التقى عدم اهتمام الجزائريين بانتخابات المجالس البلدية والولائية، المنتظرة نهاية الشهر، مع برودة السلطة في تعاملها مع الحدث.. مبرّرات الناخب في ذلك أن صوته لن يغيّر من واقعه شيئا. أما السلطة، فقد بلغت ما كانت تريده في تشريعيات ماي الماضي، عندما مارست ضغطا كبيرا لتحقيق نسبة مشاركة كبيرة، تعطي من خلالها انطباعا للغرب بأن ما يسمى ''إصلاحات سياسية'' كانت ناجحة، ولكن الأهم في ذلك أنها تمكنت من تفادي إعصار الربيع العربي الذي أتى على عدّة أنظمة غير ديمقراطية. رغم تحديد الداخلية لتاريخ 29 نوفمبر منذ أربعة أشهر تأخر تقني وإداري وحزبي جعل الحملة الانتخابية في خبر كان رغم أن وزارة الداخلية أعلنت يوم 5 أوت الفارط عن اختيار تاريخ 29 نوفمبر لإجراء الانتخابات المحلية، وهي فترة تقارب مدتها 4 أشهر كاملة، إلا أن الحملة الانتخابية بدأت في ظل اتهامات متبادلة بين الأحزاب والداخلية من جهة، وبين الداخلية ولجنة مراقبة الانتخابات من جهة أخرى، لعدم تحضير ظروف ومناخ إجرائها. مرّ أسبوع من عمر الحملة الانتخابية، ولم تتمكن ال52 تشكيلة حزبية من طبع ملصقات مرشحيها، لأنها لم تحصل على رقمها التعريفي الوطني الموحد إلا مؤخرا. ومرد هذا التأخير عدم تمكن اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات من الفصل في قائمتين من المشاركين في المحليات، إحداها بها ''53 رقما تعريفيا وطنيا''، قبل أن تحتج عليها أحزاب شكلت تحالفات، الأمر الذي دفع لإجراء عملية قرعة ثانية خرجت منها قائمة ثانية تضمنت 57 رقما تعريفيا، وكان لابد من صدور فتوى من وزارة الداخلية لاختيار واحدة من الاثنتين. وزيادة على مشكلة تمثيل المرأة التي نغصت على الأحزاب، خصوصا الجديدة منها، تركيبة قوائمها، ما جعل الأفالان الحزب الوحيد الذي اقترب من عدد 1541 قائمة بلدية، فإن مشكلة ''الانتداب'' للمرشحين لم تحلّ ورقيا إلا بعد تدخل الوزير الأول، عبد المالك سلال، بعدما تلقت لجنة محمد صديقي وابلا من الشكاوى لعدم تمكن متصدّري القوائم من تنشيط الحملات الجوارية لارتباطاتهم المهنية. وانعكس التأخر في تحديد الرقم التعريفي في رهن طلبات نسخ الملصقات على مستوى المطابع، التي وجدت نفسها حبيسة تراكم صفقات معلقة بقرعة تحمل 57 رقما تعريفيا لأحزاب وتحالفات. في ظل هذه الظروف، احتار ممثلو الأحزاب ما بين انتخابات رئاسة لجان المراقبة الولائية والبلدية، وما بين قرعة حجز قاعات تنشيط التجمّعات الشعبية، وما بين مراقبة مجريات العملية الانتخابية والتجاوزات المرتكبة فيها، إلى درجة جعلت ممثل تكتل الجزائر الخضراء في لجنة صديقي يعترف ''كانت اللجنة غائبة في أبرز محطات العملية الانتخابية، كمراقبة مراجعة القوائم الانتخابية وإيداع ملفات الترشح، ونحن الآن في اللجنة نلاحق السراب. ومع مرور الوقت، تتحوّل اللجنة إلى ظاهرة صوتية للتنديد وظاهرة إدارية لكتابة الإخطارات''. أبعد من ذلك، طلبت حركة النهضة، صراحة، بتأجيل موعد المحليات، وأعلن الأرسيدي بمعية جبهة الجزائرالجديدة، مقاطعة التلفزيون، لأنه ''يتلاعب بتسجيلات خطابات رؤساء وممثلي الأحزاب، ويبث