من أجل ضمان التواجد مرة أو مرتين في الأسبوع لإجراء عمليات ولادة عادية وقيصرية في ظل العجز الحاصل في الأطباء المختصين، لكنهم سرعان ما اغتنموا الحاجة إليهم لإحكام قبضتهم على المؤسسة والتصرف فيها وفق منظورهم الخاص، من خلال إرغام مرضى هذه الأخيرة على الدفع أو الطرد، بتواطؤ من ممرضات يعملن بالمؤسسة. العملية ببساطة تبدأ وتنتهي عند ممرضات يقمن كلما حضرت مناوبة إحدى الأطباء، وفق جدول أسبوعي موزع على عدد من المختصين الخواص، بإرغام النساء الحوامل الموجودين بالمؤسسة على انتظار وصول موعد الوضع على الخروج لاستشارة اختصاصي يتم تحديده بالاسم، علما أن مسألة فحصهن لا تتطلب ذلك، باعتبار أن هناك طبيبات عامات يداومن بالمؤسسة ومن صلاحياتهن استدعاء طبيب اختصاصي إذا كان الأمر يتطلب ذلك، فيما عدا ذلك فالأمور من المفروض أن تسير بصفة عادية. وعملية الخروج إلى العيادة الخاصة ليست لأي شيء سوى للفصل في السعر والدفع المسبق، وإلا فقد تتعرض الرافضات منهن لعدم التدخل، وهو ما تقبله أكثر الحوامل لحاجتهن أمام ألم الوضع وغيره، وخوفا من مضاعفات قد تحدث بعد ذلك. “الخبر” وقفت على عينة لامرأة خيّرت بين الدفع أو الطرد سمحت إحدى الشكاوى التي تلقتها “الخبر” من قِبل والد فتاة حامل بالوقوف على مهزلة من هذا النوع، عندما أرغمت إحدى الممرضات أهل هذه الأخيرة بعد مكوث يومين على سرير بهذه المؤسسة تحصلت عليه ب«وساطة”، على الخروج صباحا باتجاه إحدى المختصات لفحصها هناك، وهو ما جعلها تتعرض لمفاصلة من نوع خاص، حيث طلبت منها هذه الأخيرة مبلغ ثلاثة ملايين سنتيم، باعتبارها بحاجة لتدخل جراحي بحكم صعوبة ولادتها بطريقة عادية، وهو ما جعل أهلها يضطرون لدفع المبلغ، قبل أن تتدخل “الخبر” لدى مدير المؤسسة الذي تدخل هو بدوره لدى الطبيبة وطلب منها إرجاع المبلغ وهو ما كان، غير أن الطبيبة قامت بزبارة المريضة وأعلمتها أنها ليست بحاجة لتدخل جراحي وأن عملية وضعها سوف تتم بطريقة عادية على أقصى تقدير في اليوم الموالي، كرد فعل على دخول “الخبر” على الخط، وهو ما استدعى من المدير التدخل مرة أخرى للتوسط لدى الطبيبة لإجراء المطلوب منها، قبل أن يسارع إلى الاتصال ب«الخبر” لإعلان البشرى بأن الفتاة ومولودها في صحة جيدة. التحقيق لم يتوقف هنا، بل جرت عملية مكاشفة قام بها المدير في مكتبه بحضور إحدى الممرضات لمواجهة شخص من أهل الفتاة، والتي أقرت أن الطبيبة بعد يومين من عملية الوضع طالبتها باسترداد المبلغ من أهل الفتاة وإلا “لن يحصل معها طيب”، ما اضطر المدير للمرة الثالثة إلى الاتصال بالطبيبة وطالبها بإعادة المبلغ مرة أخرى وهو ما تم بعد ذلك، ولم يتسنى للمدير غير القول لأهل الفتاة إن الأمر يتعلق بآفات وأنه من حسن الحظ أن “الخبر” تقوم بمساعدتنا لمحاربتها ووضع حد لبعضها! نافيا أن تكون قد وصلته شكاوى من هذا النوع إلى مكتبه من قِبل أهالي حوامل قبل اليوم. مدير المؤسسة: “الظاهرة موجودة ولم تصلني شكاوى والحل في استقدام بعثة طبية” مدير المؤسسة، عمار بلبول، الذي أكد لنا أن هذه الممارسات موجودة، وسمع عنها، لكن لم تصله أي شكوى من قِبل أهالي الحوامل اللاتي يقصدن العيادة للولادة أو للفحص، فما باليد حيلة كما أشار، ما دامت ناصيتنا بأيدي هؤلاء الأطباء، مؤكدا، في السياق ذاته، أن مؤسسته تنتظر قدوم بعثة طبية “ليس يهم جنسيتها، المهم أن من شأن ذلك القضاء على ممارسات من هذا النوع، وسوف تجد المؤسسة أريحية في التعامل مع الحالات التي ترد إليها”، بعثة قال عنها إنها تشكل بارقة أمل في المستقبل القريب لحل معضلة العجز في تخصص طب النساء والتوليد الذي ما فتأ، حسبه، يشكّل حجر