يعود محسن بلعباس، رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لقرار الحزب خوض غمار التشريعيات المقبلة كما يجب على عدة أسئلة حول الوضع الراهن في الساحة السياسية. استغرب البعض موقفكم بالمشاركة في التشريعيات ورأوه انقلابا ب180 درجة في بوصلة الحزب. ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعتكم لاتخاذ هذا القرار؟ على مستوانا، لم يكن السؤال مطروحا هل نقاطع الانتخابات أو لا؟ لكن هل نذهب للانتخابات أو لا؟ هو ليس نفس السؤال رغم أنه يبدو كذلك.. معروف عن الأحزاب السياسية في كل دول العالم أن هدف إنشائها هو المشاركة في الانتخابات لتأخذ الأغلبية في المؤسسات. لكن يحدث أن تقاطع الأحزاب الانتخابات وهذا لا ينبغي أن يتحول إلى قاعدة. إذا عدنا إلى الوراء وحللنا مقاطعة الأرسيدي تشريعيات 2002 و2012، نرى أن مشاكل طارئة دفعتنا للمقاطعة. كيف ذلك؟ في 2002 كان ثمة ما يسمى بأزمة منطقة القبائل، ولم يكن ممكنا القيام بحملة انتخابية في تلك الظروف. في 2012 رأينا بأن الوقت كان مناسبا للضغط على السلطة للذهاب إلى التفتح أكثر مثلما حدث في تونس ومصر والمغرب، وقدّرنا بأن المقاطعة قد تنفع في ذلك، ولكن وجدنا أنفسنا الحزب الوحيد الذي قاطع. أما في 2016 نحن في مرحلة أخرى. ما توصلنا إليه على مستوى المجلس الوطني، أن أحسن موقف بخصوص التشريعيات هو أن تقاطع كل الأحزاب المعارضة حتى يكون صدى للمقاطعة التي جربناها وحدنا ولم تنجح، وبما أن ذلك لم يتحقق فإن المشاركة هي الخيار المناسب. خبرتنا تقول إنه عندما تقاطع ستكون أنت ضحية المقاطعة، بمعنى أن الصحافة ستقاطعك والإدارة أيضا التي لن تمنح لك أي رخصة للعمل السياسي أثناء الحملة الانتخابية. فكرنا في استغلال الحملة الانتخابية لصالح الانتقال الديمقراطي، وهذا ما قلناه للمعارضة بضرورة إيجاد موقف موحد واستغلاله لصالح الانتقال الديمقراطي. عرف عنكم مواقف متقدمة عن بقية الأحزاب.. مثلا اقتراح الهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات.. الدعوة لتفعيل المادة 88.. عدم الاعتراف بشرعية النظام.. ألا تعتقدون اليوم أن المشاركة في هذه الانتخابات هي إعطاء شرعية للنظام نفسه الذي تعارضونه؟ منذ أكثر من سنة، أصبحت السلطة لا تبحث عن شرعية من عند الأحزاب المعارضة. في التسعينات كانت السلطة تعمل على إشراك الأحزاب المعارضة حتى تعطي لنفسها واجهة ديمقراطية. اليوم لسنا في نفس المرحلة، منذ بداية 2016، رأينا أن السلطة مررت قانون انتخابات جديدا بنية بناء أحادية سياسية برأسين، بحيث لا تشارك بقية الأحزاب في المنافسة. هذا مغزى وضع شرط 4 بالمائة. لو كان لها النية لإشراك الأحزاب لبنت هذا الشرط على الانتخابات الثلاثة الأخيرة مثلا. كيف تفسر إذن تصريح وزير الداخلية الذي لمّح إلى أن الأحزاب التي ستقاطع سينزع عنها الاعتماد في القانون الجديد؟ السلطة لديها المعلومة الحقيقية عن الأحزاب التي بإمكانها جمع التوقيعات. لكن حتى هذه الأحزاب تريد محوها من الساحة السياسية، وذلك عن طريق قانون يذهب لإقصاء الأحزاب المقاطعة. الآن اكتمل المشهد.. أغلبية الأحزاب المعارضة قررت المشاركة، بالمقابل قرر علي بن فليس وجيلالي سفيان المقاطعة.. كيف رأيت حجج الأحزاب المقاطعة؟ في اعتقادي أن الأحزاب حرة في مواقفها وفي السياسة يمكن تبرير أي موقف. نحن نقول منذ 2014، إنه لكي نصل إلى حوار وتفاوض مع السلطة، لا بد من بناء موازين قوى جديدة. وقلنا إن بداية هذه الموازين الجديدة تحتم علينا أن نذهب إلى المواطن عن طريق أعمال ميدانية. هذا ما حاولنا القيام به في 2014 و2015 والسلطة كانت دائما تعمل على قطع الصلة بيننا وبين المواطن لأنها فهمت الهدف. لذلك كان علينا المشاركة في حملة انتخابية ترغم فيها السلطة على إعطائنا التصريح، وهو ما يجعلنا نتواصل مع المواطن واستغلال ذلك لبناء موازين قوى جديدة. في اعتقادكم أن المشاركة لا تناقض أرضية مازافران، كما يقول بعض المقاطعين؟ قلنا إن الانتقال الديمقراطي يبدأ بعد تفاوض مع السلطة للوصول إلى دستور متوافق عليه، وهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات وانتخابات شاملة. المشاركة في انتخابات 2017 لا علاقة لها بالانتقال الديمقراطي الذي ما يزال بعيدا ولديه صلة مع بناء موازين قوى جديدة. اليوم المعارضة ليس لها موازين القوى الكافية، وهي حقيقة لا يجب أن نتنكر لها. لذلك يجب علينا أن نعمل كمعارضة وشخصيات وطنية ونخبة ومجتمع مدني على بناء هذه الموازين، والتفكير في كيفية استغلال الفرص التي ستتاح لنا في ذلك. بعض شركائكم في تنسيقية الانتقال الديمقراطي يطرحون فكرة حكومة وحدة وطنية بعد التشريعيات إذا كانت الانتخابات نزيهة.. هل توافقون هذا الرأي؟ على مستوى الأرسيدي لا يوجد هذا الطرح. نحن نعتقد أن تشريعيات 2017 التي ستنظمها الإدارة التابعة للسلطة، والتي ليست لها الشرعية الكافية، لا يمكنها أن تمثل انتقالا ديمقراطيا. قلنا إن الانتقال الديمقراطي يبدأ بعد مفاوضات مع السلطة ودستور وهيئة مستقلة وهذا غير متوفر الآن. لذلك في هذه الانتخابات، أرى أن الحزب الذي لديه الأغلبية ب51 بالمائة عليه أن يشكل الحكومة لوحده. إن لم يتحصل أي حزب على هذه الأغلبية، له أن يؤسس لأغلبية مع حزب آخر. الأرسيدي لن يشارك في الحكومة المقبلة إن لم يتحصل على أغلبية لوحده، ولا يمكنه أن يتحالف مع حزب له برنامج يختلف عن أفكاره. هذا يحدث في البلدان العادية وليست التي في طريقها للديمقراطية.. الآن لو دعاكم حزب في السلطة لمشاركته في الحكومة هل ستقبلون؟ أنا مقتنع أنه إذا أرغمت السلطة على تحالف حكومي بالرغم من أنها تحصلت على أكثر من 50 بالمائة من المقاعد، فهي تشكك بذلك في نتائج الانتخابات. أما إذا كانت لها الأغلبية تتحمّل مسؤوليتها. يعني ذلك أنكم ترفضون أن تكونوا طوق نجاة للسلطة؟ نحن نريد أن ننقذ الجزائر وليس السلطة. السلطة جعلت من الأحزاب والنقابات والصحافة الحرة ومعظم المواطنين الجزائريين أعداء لها للأسف. تحالفات الإسلاميين في المعارضة.. هل تزعجكم؟ لا أبدا. لكن إلى يومنا هذا لم نر أي تحالف، وإنما منشقين رجعوا إلى أحزابهم الأصلية وهذا شيء جميل. والمعروف أنه مع هذه القوانين الجديدة، الكثير من الشخصيات والأحزاب ستزول إن لم ترجع إلى بيوتها.. نحن نؤمن بإشراك الجميع في ما نطرحه حول التحول إلى الديمقراطية مع مراعاة خصوصيات كل حزب.. ولم نر بأن حزبا إسلاميا تحوّل إلى علماني أو العكس، في خضم التنسيق الذي جمعنا ببعض خلال السنوات الأخيرة. غالبا ما تقولون إن النظام في مأزق، لكن في الواقع ألا تعتقد أن المعارضة اليوم هي في أزمة.. لم تتوافق على موقف واحد من الانتخابات وليس لها القدرة للنزول للشارع وفرض موازين قوى جديدة؟ كما قلت، فإن شروط العمل السياسي غير متوفرة في الجزائر. ووصولنا إلى تحقيق مشروع المعارضة لا بد أن يمر بمراحل كثيرة قبل الوصول إلى الهدف. الطريق طويل وشاق وهناك أحزاب لا تستطيع مواكبتنا في العمل الميداني، وهناك أحزاب ستتراجع في منتصف الطريق، لأننا في بلد تتعدد فيه مراكز أخذ القرار التي لبعضها نفوذ على الأحزاب. هو عمل صعب وشاق ولكني مؤمن أننا سنصل إلى التغيير. وفي الواقع أرغمنا السلطة على عدد من التنازلات بسبب تكتلنا، فعند النظر إلى الدستور الجديد أو اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات يتبين ذلك، لكنها تنازلات شكلية هدفها التحايل على الشعب وإقناعه بأن السلطة تتجاوب مع المعارضة فقط. لو نعود لأحداث بجاية، الولاية التي تعد إحدى معاقلكم.. هل الصورة اليوم أكثر وضوحا لما جرى؟ لا يمكن أن تكون لنا نظرة أكثر وضوحا من السلطة، لأنه ليس لنا المعلومة الصحيحة لما حدث أو الجهة التي دعت للإضراب. نحن تكهنا منذ شهور بأعمال مشابهة، وقلنا إن هناك أطيافا في السلطة تحاول استغلال الظروف للذهاب لعمل عنيف في الشارع. هذا التواصل مع المواطن، ساعد في إفشال المسعى. نحن قناعتنا أن العنف يعمل لصالح السلطة. هل نفهم من كلامك أنكم تتهمون السلطة بالوقوف وراء هذه الأحداث؟ نعم، نحن مقتنعون بذلك. هناك قوى داخل السلطة دبرت تلك الأحداث وحاولت استغلالها لصالحها في إطار صراع بين مكوناتها. لكن بعد تحييد جهاز الدياراس، هذا الصراع المفروض أنه اختفى..؟ نحن لا نرى الصراعات داخل السلطة من هذه الزاوية. في كل مرحلة سياسية هناك تجاذب بين عدة قوى، قد تتغير المواقع لكن الصراع يبقى موجودا. يمكن ملاحظة ذلك بما يجري بين الأفالان والأرندي.. بين شخصيات تريد رئاسة الحكومة، بين من يرى نفسه المرشح الرسمي في رئاسيات 2019. طبيعة النظام قائمة على الصراع. السلطة تطرح فرضية اليد الأجنبية، وقد طالعتنا مؤخرا بتفكيك خلية للموساد..؟ المشكلة في تعامل السلطة مع هذه المعلومات. لا أفهم كيف أن قضايا في هذا الحجم من الخطورة، تتعلق بقوى مخابراتية أجنبية تلعب في الجزائر، يتم ممارسة التعتيم عليها. كان يفترض من وزير الداخلية أن ينشط ندوة صحفية لمكاشفة الرأي العام بما حصل. أقول إن تعامل السلطة مع هذه المعلومات هو ما ينقص من مصداقية تلك المعلومات. الواقع أنه لما تكون السلطة في مواجهة أزمة خانقة سيفتح ذلك الباب أمام القوى الأجنبية، لكننا لم نصل إلى هذه الدرجة في اعتقادي، غير أن الاستمرار في الخنق والتضييق سيفتح المجال لكل القوى الأجنبية، وهنا ستقع المسؤولية كاملة على عاتق السلطة ذاتها.