{أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} توالت نعمة الأنبياء والرّسل إلى بني آدم لإقامة الحجّة، وبيان المَحجّة، {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}، فكلّما تطاول العهد، وأخلف القوم الوعد بعث الله رسلاً مبشّرين ومنذرين، أو بعث فيهم نبياً يذكّرهم زُبُرَ الأوّلين ويدعوهم إلى رسالة سلمت أو كتاب سبق، وقد سمّى الحقّ هذه الكتب بالزُّبُر، بضم الباء أمّا بفتحها فقطعة الحديد، كما في قوله تعالى: {زُبَرَ الْحَدِيدِ}، وتأتي بمعنى الفِرق {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً}، أي فِرقًا وأحزابًا، وطوائف وشيعًا، أمّا بمعنى الكتب كما في آية العنوان وأيضاً {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}. وقد اختصّ رمضان بنزول القرآن فيه، وقيل بل نزلت فيه أيضًا الكتب الإلهية الأخرى كما في مسند أحمد أنّ صحف إبراهيم نزلت في أوّل ليلة منه، وأنّ التوراة نزلت لستً مضين، ولذلك اقتحم بعض الصهاينة الأقصى لأداء طقوس منذ يومين احتفالاً بذلك، وأنّ الإنجيل نزل لثلاث عشرة خلت منه، والقرآن الكريم لأربع وعشرين، والمشهور لسبع وعشرين، أي ليلة القدر: نسخت به التّوراة وهي مضيئة وتخلف الإنجيل وهو ذكاء فهو المهمين على الكتب كلّها، مستوعب لما سبق: لا تذكر الكتب السّوالف عنده طلع النّهار فأطفأ القنديلا والمِزبَر القلم، فالكتاب مزبور لما خُطّت به الكلمات ورُقّمت الحروف، وقد ذكر الحقّ سبحانه أهل مكة حين عاندوا الوحي، وعادوا صاحب الرسالة، بل عاثوا في الأرض مفسدين: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أي هؤلاء يظنّون أنّ لهم مزية في كفرهم عن أمم سبقت عمروا الأرض أكثر ممّا عمروها، أهلكهم الله وأباد خضراءهم... أم أنّ أهل مكة عندهم براءة في الزُّبُر، كما يزعم أصحاب صكوك الغفران، أو اتّخذوا عند الله عهدًا، أنّهم في حصانة من عذاب أو مأمن من عقاب.. فهل يملكون ذلك؟ قطعًا لا، فلا هم خير البرية، بل شرّها، ولا نالوا شرف المسامحة والعفو كما نالها أهل بدر {اعْمَلُوا ما شئْتُم؛ فقدْ غَفَرْتُ لكُم}، فعلى أيّ برهان يستندون؟ وعلى أيّ حجّة يقومون؟ {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} وكلّ شاة برجلها تناط، وجحود الأمم اليوم من ذاك القبيل، وظلمهم في الأرض نبت ذاك الغِراس، وما علا بنيانهم إلاّ على هذا الأساس، فإن لم تسبق الأقدار بتوبة.. فسيؤتى بنيانهم من القواعد ويخرّ عليهم السّقف، ولات ساعة مندم! أستاذ بجامعة المسيلة وإمام ببوسعادة