إذا أعطت الوالدة ذهبًا لابنتها، فهل تجب الزكاة فيه إذا حال عليه الحول؟ حُليّ المرأة المستعمَل والمتَّخَذ للزّينة لا زكاة فيه، وإن بلغ النِّصاب وحال عليه الحَول، وهذا هو مذهب الجمهور أحمد ومالك والشافعي، وهو مروي عن خمسة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّهم يقولون: لا زكاة في حليّ النّساء، واختار هذا القول ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأدلّتهم على ما ذهبوا إليه ما ثبت في الصّحيحين من حديث أبي سعيد أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتَى النّساء فوعظهنّ وقال: “تصدّقْنَ ولو مِن حُليّكنّ” أخرجه البخاري ومسلم، مثل قوله: “اتّقوا النّار ولو بشقّ ثمرة”، إذ لو كانت واجبة لقال: “أدّوا زكاة حليّكنّ” فدلّ على أنّها لو تصدّقت بأثاثها أو ملابسها لأجزأها. والصّحابة الّذين ذهبوا إلى أنّه لا زكاة في الحُليّ المستَعمَل هم عمر رضي الله عنه وأنس رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها وغيرهم، فعبد الله بن عمر كان يحلّي بناته الذهب ولا يخرج زكاته، وعائشة رضي الله عنها وليَتْ أمر بنات أخيها عبد الرّحمن بن أبي بكر ولم تزكِّ ما كان عليها من حليّ. والله أعلَم. ما حكم ذهاب النّساء مع الرّجال إلى المقبرة من أجل الصّلاة على الميّت؟ لقد ورد النّهي عن اتّباع النّساء للجنائز، فعن أمّ عطيّة قالت: “نُهينا عن اتّباع الجنائز ولم يُعزَم علينا” أخرجه البخاري ومسلم. لكن يجوز للنّساء الصّلاة على الجنازة إذا توافق وجودهنّ حيث يُصلَّى عليها. أمّا زيارة النّساء للمقابر فقال أكثر أهل العلم بالجواز إذا أمنت الفتنة ولم تُكثر من ذلك، لدخول النّساء في عموم قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “فزوروها فإنّها تُذكِّر الآخرة”، وقد صحّ في الحديث زيارة النّساء للقبور في حياته، فقد روى مسلم وغيره أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: “كيف أقول يا رسول الله إذا زُرتُ القبور؟ قال: “قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين وإنّ إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية”. وروى البخاري أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بامرأة وهي تبكي عند قبر، فقال: “اتّقي الله واصبري”، فقالت له وهي لا تعرفه: إليك عنّي –ولم يُنكِر عليها الزّيارة-، ولمّا علمَت أنّه رسول الله جاءته واعتذَرت ولم تعرفه حين نهاها، وثبت أنّ عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرّحمن رضي الله عنه. قال العلامة القرطبي رحمه الله: “اللّعن المذكور في حديث “لَعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّارات القبور”، إنّما هو للمكثرات من الزّيارة، لما تقتضيه الصّيغة من المبالغة، ولعلّ السبب ما يفضي إليه من تضييع حقّ الزّواج والتبرّج، وما ينشأ من الصِّياح، ونحو ذلك، وقد يُقال: إذا أمِن جميع ذلك، فلا مانع من الإذن لهنّ، لأنّ تذّكر الموت يحتاج إليه الرّجال والنّساء”، قال الشوكاني: “وهذا الكلام هو الّذي ينبغي اعتماده”. والله أعلم.