لم تستثن أزمة انهيار أسعار المحروقات وتبعاتها على الاقتصاد الوطني الدينار الجزائر الذي يواجه مصيرا غامضا بفعل تهاوي قيمته، لتمتد آثار الأزمة ذات الأبعاد والمنطلقات الاقتصادية إلى الوضعية الاجتماعية، مجسدة في التهاب أسعار غالبية المنتجات وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين. وعلى هذا الأساس، يمثل النزيف المتسارع لاحتياطي الصرف إلى حدود 109 مليار دولار، بعدما سجل نهاية السنة الماضية 114 مليار دولار، واقتراب نضوب رصيد صندوق ضبط الإيرادات ببلوغ حده الأدنى المقدر ب740 مليار دينار، عاملا إضافيا لتهاوي قيمة العملة الوطنية، وإن كان البنك المركزي قد أشار في تقريره الأخير إلى استقرارها نسبيا، إلاّ أن ارتفاع مستويات التضخم والتهاب أسعار المنتجات تكشف عكس ذلك، مؤكدة بأنّ القيمة الحقيقية والفعلية للدينار الجزائري هي تلك المتعامل بها في معاملات الصرف للسوق السوداء، إذ يمثل 1 أورو 190 دينار جزائري، وليس سوق الصرف الرسمية. وفي هذا الشأن، أشار الخبير في الشؤون الاقتصادية، عبد الرحمان عية، إلى أنّه بالإضافة إلى التداعيات المعروفة والملموسة لانهيار قيمة العملة على الجوانب الاجتماعية، التي تترجم واقعيا من خلال ارتفاع أسعار المنتجات عند الاستهلاك وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، ما يدفع الطبقة المتوسطة نحو "الانقراض" على المدى المتوسط، فإنّ هذه الوضعية تؤثر سلبا من ناحية مقابلة على الشأن الاقتصادي والأنشطة المنتجة. وأوضح المتحدث في تصريحه ل"الخبر" بأنّ التخفيض الإرادي لقيمة العملة يعتبر من الناحية الاقتصادية أحد الحلول للتخفيف من وطأة صدمة خارجية، من أجل الزيادة على الإقبال على منتجات البلد المعني، قبل أن يستدرك بأنه حل غير وارد بالنسبة للجزائر، كون العملة الوطنية ضعيفة أصلا، ناهيك عن كون الاقتصاد الجزائري أحاديا ومرهونا بما تحققه مداخيل الريع النفطي، مشيرا إلى أنّ تخفيض السلطات العمومية لقيمة الدينار لم يستند إلى منطلقات اقتصادية، وإنما كان استجابة لتوصيات هيئات خارجية، ذكر في مقدمتها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، المستفيدة من مزايا على حساب المنتوج الوطني غير القادر على المنافسة أو التصدير نحو الدول الأوروبية، بفعل الفرق بين العملة المحلية والأورو. وذكر الخبير الاقتصادي بأنّ ارتفاع أسعار السلع في السوق المحلية نتيجة طبيعية، لاسيما وأن حوالي 70 في المائة مما يستهلك في الجزائر مستورد، وبالتالي فإنّ تحويل العملة من الأورو مثلا إلى الدينار الجزائري يرفع سقف الأسعار، ويجعل المستهلك في نهاية المطاف هو من يدفع فارق العملة، بالموازاة مع تأثير التضخم الذي "يناطح" 5 في المائة، حسب التقرير الأخير للبنك المركزي. ودعا عبد الرحمان عية، تبعا لهذا الوضع، السلطات العمومية إلى ضرورة الإسراع في اتخاذ التدابير لتجاوز هذه المرحلة، من خلال تحريك فعلي ل"دولاب" الإنتاج الوطني، عن طريق الاعتماد على الإجراءات الميدانية ورفع عراقيل الاستثمار، موازاة مع ضبط التجارة الخارجية عبر التدابير المقترحة، مع إيجاد البدائل للمنتجات المستوردة، فيما اعتبر أن تغيير العملة أو رفعها عبر تحويل 10 دنانير مثلا إلى واحد دينار، غير ممكن التطبيق، بالنظر إلى تخلف المنظومة المصرفية الوطنية، من منطلق أنّ العملية تستدعي توفير مجموعة من الأسس والمعطيات واسترجاع الكتل النقدية الضخمة المتداولة في القنوات غير الرسمية.