مقاطع مبتورة خارج نسقها''. واتهم السكرتير الأول للأفافاس السلطة ب''إعطاء كل الوسائل لأحزاب السلطة، لتهميش المعارضة من أجل تقوية النظام''. في ظل هذه الأجواء، لم تغيّر قرارات تجميد النشاط للجنة صديقي أو في الولايات، من الديكور الضبابي المخيّم على محليات 29 نوفمبر التي رغم صراخ الخطابات فيها، لم يتغيّر شيء من نبض الشارع، رغم أنها تزامنت مع الانتخابات الأمريكية التي تابعها كل العالم! الجزائر: ح. سليمان
الجميع استسلم لمنطق ''الخسارة'' في المحليات ما عدا بلخادم اليأس من ''النتائج المتوقعة'' ينسف خطاب الفوز يتملك ''اليأس'' خطابات قادة الأحزاب، وبدوا منذ بداية الحملة الانتخابية، الأحد الماضي، كأنما دفع بهم إلى الشوارع دفعا للقاء الناخبين، ببطاريات غير مشحونة بنزعة الفوز، في غياب ''نزعة هجومية'' تبتغي منها التشكيلات السياسية افتكاك حصة محترمة من المجالس البلدية والولائية، أو هذا ما يظهر على غالبية الأحزاب خارج التشكيلات التقليدية التي رسمت لنفسها وبين بعضها البعض حدودا معلومة، ومعلمة على ما أبقت عليه تشريعيات 10 ماي. وصار كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي، يخاطبان كتلة ناخبة بعينها، منحتهما المرتبتين الأولى والثانية في اقتراع الربيع العربي، بينما بدت أحزاب تكتل الجزائر الخضراء التي أدارت لها رياح الربيع العربي ظهرها، مرتبكة، تفكر فيما ستكون عليه نتائج المحليات بخلفية ''الخيبة''، على النقيض بالتمام من خطابها قبيل شهر ماي الفارط، بأنها ''الفائزة'' وسعت من أجل ذلك لترتيب أوراق حكومتها وبرلمانها. وأظهرت الحملة الجارية تراجعا مفضوحا في قوة الخطاب السياسي، بل إن طبيعة ما يقدّم أمام المواطنين من قوالب ''جاهزة''، نفّرت المواطنين من تجمّعات قادة أحزاب وما دونهم، وارتبط جزء منهم بمترشحين في البلديات، وفقا لما تمليه ''القرابة والجيرة والصحبة''، خارج رهانات الألوان السياسية. لذلك، لم تتحرّج حركة النهضة من التحالف مع الأرندي في بلديتين ببسكرة، ما يعني أن الطيف السياسي لا يكون فاعلا أساسيا، لما يتعلق الأمر بانتخابات بلدية، تفتقد حملتها الانتخابية لقوة خطاب سياسي بمضمون اجتماعي محلي، يفرز بين مواقف وطروحات الأفالان والأرندي وحمس والنهضة، وغيرها من الأحزاب. قد تكون لغة الأرقام أنتجت لغة ''الاستسلام''، وأعاقت نزعة الفوز، بالنسبة للأحزاب، خارج أحزاب المراتب الأولى بالتقليد، في ظل تلافي المقارنة بين 1520 قائمة قدّمها الملوح بالفوز، عبد العزيز بلخادم، و1477 قائمة قدّمها أحمد أويحيى، وبين 314 قائمة لتكتل الجزائر الخضراء، نزولا إلى تشكيلات أخرى، ظهر أن ما قدّمته من قوائم لا يرقى إلى تبني ''ثقافة الفوز'' المتروكة لاستحقاقات قادمة. الوجه ''المحتشم'' الذي دخلت به قيادات الأحزاب حملتها الانتخابية، ساهم إلى حدّ بعيد في إرساء قناعات لدى مواطنين، يتساءلون عن ''جدوى الانتخابات'' مادام المسؤولون السياسيون لا يوفونها حقها، ومن ذلك أن خطاب ''الفوز'' الذي يفترض أنه يهيمن على مكبّرات الصوت، توارى هذه المرة، وحلّ محله ''أمر الواقع''.. واقع