أبدى الدكتور يونس قرار، الخبير والإطار السابق بوزارة البريد وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، تخوفه من أن يكون استحداث وزارة منتدبة للاقتصاد الرقمي وعصرنة المنظومة المالية، مجرد اختبار، محذرا أن يكون مصيرها نفس مصير وزارة عصرنة الإدارة التي لم تعمّر طويلا. كما لفت قرار إلى احتمال نشوب صراع على الصلاحيات والمهام مع وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال. ما رأيك في استحداث وزارة للاقتصاد الرقمي في التعديل الحكومي الأخير؟ إذا نظرنا إلى تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، فإن استحداث وزارة منتدبة للاقتصاد الرقمي وعصرنة المنظومة المالية، فإننا نجد أن اختصاص مثل هذه الدوائر الحكومية هو رسم استراتيجية شاملة لقطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، من بنية تحتية وتطوير شبكات الاتصال بواسطة الأنترنت عالية التدفق، وربط كل مصالح الحكومة والقطاع الاقتصادي والمالي بالشبكة العنكبوتية لتقديم خدمات إلكترونية في مستوى تطلعات المواطن. عندما ننظر إلى الواقع الجزائري، فإننا نجد أن الجانب المتعلق بعصرنة المنظومة المالية هو الهدف المرجو من استحداث هذه الوزارة، فيما يتعلق بخدمات البنوك والتعاملات التجارية التي يجريها المواطن، وتعويض الدفع النقدي للفواتير والتحويل المالي الذي يتم بشكل مادي إلى غاية اليوم، لعدة أسباب غير موضوعية، بأنظمة إلكترونية تهدف تسهيل حياة المواطن واقتصاد أموال طائلة وتوفير الوقت بما يعود بالفائدة على الجميع. قلت إن عدم تطوير هذا القطاع يعود لأسباب موضوعية، كيف؟ في كل مرة يطلب من الحكومة الذهاب نحو استخدام واسع وشامل لتكنولوجيات الاتصال، تقول إن المجتمع غير جاهز لذلك، وأن الجزائريين لن يتحكموا فيها، والحقيقة أن الفرد الجزائري كغيره من سكان العالم، يحتاج إلى خدمات في المستوى تسهل عليه العيش بدل حالة المعاناة التي نلاحظها يوميا في مكاتب البريد والبنوك والإدارات بسبب الطريقة التقليدية في معالجة المعاملات. للأسف، هذه شماعة تعلق عليها الحكومة مسؤولياتها في تطوير قطاع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، الجزائري اليوم اكتشف بأن بلدنا متخلف كثيرا في هذا الجانب بل إن دولا مثل تونس أو المغرب أو مالي أو الغابون أفضل منا، ولا أريد أن أقارن وضعنا بوضع دولة مثل رواندا التي هي رائدة في مجال الإدارة الإلكترونية والأنترنت وغيرها. هل تخاف الحكومة من التطور؟ أنا أقول إن هناك عائقا نفسيا يمنعها من ذلك، الذي يؤدي بنا إلى الاقتناع بضرورة التطور، والاستفادة من التكنولوجيا لتسهيل حياة الناس. باختصار، لا نلمس إرادة في تحمل المسؤولية. منذ 15 سنة، وهذا القطاع بالذات يعاني الجمود. كثير من الناس لا يفهمون معنى الاقتصاد الرقمي؟ حسب تجارب غيرنا، هذه الوزارة تعنى بمهام تطوير قطاع تكنولوجيا الاتصالات. لكن ما لاحظته أنها موضوعة تحت الإشراف المباشر لوزير المالية، وكان الأفيد أن تكون تابعة للوزير الأول، فيما يبقى الجانب المتعلق بعصرنة المنظومة المالية هو الأرجح، وإلا فإننا سنشهد صراعا كبيرا بين الوزير الجديد معتصم بوضياف ووزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال، التي أنيطت بها منذ سنة 2000 مهمة تطوير القطاع. تقصد أن الوزير الجديد سيعمل تحت الضغط؟ لا أتمنى له ذلك.. لأن المهام هي نفسها تقريبا، لأن الجانب المالي يعتبر جزءا من مهام وزارة البريد التي عجزت لحد اليوم عن تحقيق التطوير المطلوب لعدة عوامل. الوزير معتصم بوضياف واحد من الإطارات الشابة الذين اشتغلوا في قطاع الخدمات الإلكترونية وفي الجانب المالي. سبق له العمل في جمعية موظفي البنوك والمؤسسات المالية، وشركة “ساتيم”، وقبل تعيينه وزيرا، تولى إدارة هيئة “مجمع المصالح المشتركة”، التي عملت على تطوير المعاملات النقدية إلكترونيا. وأعرف أنه عانى من أجل إيصال نتائج أعماله ومقترحاته إلى من يهمهم الأمر. هل الخلل في تردد الحكومة؟ أعرف أن بوضياف كان يداوم على إرسال رسائله إلى العناوين المطلوبة، لكن لم يكن يتلقى أي ردود عليها. أظن أن هناك من تفهم الأمر وفتح له الطريق لاختبار جدوى ما يدعو إليه. كيف تتصور أولويات هذه الوزارة المستحدثة؟ لو أخذنا بما هو معمول به عند جيراننا ودول إفريقية عدة، تكمن الأولوية في توفير تسيير عصري للقطاع المالي، من خلال تطوير الدفع الإلكتروني وإدخال الشفافية المالية لتقليص تأثير السوق الموازي. تستشهد بتجارب دول إفريقية سبقتنا في هذا المجال؟ عيبنا أننا نحتقر تطور وتقدم غيرنا، للأسف هذه النظرة موجودة عند بعض المسؤولين. نحن لم نبلغ مستوى دول إفريقية، فكيف لو استشهدت باليابان ! تم تجريب في أقل من ستة أشهر احتواء أموال السوق الموازي والمكتنزة خارج الإطار البنكي، وفشلوا، ثم جربوا القرض السندي وفشلوا.. لتبقى أكثر من 40 مليار دولار متداولة في السوق السوداء. وهل تتوقع أن ينجح الوزير بوضياف في تجسيد هذه الأولوية؟ لو يقلص هذا المبلغ بمقدار 5 أو 10 مليارات، فقد نجح، في انتظار أن تلتفت الحكومة بجدية إلى قطاع الضرائب. تلمح إلى أن المهمة لن تكون سهلة؟ أخشى من نشوب صراع مع وزارة البريد وتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، ما قد يعطل العصرنة برمتها. أظن أن الأمر يتعلق باختبار إن هو تمكن من اجتيازه قد توكل إليه مهمة تطوير البنى التحتية والخدمات الإلكترونية وأمن المعلومات، ومشروع الجزائر الإلكترونية. أتمنى أن لا تتدخل المصالح الشخصية لكي لا نشهد نفس مصير الوزارة المنتدبة لعصرنة الإدارة. ولكن إذا نجح في فرض نفسه وتكريس وتوسيع نطاق خدمات الدفع الإلكتروني، فهذا يكفي. أضعنا عشر سنوات في تبادل الاتهامات بالإخفاق، كل وزارة تعلق فشلها على أخرى، وأصبحنا نسمع كل أشكال التبريرات التي تسيء إلينا كشعب ودولة. مثل ماذا؟ مثل الجزائريين غير مثقفين ولا يقدرون الخدمة الإلكترونية، علما أن اعتماد مزايا التكنولوجيا في الاتصال والاقتصاد يسمح بتحقيق نقلة نوعية ثمارها كثيرة وكبيرة أولها، والجميع يتفق معي حولها، تحسين وتسهيل معيشة المواطنين، وتجنب نفقات ضخمة وتضييع الوقت. وأقول لأولئك المترددين والباحثين عن الأعذار لتبرير العجز والفشل، إن الجزائريين يستعملون الأنترنت من أجل الفايسبوك والألعاب عبر الأنترنت ومشاهدة مقاطع الفيديو في “اليوتيوب”، والعكس هو الصحيح، لأنهم قابلوا المعاملات الإلكترونية في تسجيلات طلبات وكالة عدل، ونتائج المسابقات والامتحانات (شهادة الابتدائي والتعليم المتوسط والثانوي)، ويستخدمونها في التداوي والسياحة والتعليم عن بعد، وغيرها.. وما المطلوب لإنجاح العملية؟ شبكة اتصالات وأنترنت وطنية قوية والتوقف عن التماس الأعذار، التي لا تخرج عن دائرة سرقة الكوابل وانقطاعها والفيضانات والأمطار وخطوط الهاتف غير متوفرة، إلى آخره مما يسمعه المواطن ويقرأه.