سيُضطر البنك المركزي، مجددا، للجوء إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية بشكل تدريجي على درجات من أجل إضفاء التوازن بين الأسعار والكتلة النقدية وتجاوز التضخّم، بالإضافة إلى اعتماد الحكومة على هذا الإجراء لتأمين نفقات الميزانية التي تضاعفت بحكم المصاريف الإضافية بدل اللجوء، كما جرت العادة، إلى تصحيح الميزانية عن طريق قانون مالية تكميلي يسدّ العجز المسجّل، بالموازاة مع الاعتماد شبه الكامل على مداخيل النفط الذي يظلّ غير محصن أمام أي هزّة في الأسعار، وإن كانت في الوقت الراهن مستقرة. ومن المرشح أن تنخفض قيمة الدينار الجزائري، تبعا لذلك، أمام العملات الدولية، لاسيما الدولار الأمريكي الذي يساوي حاليا في المبادلات الرسمية 79,435 دينار، والعملة الأوروبية الموحّدة التي يساوي واحد أورو 107,704 دينار الجزائري، من دون الأخذ بعين الاعتبار سوق العملة السوداء التي تملك بورصة عملات خاصة بها لا تخضع لسوق الصرف الرسمية، التي عادة ما يجد المواطن نفسه مضطرا إلى التعامل معها، على الرغم من ارتفاع أسعارها تصل قيمة العملة الأوروبية إلى ما يفوق 145 دينار. وعلى هذا الأساس، فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية من جهة والارتفاع المستمر في أسعار المنتجات، لاسيما المواد الاستهلاكية منها، يلغي الفائدة من الزيادات في الأجور التي انتزعتها عدة قطاعات، وفي قطاع الوظيفة العمومية بالدرجة الأولى، بشكل مؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، بينما تعجّل مراجعة المادة 87 مكرر من القانون90-11 المتعلق بعلاقات العمل بخصوص إعادة النظر في قيمة الحد الأدنى من الأجر الوطني المضمون خيار التخفيض الإرادي لقيمة الدينار. ومن الناحية العملية، فإن تخفيض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 9 في المائة يعني تحوّل القيمة الحقيقية والفعلية ل100 لتساوي 90 دينارا، بينما يؤثر هذا التخفيض أيضا على أسعار الصرف مع العملات الأجنبية لينتقل الأورو مثلا من 102 دينار إلى 104 دينار ثم 108 دينار في سوق العملة الرسمية، الأمر الذي يرشح فاتورة الاستيراد إلى الارتفاع إلى مستويات أعلى، ليس بسبب ارتفاع حجم المواد المستوردة فحسب وإنما بحكم تراجع قيمة العملة الوطنية أمام العملات العالمية. وتعتزم الحكومة، عبر قانون المالية للسنة الجارية، زيادة الإنفاق العمومي ب11,3 في المائة لتعزيز الاستثمار وتجنب التوترات الاجتماعية، وتتوقع ارتفاع العجز إلى 18,1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم توقعات بزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي ب4,5 في المائة. ويشير خبراء التنمية الاقتصادية لمنطقة شمال إفريقيا إلى أن عجز الميزانية في 2014 لن يقلّ عن 60 مليار دولار، بسبب تضاعف مصاريف الحكومة ب12 مرة في ظرف 15 سنة، بينما تقدّر نفقات التسيير ب4714 مليار دينار بارتفاع بلغ 8,7 في المائة مقارنة ب2013، كما سجلت نفقات التجهيز ارتفاعا بلغ 15,6 في المائة لتصل إلى 2941 مليار دينار، الأمر الذي يرشّح الجزائر للوقوع في عجز كبير على الرغم من استقرار احتياطيات الصرف، بالنظر إلى تواصل ارتفاع تكاليف الإنفاق على المشاريع البنية التحتية في مجال البناء والأشغال العمومية وغيرها، وتفضيلها خيار عدم إثارة الجبهة الاجتماعية عن طريق مواصلة سياسة دعم أسعار المواد الأساسية التي تكلّف الخزينة العمومية أعباء كبيرة تصل إلى 30 في المائة من ميزانيتها.