تعلق الأحزاب ''الخائبة'' بشماعة ''تزوير التشريعيات''.. وقد يكون للأمر ما يبرّره، حينما ينفرد الأمين العام للأفالان، عبد العزيز بلخادم، بمكبّر الصوت، ليعلن نفسه الفائز بألف بلدية، وهو الذي فاز بالتشريعيات أيضا أسابيع قبل تنظيمها، ولما نظمت فاز بأكبر بكثير مما كان يتمناه، بينما ما دون بلخادم، من قادة، سايروا توقعاتهم المعلقة على ترتيب التشريعيات، وباتوا ينتظرون ولد قابلية لإعلان النتائج الرسمية فقط، فلا أويحيى قال: سأفوز، ولا أبو جرة ولا شريكيه ردّدوا شعار النصر، وهم المشاركون بقوائم لا تتعدّى نصف بلديات القطر الوطني، ولا آخرون رأوا في اقتسام ما تبقى من الكعكة وجاهة في استقطاب الناخبين. الجزائر: محمد شراق
حوار
البرلماني وقيادي جبهة العدالة والتنمية الأخضر بن خلاف ''المحليات محطة في خارطة طريق بعنوان: طاب جنانا''
لماذا هذه البرودة في تعاطي الجزائريين مع حملة المحليات؟ هي نتيجة حتمية لكل التزوير الذي مسّ الانتخابات منذ الانفتاح السياسي، خاصة انتخابات 10 ماي 2012 التي وقع فيها انقلاب حقيقي على الإرادة الشعبية، إذ مُنحت الأغلبية لحزب حكموا به البلاد منذ الاستقلال. فهذه البرودة راجعة إلى أن الشعب يئس وملّ من الانتخابات المزوّرة، وأيقن بأنها لم تعد وسيلة للتغيير المنشود. وهذه الانتخابات، بالنسبة لنا في جبهة العدالة والتنمية، هي دور ثان للتشريعيات قبل الدور الثالث الذي سينظم في 2014 وهذا تنفيذا لخارطة الطريق التي عنوانها ''طاب جنانا''. ومن ثمة جاء موقف الجبهة بمقاطعة هذه الانتخابات، لأننا نعتقد أن لا شيء تغير مقارنة بالانتخابات الماضية، بل زاد الوضع سوءا، وكنا نأمل في أن تقاطع الأحزاب التي ندّدت بالتزوير وأن تترك السلطة تنظم المحليات وحدها، لكن.. لماذا لم تُظهر السلطة إلحاحا في الدعوة إلى الانتخاب بكثافة، عكس المرة الماضية؟ هذا يعود إلى طبيعة هذه الانتخابات. فالمنتخبون المحليون ليسوا هم الذين يراجعون الدستور، ولهذا تدخلت السلطة بكل ثقلها، وتدخل الرئيس بنفسه في حملة التشريعيات وخارج آجالها القانونية من أجل إيجاد مجلس بالشكل الذي نراه اليوم، حتى يمرّر بسهولة التعديلات المقبلة للدستور. من جهة أخرى، السلطة التي عجزت عن تسيير وتوزيع الماء والكهرباء وتنظيف المحيط وعجزت عن القضاء على الأسواق الموازية، هي اليوم مفلسة وعاجزة حتى عن تنظيم انتخابات بلدية. هذه السلطة التي اشترت السلم الاجتماعي بعصا الإنفاق وبالأثر الاجتماعي لإبعاد شبح الربيع العربي، عاجزة عن شراء السلم الانتخابي الذي لا يباع ولا يشترى، ولكن يأتي عن طريق الممارسة الفعلية لتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة. ولكن، هل المقاطعة حلّ يقود إلى التغيير الذي تنشدونه؟ الأصل في وجود الأحزاب هي المشاركة في الانتخابات، ولكن أمام التزوير المتكرّر في كل المواعيد الانتخابية، ارتأت الجبهة أن تتخذ هذا الموقف الذي ظهرت نتائجه اليوم أثناء الحملة الانتخابية، وستظهر أكثر يوم الاقتراع، إن لم تزوّر نسبة المشاركة، وهذا حتى ترجع السلطة إلى رشدها وتتوب عن التزوير، وتقوم بالإجراءات التالية: إسناد تنظيم الانتخابات إلى لجنة مستقلة وإبعاد الأسلاك المشتركة عن العملية، وإعادة القائمة الانتخابية إلى حجمها الحقيقي، ومراجعة قائمة مؤطري الانتخابات الموظفين لدى الإدارة واستبدالهم بآخرين حياديين غير تابعين للإدارة. ودون هذه الإجراءات، لا ولن تنظم انتخابات حرّة في الجزائر. الجزائر: حاوره حميد يس
رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي ''الإدارة لا تريد انتخابات محلية حتى تذهب إلى المجلس التأسيسي''
ما أسباب برودة الحملة الانتخابية بعد مرور أسبوع تقريبا على انطلاقها؟ الحملة الانتخابية باردة جرّاء تصرّفات الإدارة. وزير الخارجية أعلن أن الجزائر سوف تلتزم بتوصيات الاتحاد الأوروبي بخصوص قانون الانتخابات، وأن الانتخابات القادمة ستكون نزيهة. ونتساءل لماذا جاء هذا الرد الآن، مع أن تقرير الاتحاد الأوروبي يعود لشهر ونصف من الآن؟ ألم يكن هذا تدبيرا من الإدارة لجعل الحملة دون روح؟ ثم إن اللجان الولائية والبلدية لم يتم تنصيبها مباشرة بعد الإعلان عن موعد الانتخابات، واللجنة الوطنية نصبت بعد خمسة أيام من انطلاق الحملة، وسحب القرعة حول العملية الإشهارية لم يتم.. هذا ما أدى إلى برودة الحملة الانتخابية. وكيف يمكن للانتخابات المحلية أن تقلب موازين القوى في هذه الحالة؟ إذا ذهبنا إلى المجلس التأسيسي خارج الانتخابات المحلية، فالنظام هو الذي سيعيّن ويقوم بالعملية على انفراد، ويحضر الدستور الجديد، لأنه عندما تلغى المجالس المحلية، تصبح كل الأحزاب المعتمدة عضوة، وثلاثة أحزاب فقط ذات الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني هي التي سيكون لها تمثيل قوي. ورغم أن الانتخابات التشريعية كانت مزوّرة، لكن يمكن قلب القاعدة في الانتخابات المحلية، وجعل المعارضة أكثر تمثيلا، أو في حالة أخرى دفع النظام لحلّ كل الأحزاب والعودة إلى الحوار الذي جرى مع عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، وهذا الحوار أفضى إلى ضرورة اعتماد النظام البرلماني. أنت الحزب الوحيد الذي يدافع عن هذه الرؤية، وباقي الأحزاب نراها غير متحمسة ولا تعوّل على الانتخابات المحلية لقلب موازين القوى. ما تعليقك؟ أظن أن هناك استقالة، وعلقت على ذلك وقلت إن مماطلة الإدارة هي التي دفعت إلى هذه الاستقالة لتبرير موقفها في المحافل الدولية، وتبرير لجوئها إلى المجلس التأسيسي. وهذا المجلس سيكون تحت الرعاية الفرنسية لتمرير الدستور الفرنسي السائد منذ الاستقلال، أي نظام شبه رئاسي، ونحن نريد نظاما برلمانيا. نفس الشيء حدث في تونس، حيث فرضت فرنسا النظام شبه الرئاسي عليهم. لكن حتى الأحزاب لم تبذل جهدا كبيرا لتنشيط الانتخابات، بدليل أنها لم تتقدّم سوى في عدد قليل من البلديات. ما تعليقك؟ لا، هناك نشاط، والإعلام ظلمنا، وكذلك الإدارة. ففي الجلفة، مثلا، اشترطوا منا تقديم طلب قاعة 76 ساعة قبل الموعد المحدّد. و76 ساعة يعني أن اللجنة السياسية لم تنصب، و76 ساعة تعني تعجيزنا وإصرار الإدارة على الظهور في موقع الأقوى في هذه الانتخابات. الجزائر: حاوره م. إيوانوغان