إذا أردنا أن نعرف ماضي أمة، فعلينا أن نقرأ تاريخها، ولكن إذا أردنا أن نعرف مستقبل أمة فعلينا أن ننظر إلى حال شبابها!، فإن كانوا في أفكارهم وأعمالهم ومبادئهم وسلوكهم وطموحهم وآمالهم وأمورهم في غالبهم على خير وفي الاتجاه الصحيح فلتهنأ الأمّة بهم.. لكن إن تعلّقت هممهم بسفاسف الأمور، وشابت أفكارهم الشوائب، وتزعزعت مبادئهم واهتزت، وانحرف سلوكهم وفسد، وصغر طموحهم، وتضاءلت آمالهم، فسيكون مستقبلهم ومستقبل أمتهم مهدّدًا، وسلوكهم دروب التاريخ صعبا، وتقدّمهم في مصاف الأمم والدول عسيرا. وفي هذا المعنى يقول الإمام الهمام البشير الإبراهيمي رحمه الله: “الشباب في كلّ أمّة هم الدم الجديد الضامن لحياتها واستمرار وجودها، وهم الامتداد الصحيح لتاريخها، وهم الورثة الحافظون لمآثرها، وهم المصحّحون لأغلاطها وأوضاعها المنحرفة، وهم الحاملون لخصائصها إلى من بعدهم من الأجيال”. ولهذا وجدنا القرآن يربط بين الإيمان بالرسالات التي تحمل أفكار الإصلاح والتي تغيّر حياة الناس وبين الشباب، فهم وقود كلّ فكرة، ووقود كلّ إصلاح، ووقود كلّ تغيير، ووقود كلّ نهضة، يقول الله عزّ وجلّ: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، فهم فتية أي شباب. ويقول الحقّ عزّ شأنه: “فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِين”، فهم ذرية أي شباب. ويقول الحقّ عزّ من قائل: “قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ”، فهو فتى أيّ أنّه كان شابا عليه السلام. وهكذا نجد الصحابة رضوان الله عليهم الذين آمنوا بدعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا شبابا فتيانا لا تتجاوز أعمار أكابرهم سنّ الأربعين -وهنا لا بأس أن أنبّه إلى الخطأ الذي يقع فيه منتجو الدراما التاريخية المتعلقة بزمن النبوة أو الصحابة، حيث يصوّرون الصحابة رضوان الله عليهم دائما في صورة شيوخ تامي الهيبة، فهذا خطأ شنيع مخالف للواقع كلية- بل كثير منهم لم تتجاوز أعمارهم حين أسلموا سنّ العشرين!. ومن هنا كان للبرامج الموجّهة للشباب أهمية بالغة، فهي في الحقيقة لا تؤثر في واقعهم فقط، بل في واقع الأمة ومستقبلها، ومن الأسف أن نجد البرامج والخطط المتعلقة بالشباب في غالبها -إن لم تكن كلّها- متعلقة باللهو والترفيه وسفاسف الأمور، فإن خرجت من الرياضة لم تغادر الرقص والغناء!. وحتى برامج اكتشاف المواهب لا تفارق اكتشاف مواهب الأقدام، ومواهب الخصور والأرداف، ومواهب الأصوات!، وكأنّ الشباب العربي والمسلم لا مواهب له إلّا في أرجله وأردافه وحناجره!، أمّا عقولهم فلا يمكنها أن تبدع أفكارا ومخترعات إلّا إذا هاجروا وراء البحار!، وكأنّ أكثر ما تفتقر له الأمة العربية الإسلامية وأكثر ما تفتقده ما تبدعه الأقدام وما تبدعه الأرداف وما تبدعه الحناجر!. وهذا بلا ريب توجّه خاطئ، وآثاره ستكون وخيمة على مستقبل الأمة. ولا بدّ أن يصحح ويقوّم حتى لا تهدر طاقات الأمة فيما لا ينفعها لا يعود عليها بالمضرة، ولا بدّ لشبابنا وشاباتنا الانتباه إلى ما يحاك حولهم ويراد لهم، وعليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم كاملة، ويعرفوا واجباتهم وأولوياتهم.. فممّا لا شكّ فيه أن مستقبلهم في بلادهم، وهم وحدهم صانعوه، ولا يمكن لغيرهم أن يقوم مقامهم ويؤدّي دورهم، ولا يعقل أن يغرقوا هم في بحار اللهو والترفيه ويهملوا واجباتهم ويضيّعوا أعمارهم ويفرّطوا في مسؤولياتهم، ويقوم غيرهم –مهما كان هذا الغير!- بكلّ ذلك بدلا عنهم!. يقول الإمام المجدّد حسن البنا رحمه الله: “إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب، لأنّ أساس الإيمان القلب الذكيّ، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القويّ، وأساس العمل العزم الفتيّ، وهذه كلها لا تكون إلّا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما وحديثا في كلّ أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سرّ قوتها، وفي كلّ فكرة حامل رايتها: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}، ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم. ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقّها كاملا من هذا الشباب”.