أجمع المتابعون للشأن البيداغوجي في قطاع التعليم العالي على خطورة استمرار إضرابات الطلبة في عدة تخصصات، على رأسها إضراب الأطباء المقيمين وطلبة المدارس العليا للأساتذة، التي ستشكل قنبلة موقوتة للموسم الجامعي المقبل إذا أبقي على السنة البيضاء كواقع حقيقي، بالنظر إلى الاكتظاظ ونقص التأطير والهياكل عبر المؤسسات الجامعية، ناهيك عن الضربة التي يمكن أن تتعرض لها الجامعة الجزائرية من حيث السمعة أو جودة التكوين. فبعد أن دقت نقابة الأساتذة الجامعيين الاستشفائيين ناقوس الخطر بتأكيدها بلوغ الخطوط الحمراء للسنة الدراسية للأطباء المقيمين، بعد أن أصبح شبح السنة البيضاء حقيقة، ومناشدتها وزارة التعليم العالي التدخل السريع لأن الوقت، حسبها، لم يعد في صالح الجميع من أجل تدارك الدروس الضائعة قبل السقوط في مطب استحالة هذه المهمة، لتلقي هذه النتائج بظلالها على الموسم الجامعي المقبل بكل ثقلها وتجعل منه موسما استثنائيا محفوفا بالمخاطر، يصعب فيه التأطير بسبب قوة العدد، يأتي الدور على الفاعلين في قطاع التعليم العالي الذين حذروا بدورهم من العواقب الوخيمة لذلك.
السنة البيضاء سترفع من حدة الاحتجاجات وتضر بوزن الجامعة
يرى الناطق الرسمي لمجلس أساتذة التعليم العالي "كناس"، عبد الحفيظ ميلاط، أن الإضرابات المفتوحة لأكثر من أربعة أشهر تعني سنة بيضاء، وهو مؤشر خطير من شأنه التأثير سلبا على سمعة الجامعة الجزائرية وتصنيفها العالمي، فإذا حدث وأعلن رسميا عن ذلك، فستكون سابقة في القطاع ستدفع الجزائر ثمنه غاليا، بالنظر إلى أن الجامعة في كل دولة هي صورة البلد، والإعلان عن ذلك يعني اهتزاز هذه الصورة من جهة وضياع كل مكاسبها في التصنيف من جهة أخرى، حسب المتحدث. وإذا كانت الجامعة الجزائرية تصنف في السابق في الرتبة الألفين أو أكثر، فبموجب هذه الخطوة ستكون خارجة عن التصنيف أصلا، يضيف ميلاط. أما عن تأثيرها على الموسم الجامعي، فقال المتحدث إن الأساتذة يعانون من الاكتظاظ حاليا، حيث وصل عدد الطلبة في الفوج الواحد إلى 70 طالبا، رغم أن المعيار العالمي يؤكد على ضرورة أن لا يتجاوز العدد 20 طالبا، وإن حدثت السنة البيضاء فلا يمكن حتى تصور عدد الطلبة في الفوج الواحد، لأن المعيدين سيؤثرون على كل السنوات، ناهيك عن استحالة التكفل بسبب نقص التأطير وحتى الهياكل، وحتى مقترح التدريس ليلا لن يجد صداه لأنه مرفوض من الأساتذة والطلبة، فلا يمكن تصور طالبات يخرجن من الجامعات في العاشرة ليلا، يضيف المسؤول ذاته. التحذيرات نفسها جاءت على لسان الأمين العام للطلابي الحر، صلاح الدين دواجي، الذي أكد أن السنة البيضاء تعني ألغاما كثيرة سيصعب تفكيكها في الموسم الجامعي المقبل، فأكثر من 150 ألف طالب مضرب، 40 ألف منهم ب11 مدرسة عليا للأساتذة، 70 ألف ب23 معهدا للتربية المدنية و15 ألفا للمقيمين وأكثر من 20 ألفا بعلم المكتبات، وهي إضرابات يمكن أن تزداد حدتها في حال القبول بحتمية السنة البيضاء وستبقى الأجواء المشحونة داخل المؤسسات الجامعية والتي لا تخدم أي طرف، حسبه، كما ستلقي بظلالها الموسم المقبل وتفتح باب الفوضى والاحتجاجات المفتوحة بسبب الضغط.
المعيار العالمي يقر بسنة بيضاء بعد شهرين من الإضراب
تحدث كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالاستشراف سابقا، بشير مصيطفى، عن آثار السنة البيضاء بتأكيده ل"الخبر" أن الآثار البيداغوجية ستنعكس على الحجم الساعي عن كل يوم إضراب، والمعيار العالمي يؤكد أن شهرين من الإضراب يساوي سنة بيضاء، والمعيار الوطني يتحدث عن التدارك، وهو ما أصبح صعبا بعد أن أعلن عن هذه الأخيرة عند الأطباء المقيمين وحتى المدارس العليا للأساتذة الذين دخل إضرابهم أربعة أشهر، وحتى تعويض الدروس، حسبه، سيطرح مشاكل أخرى وهو إلغاء الراحة البيداغوجية المتمثلة في العطل، وحتى نوعية التكوين لن تصل أبدا إلى مستواها في الحالة العادية بحكم السرعة والحشو، كما ستكون لهذه الحتمية آثار مالية أيضا بالنسبة للميزانية العامة للقطاع للموسم الجامعي المقبل، يضيف مصيطفى، وسيكون قطاع التعليم العالي عبئا على الحكومة ككل ويتجلى ذلك في ميزانية 2019 خاصة مع تزامن الوضع والظروف الاقتصادية الحرجة للجزائر، ناهيك عن الموارد البشرية التي ستشكل ضغطا واسعا من الطلبة تؤثر قوة عدده على التأطير الذي سيتسبب في تراجع مستوى التكوين، كل ذلك سيؤدي لا محالة إلى تراجع مرتبة الجزائر عالميا، خاصة بالنسبة للهيئات المعنية بالتعليم ك"اليونيسكو" خصوصا على مستوى الجودة، يضيف كاتب الدولة السابق.