تكرّر في القرآن العظيم الأمر بالنّظر في خلق الله المبدع المعجز، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، واللافت فيها هو تذييلها - أيّ ختمها - بقوله تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} إذ هذا تقريع وتوبيخ لهؤلاء المشركين الضّالين، الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا! والآيات والعبر ماثلة أمام أعينهم، فلقد عطّلوا عقولهم، فلم يهتدوا بها إلى خير، ولم يتعرّفوا بها على حقّ، فخسروا الدّنيا والآخرة، وهذا هو الخسران الحقيقيّ. والنّظر المأمور به هنا - وفي مثيلاتها من الآيات - المقصود به التفكير والنظر بالبصيرة؛ ولهذا ربما لم يستعمل القرآن الكريم: “فيروا” واستعمل: “فينظروا”، لإفادته معنى التأمّل والتفكير وتقليب الرأي. أمّا لو استعمل “يروا” فقد يفهم منه مجرد الرؤية بالعين الباصرة من غير تفكّر بالبصيرة. ولا يخفى أنّ نظر العين يشترك فيه الناس جميعا، وإنّما يختلف الناس في نظر البصيرة والتأمّل والتفكّر. وفي بيان معنى “نظر” قال الراغب الأصفهاني: “النّظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشّيء ورؤيته، وقد يراد به التّأمّل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الرّويّة، يقال: نظرت فلم تنظر، أي لم تتأمّل ولم تترو، وقوله: {قلْ انظروا ماذا في السَّماوات} أيّ تأمّلوا. واستعمال النّظر في البصر أكثر عند العامة، وفي البصيرة أكثر عند الخاصة”. فالقرآن الكريم يريد من الناس أن ينظروا ويعتبروا ويتفكروا، فالتّفكير أول الهداية، وسبيل الهداية.