عجلت عائلة سي محند، أمس، بدفن ابنتها المرحومة نهال، وانطلق الموكب الجنائزي في الساعة العاشرة صباحا من المسكن العائلي بشارع وجدة بحي الكميل في اتجاه مقبرة عين البيضاءبوهران. ووري جثمان الصغيرة بعد مسيرة على الأقدام قرب قبر جدها الذي توفي قبل شهرين، وعاشت المدينة ساعات شلل في جهتها الغربية في الصباح بفعل توقيف حركة المرور للسماح للموكب الجنائزي بالمرور.
كانت الأجواء مشحونة بالحزن أمس وقبله في وهران، حيث تحول مسكن عائلة سي محند في حي الكميل إلى مزار للمعزين من كل أنحاء الوطن، الذين يعرفون العائلة والذين تعاطفوا معها في مصابها. وانطلقت العديد من المسيرات من حي الكميل إلى وسط المدينة، آخرها في حدود منتصف ليلة السبت إلى الأحد، بعد وصول جثمان المغدورة إلى مسكن عائلتها في حدود الساعة العاشرة من ليلة السبت. الإعدام لقاتلي الأطفال وطالب كل من شارك في تلك المسيرات بتطبيق الإعدام ضد مرتكبي جرائم اختطاف الأطفال. وبعد “مسيرة منتصف نهار أمس التي نظمها مراسلو القنوات التلفزيونية الخاصة لأغراض العرض المباشر”، اتخذت مصالح الأمن الولائي لوهران إجراءات أمنية استعجالية بإيفاد تعزيزات أمنية إلى حي الكميل، وأعلنت العائلة بعد وصول جثمان ابنتها أن تشييع جنازتها سيتم بعد صلاة الظهر. إلا أن كل شيء تغير صباح أمس بفعل الجموع الغفيرة جدا للمواطنين الذين احتشدوا أمام مسكن عائلة سي محند وفي محيطه في حي الكميل الذي أغلق شارعه الرئيسي كليا أمام حركة المرور، وهو الشلل الذي امتد إلى بقية الشوارع وخلق اضطرابا كبيرا في حركة المرور، ليتقرر انطلاق مراسم الجنازة في الساعة العاشرة من صباح أمس، وتقرر أيضا نقل الجثة مشيا على الأقدام، حيث خرجت محمولة في سيارة للحماية المدنية نعشها مغطى بالراية الوطني، تحت زغاريد النسوة. تعزيزات أمنية كبيرة وسبق السيارة موكب من الدراجات النارية، تلاه مراسلو التلفزيونات بكاميراتهم التي كانت تبث مباشرة، ثم حزام أمني مكون من ضباط وأعوان الشرطة وبعدهم مئات المواطنين الذين سلكوا شارع وجدة، ومنه إلى حي اللوز، ثم الشارع الاجتنابي المؤدي إلى مقبرة عين البيضاء. واستغرقت المسيرة قرابة ساعة ونصف، نظرا للعدد الهائل للمشاركين فيها من رجال وأطفال وحتى نساء، في حين سبق مشيعون آخرون الموكب إلى المقبرة، حيث كانت هذه الأخيرة محاطة أيضا بتعزيزات أمنية كبيرة لأعوان الشرطة والدرك. وفي المقبرة حضر عدد كبير من النساء أيضا على غير عادة الجنائز الجزائرية، وكان المراقب صالح نواصري، مدير الأمن الولائي لوهران، يشرف شخصيا على تنظيم الجنازة. ويبدو أن “تعليمات” تم توجيهها للجمعيات التي تسمى “مجتمعا مدنيا” لتشارك في تنظيم الجنازة، وتسببت بتدخلاتها في فوضى داخل المقبرة. وصل الموكب الجنائزي إلى مقبرة عين البيضاء في حدود الساعة ال11 والنصف، ووجد إمام مسجد المقبرة صعوبات كبيرة في إقامة صلاة الجنازة على الفقيدة، بسبب تدخل من لا علاقة لهم بها. ولم يسع المسجد جموع المصلين، ليصطف المئات منهم في الساحة المحاذية له. وأديت صلاة الجنازة بسرعة في حدود الساعة منتصف النهار، ثم تم نقل جثمان الفقيدة نهارا إلى الجهة العلوية للمقبرة القديمة، ليوارى جثمانها قرب قبر جدها الذي توفي قبل شهرين، وأدخلت قبرها بصعوبة بسبب الزحام الذي سببه حاملو الكاميرات التلفزيونية الذين أحاطوا بالقبر لأخذ “أحسن الصور”. وبعد الدفن، خطب إمام جامع ابن باديس وتلاه إمام مسجد أبي بكر، اللذان دعيا بالرحمة للفقيدة والصبر لأهلها وسلامة أطفال الجزائر من الوحوش، وأثنيا على المعزين الذين قدموا من كل أنحاء الوطن للتعبير عن تعاطفهم مع أهل الضحية ورفضهم لما يتعرض لها الأطفال من اختطاف وقتل. كما كان مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية وهران الإطار الرسمي الوحيد الذي شارك في الجنازة، حيث تنقل والي وهران عبد الغاني زعلان الذي يوجد في مرحلة نقاهة بعد العملية الجراحية التي أجراها إلى مسكن سي محند لتقديم العزاء الرسمي. مشيعون من كل الولايات وفي غياب منتخبي ولاية وهران، تنقل رئيس بلدية واسيف مع الموكب الجنائزي من تيزي وزو إلى وهران وكذا إطار في المجموعة الإقليمية للدرك الوطني لهذه الولاية، كما شوهدت ترقيمات سيارات من مختلف ولايات الوطن في محيط مسكن عائلة سي محند، خاصة من تيزي وزو، وكذلك في مقبرة عين البيضاء، حيث حضرت جموع كبيرة من المعزين من كل أنحاء الوطن. ويمكن القول إن ولاية وهران تشهد ثاني أكبر الجنائز في السنوات الأخيرة، فاقتربت جنازة المرحومة نهال سي محند من جنازة المرحوم عبد القادر علولة من حيث عدد المشيعين وكذا الحزن الذي عم المدينة والاستنفار الذي عاشته قبل وخلال التشييع. وفي غضون ذلك، واصلت عائلة سي محند استقبال المعزين في مسكنها في حي الكميل بعد تشييع الجنازة، إلا أنه لم تتسرب أي أخبار عن حيثيات الجريمة التي استنكرها كل الجزائريين، واستغلها البعض للمطالبة بتطبيق حكم الإعدام في منفذي جرائم الأطفال.