تطالعنا وسائل الإعلام المتنوعة يوميًا عن محاولات انتحار من شباب وشابات، شيوخ وأطفال.. وإن تزايد نسبة هذه الحوادث في مجتمعنا يدعو إلى القلق والخوف؛ ما يستوجب دراسة هذه الظاهرة، أسبابها، دوافعها، خطورتها وسبل الحد منها. هناك عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية كثيرة قد تدفع بالإنسان الجاهل إلى الانتحار، كضعف الوازع الديني وعدم اكتمال الإيمان في النفس البشرية، إذ أن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدا للإنسان أنه سيئ أو غير مرضِ، والرغبة في الفرار من هول المصائب والمحن والابتلاءات الدنيوية، والجهل والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس. والمشاكل الأُسرية واحترام الذات، كالصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وتعرض الطفل للضرب والإيذاء، أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر، أو الإهمال للطفل وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرض المراهق للنقد المستمر، أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره، بالإضافة إلى الفشل، كالفشل في سداد الالتزامات المالية، أو التعرض للخسائر، أو الفشل العاطفي أو الدراسي أو الاجتماعي أو المهني؛ كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها أحد الأسباب الرئيسية المؤدية للانتحار، ناهيك عن الشعور بالذنب أو الوَحدة، وبسبب عدم القُدرة على توجيه العقاب للآخرين، فيوجه العقوبة لذاته، وتكثُر هذه الحالة عند المراهقين وغير الناضجين فكريا أو المضطربين نفسيا. ومن بين هذه العوامل المشاكل الصحية الخطيرة، والاضطرابات النفسية والعقلية، والتي تظهر غالبًا عبر سنوات العمر نتيجة التعرض لصدمات ومشاكل كالقلق وتوهم المرض والهستيريا والخوف (الفوبيا) والوسواس القهري والفِصام والاكتئاب، والانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر، وهذا الأمر قد دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ؛ لما فيه من ضياع الهُوية واستلابها. أما موقف الإسلام من الانتحار، فإنه يعد هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، يتعرض فاعله للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة. قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}. وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”مَن قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُما، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا”. وعنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار”. وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عُذب به يوم القيامة”. يجب على المسلم أن يَعلم أن الانتحار فيه تسخط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر، وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها، وإنما ملك لله الذي خلقها وهيأها لعبادته سبحانه، وحرم إزهاقها بغير حق، فليس لك أدنى تصرف فيها، وكذلك في الانتحار ضَعف إيمان المنتحر؛ لعدم تسليم المنتحر أمرَه لله وشكواه إلى الله. أما علاج هذه الظاهرة فيكون بالعودة إلى الدين فهو أفضل وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء، كما أن العودة للدين الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقِيَمنا. الدعاء واللجوء إلى الله؛ فالإنسان ضعيف بذاته قوي بربه، والمسلم سعيد بدينه ومنهجه ومتمسك بربه وكله أمل فيما له عند الله، محافظ على بدنه وأعضائه. وبقيام المؤسسات التربوية بدورها من أجل إعلاء منظومة القيم الإسلامية العالية؛ فهي تضبط الفرد وتُوجه فكره وسلوكه إلى ما يعود عليه بالخير، وتُحفزه إلى الارتقاء بنفسه وتحقيق إنسانيته، وزيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد المجتمع، عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية، لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها، وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة على الفرد أو المجتمع. ومن وسائل علاجها إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس، لأن الله تعالى حرم اليأس المؤدي إلى الانتحار، وندد باليائسين واعتبره قرين الكفر، فقال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، مع تفهم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار، ومِن ثَم العمل على مَد يد العون لهم، ومساعدتهم في حلها، وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله.