لقد ورد النّهي عن اتباع النّساء للجنائز، فعن أمّ عطيّة قالت: ”نُهينا عن اتّباع الجنائز ولم يُعزَم علينا” أخرجه البخاري ومسلم. لكن يجوز للنّساء الصّلاة على الجنازة إذا توافق وجودهنّ حيث يُصلَّى عليها. أمّا زيارة النّساء للمقابر فقال أكثر أهل العلم بالجواز إذا أمنت الفتنة ولم تُكثر من ذلك، لدخول النّساء في عموم قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”فزوروها فإنّها تُذكِّر الآخرة”، وقد صحّ في الحديث زيارة النّساء للقبور في حياته، فقد روى مسلم وغيره أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: كيف أقول يا رسول الله إذا زُرتُ القبور؟ قال: ”قولي: السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين وإنّ إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية”. وروى البخاري أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مَرَّ بامرأة وهي تبكي عند قبر، فقال: ”اتّقي الله واصبري”، فقالت له وهي لا تعرفه: إليك عنّي –ولم يُنكِر عليها الزّيارة-، ولمّا علمَت أنّه رسول الله جاءته واعتذَرت ولم تعرفه حين نهاها. وثبت أنّ عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرّحمن رضي الله عنه. قال العلامة القرطبي رحمه الله: اللّعن المذكور في حديث ”لَعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّارات القبور”، إنّما هو للمكثرات من الزّيارة، لما تقتضيه الصّيغة من المبالغة، ولعلّ السبب ما يفضي إليه من تضييع حقّ الزّواج، والتبرّج، وما ينشأ من الصِّياح، ونحو ذلك، وقد يُقال: إذا أمِن جميع ذلك، فلا مانع من الإذن لهنّ، لأنّ تذّكر الموت يحتاج إليه الرّجال والنّساء. وقال الشوكاني: وهذا الكلام هو الّذي ينبغي اعتماده. والله أعلم.