الزاوية في سبيل تحسين الخدمة بهذا المرفق العمومي. مدير الصحة والسكان: “نرتقب وصول بعثة من كوبا وبعدها لكل حادث حديث” في اتصال بمدير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات لولاية المسيلة، قلفن لزهر، اعترف أن هناك عجزا واضحا في هذا النوع من التخصصات الطبية، ولحسن الحظ، كما أشار، استفادت الولاية مؤخرا من ثلاث طبيبات مختصات في طب النساء التوليد سوف يباشرن عملهن في أقرب الآجال، “ونأمل في وصول بعثة طبية من كوبا كذلك”، وهنا على حد قول المسؤول الأول عن قطاع الصحة بالولاية، يمكن التخلص نهائيا من هذا الصداع، قاصدا بذلك كل أشكال المساعدة في إطار اتفاقيات مع الأطباء الخواص. وزير الصحة يحمّل المرضى المسؤولية ويثني على الأطباء! لم يتوان وزير الصحة، عبد المالك بوضياف، في أعقاب زيارة العمل والتفقد التي قادته نهاية السنة المنصرمة إلى المسيلة، في تبرئة ساحة المئات من الأطباء من تهمة استغلال مستشفيات القطاع العمومي لإجراء عمليات جراحية بمقابل مالي، وقال إن صمت المواطن وقبوله بمبدأ المفاصلة في الثمن يكون وراء المساهمة في تفشي هذه الظاهرة، “التي لم تصلني شكاوى بخصوصها لحد الآن”. واعتبر المسؤول الأول عن صحة المواطن في الجزائر أن الأجدر توجيه الثناء لهؤلاء الأطباء، الذين يبذلون جهودا مضنية للمساهمة في سد العجز الحاصل على مستوى القطاع العمومي بقبولهم إمضاء اتفاقيات مساعدة في إطار العمليات التعاقدية مع مديرية الصحة تقضي بضمان المداومة الطبية والجراحية أسبوعيا، “وهو ما قلل من نسب تحويل المرضى باتجاه مشافي ولايات أخرى وقلص كذلك من نسبة الوفيات لدى النساء الحوامل إلى مستويات قياسية”، مرجعا الفضل في التكفل بأزيد من 15 ألف حالة ولادة خلال السنة الجارية بالمسيلة إلى هذه الكوادر الطبية! تصريح الوزير هذا اعتبره البعض بمثابة تشكيك واضح وصريح في عشرات الشكاوى التي أمطر بها مواطنون ومرضى عبد المالك بوضياف، حيث وضعوا أمامه جردا تفصيليا للوضع الذي يعيشه مستشفى الولادة سليمان عميرات بالمسيلة، والذي لم يعد عموميا إلا بالاسم، بعد وقوعه تحت سطوة بعض الأطباء المختصين في أمراض النساء والتوليد، الذين استغلوا الحاجة إليهم في إطار التعاقد لإجراء عمليات جراحية بمقابل مالي في أيام المداومة الخاصة بهم لحوامل في الغالب يتابعن في عياداتهم الخاصة. وفي الوقت الذي كان ينتظر من الوزير إصدار أمر بفتح تحقيق عاجل في حيثيات القضية والوقوف على دعوى أصحاب الشكوى من واقع على الأقل تكريس المثل القائل “لا دخان من غير نار”، خصوصا أن كل ظروف الوصول إلى الحقيقة متاحة، إذا ما تم العودة إلى جداول مناوبات هؤلاء الأطباء وأسماء المريضات المسجلات في عياداتهم الخاصة، والتي هي نفسها التي لها حظوة إجراء العمليات الجراحية نظير مقابل مالي في العيادة المذكورة التي تجد فيها الحوامل أنفسهن بين مطرقة الدفع أو التحويل نحو العيادات الخاصة بحجة عدم وجود طبيب مختص، ما يضطر العديد من الحالات إلى الرضوخ للأمر الواقع. هذا دون التطرق إلى ممارسات أخرى كثيرة تحدث من وراء أسوار هذه المؤسسة التابعة للدولة، والتي يأتي التواطؤ فيها من كل جانب، بدءا من الوصاية التي تغضّ الطرف منذ مدة عن ممارسات من هذا النوع، وزادها تصريح الوزير وصك موقع على بياض منحه أمام الجميع وفي جلسة عمل علنية لأطباء من هذا القبيل قال عنهم إنهم يتعبون كثيرا ولا بد من عدم تعكير نفسياتهم بكلام لا يستند إلى دليل! وفي رأي الوزير مادام أن الشكوى لم تصله وما دام أن المواطن لا يتحرك فليس منوطا به هو، مع أنه ملزم بذلك، صلاحية تحريك دعوى حتى لو كانت من أجل إزالة الشكوك.