تعتبر البروفيسور فتيحة غاشي، أو كما يحلو لصغار مرضى السرطان بمركز بيار وماري كوري أن يدعوها “ماما غاشي”، أول من سعى لإنشاء قسم خاص بالأطفال المصابين بالسرطان للمركز ذاته، بعد أن كان يتم وضعهم بغرفة مع البالغين أين يقفوا على معاناتهم ويعيشوا معهم مضاعفات الداء، بل وحتى يحضروا لحظات احتضار وموت بعضهم، وهو ما أثر حينها على نفسياتهم أيما تأثير، وكان ذلك بداية الألفيات، حينما كانت البروفيسور غاشي تتولى معالجة هؤلاء الأطفال، وهي المختصة في علاج أورام السرطان بمركز بيار وماري كوري منذ سنة 1999، وكانت تتألم كثيرا لوضع صغار المرضى وتواجدهم مع الكبار محرومين من فضاء خاص بهم، خاصة بعدما سافرت سنة 2000 لإجراء تربص بمعهد “كوري” المختص في علاج السرطان بباريس، لتكتشف حينها الوسط الاستشفائي الرائع الذي وفّر لصغار مرضى السرطان هنالك، ما جعل فكرة إنشاء قسم مماثل لأطفالنا تراودها، رغم أنهم اقترحوا عليها البقاء بفرنسا ومزاولة مهامها كطبيبة مختصة في أورام الأطفال، لكنها فضلت العودة والسعي لتحقيق مبتغاها، وكانت الفرصة في 2003 حينما تبرع لاعب كرة القدم زين الدين زيدان بمبلغ مالي لأطفال مرضى السرطان بالجزائر، وهي الهبة التي وجهت لتجهيز قسم بأحد أركان مركز بيار وماري كوري بالجزائر العاصمة، أطلق عليه وحدة أورام السرطان للأطفال، أشرفت عليها غاشي التي عينت منذ 2004 أستاذة رئيسة قسم أنكولوجيا الأطفال بمركز بيار وماري كوري، لتتولى منذ ذلك الوقت ورفقة فريق طبي نشيط، خلق تخصصات علاج للتكفل بالأطفال القادمين من مختلف أنحاء الوطن، فقد تم وضع جمعيات طبية جمعت مختلف المختصين في أورام الأعصاب، والأورام الصلبة، وأورام الأعين والعظام، وأورام الكلى وكذا أورام الأنسجة الرخوة، ويتم حاليا التكفل ب400 حالة طفل مصاب، منها 200 حالة جديدة تصل المركز سنويا. ويبقى أن نشير إلى أن “ماما غاشي”، ورغم مرور سنوات طويلة على معالجتها لكثير من أطفال الجزائر من داء السرطان، وتماثلهم للشفاء التام، لم ينقطع الحبر السرّي بينها وبين هؤلاء الذين يحرصون على التواصل معها من مختلف أنحاء الوطن، وكذا من كندا وأمريكا، وقالت لنا “لديّ أبناء أطباء ومهندسون في الخارج يتصلون بي على الدوام.. وأنا فخورة بهم”.