أثارت الدعوى القضائية التي رفعها وزير الاتصال ببطلان تحويل الأسهم في الصفقة بين شركة “الخبر” وشركة “ناس برود”، الأبواب واسعة لفقهاء القانون ليكشفوا الثغرات والمتناقضات التي “تخزنها” القوانين الجزائرية، بداية بقانون الإعلام، ومخاطر “مجاراة القضاء” لرغبات الوزير على سمعة هذا الجهاز واستقلاليته. فإذا كان وزير الاتصال برر مسعاه بالحفاظ على مجال الصحافة المكتوبة من الاحتكار، بناء على المادة 25 من قانون الإعلام 2012، من المفروض ألا تستثني “الدولة”، وهي شخصية معنوية، تطبيق هذه المادة عليها، حسب تفسير الوزير لها، وهي التي تمارس أكبر احتكار بامتلاكها ست نشريات للإعلام العام، ممثلة في الجرائد اليومية الوطنية. فضلا عن هذا، فإن فقهاء القانون يرون أن هذه المادة، التي استند إليها الوزير في دعواه القضائية، “غير دستورية” ومخالفة لروح الدستور الجديد الذي عدله الرئيس هذا العام، لأنها تتناقض بشكل واضح مع روح المادة 43 من الدستور، التي أدرجت في باب الحقوق والحريات والتي تنص على الحرية التجارية. وتنص المادة 43 من الدستور الجديد أن “حرية الاستثمار والتجارة معترف بها وتمارس في إطار القانون. تعمل الدولة على تحسين مناخ الأعمال وتشجع على ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة للتنمية الاقتصادية الوطنية. تكفل الدولة ضبط السوق ويحمي القانون حقوق المستهلكين. يمنع القانون الاحتكار والمنافسة غير النزيهة”. فإذا كانت الدولة هي الضامن لحرية الاستثمار والتجارة “فبأي حق يقف وزير في وجه مستثمرين قرروا وفقا لقوانين الجمهورية بيع وشراء أسهم شركاتهم. ففي حالة ما إذا ساير القضاء رغبة حميد ڤرين فإنه سيفتح على الجزائر بابا خطيرا في عالم الاستثمار في الجزائر الذي يقول ممثلو الدولة أنهم يجتهدون لاستقطاب رأس المال الأجنبي، ويشجعون الاستثمار الوطني في الوقت الذي يقف وزير في الحكومة لمنع متعاملين جزائريين من عقد صفقة تجارية بسيطة، يحميها الدستور في مادته 43. هذا المسعى الذي بدر من وزير الاتصال لا بد أنه أثار انتباه المشتغلين في عالم الاستثمار، ومن حقهم أن يتخذوا احتياطات جديدة إذا كانت لديهم رغبة في الاستثمار في الجزائر. ويكون حميد ڤرين بما قام به من سعي لإبطال صفقة تجارية، قد نبه الناس إلى “الفراغات التي تطبع القوانين الجزائرية، وتناقض بعضها مع الدستور”، ما سيحمل دون شك المتخوفين من “تعسفات السلطة التنفيذية” على السعي لطرق باب المجلس الدستوري لاستفتائه في دستورية بعض القوانين، منها المادة 25 من قانون الإعلام 2012 وتناقضها مع المادة 43 من دستور 2016. وذلك عن طريق رفع دعوى أمام مجلس الدولة، بناء على المادة 188 من الدستور التي تنص على أنه: يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. ليس هذا فحسب، حسب فقهاء القانون، فإن وزير الاتصال وضع القضاء الجزائري في مأزق، لأنه لا يعلم ربما أن الجزائر صادقت على كل المعاهدات والمواثيق الدولية التي تضمن الحقوق والحريات، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والبروتوكولين الإضافيين للإعلان لسنة 1966، والتي تكرسها المادة 50 من دستور 2016 في باب الحريات والحقوق والتي تنص: “حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”. ويرى فقهاء القانون أنه لا يمكن للقاضي الذي سيفصل في الدعوى القضائية التي رفعها وزير الاتصال لإبطال بيع أسهم شركة “الخبر” لفائدة شركة “ناس برود” التابعة لمجمع “سيفيتال”، إلا أن ينطق بعدم الاختصاص في أقل الأحوال إذا طبق القانون الجزائري. ولا يمكنه أيضا إلا أن يفصل بعدم وجود الصفة في وزير الاتصال ووزارته في هذه القضية، كما يقول فقهاء القانون الذين حاورتهم “الخبر” في وهران بعد الجدل الذي أثارته هذه القضية في الأوساط الأكاديمية وكذلك القضائية. يقول كثير من القضاة “لا أتمنى أن أكون في موقع قاضي المحكمة الإدارية لبئر مراد رايس في العاصمة، لأنه إذا فصل بغير ما يقتضيه القانون فإنه سيكرس الفكرة السائدة في الجزائر أن القضاء غير مستقل”. ويتساءل فقهاء القانون “ماذا دهى وزارة الاتصال وخبراءها القانونيين لتلجأ إلى المحكمة الإدارية”. ويفصلون أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي ينظم هذا النوع من القضاء ينص في المادة 800 أن “المحاكم الإدارية هي جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية. تختص بالفصل في أولى درجة، بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا، التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها”. وفي هذه الحالة، فلا الوزارة أصدرت قرارا يخص بيع أو شراء أسهم “الخبر” ولا هي تملك مجمع “سيفيتال” وفروعه. وتفصل المادة 801 من نفس القانون في اختصاص المحاكم الإدارية بوضوح. وجاء في نص المادة المذكورة أن المحاكم الإدارية تختص بالفصل في “دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن: الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية، البلدية والمصالح الإدارية الأخرى للبلدية، المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية، دعاوى القضاء الكامل، القضايا المخولة لها بموجب نصوص خاصة”. ونشير من جهة أخرى إلى أن قضاة في محاكم وهران فصلوا في دعاوى قضائية سابقة رفعتها مؤسسة الجمهورية الحكومية ضد صحفييها، الأولى بتهمة “قذف وزير الاتصال” وفصلت المحكمة فيها بانتفاء وجه الدعوى. كما فصلت الغرفة الجزائية لمجلس قضاء وهران ببراءة الصحفي محمد شرقي الذي تابعته نفس الجريدة بتهمة سب الرسول عليه السلام. وخرج القضاء مرفوع الرأس أمام المتقاضين.