لم يكن حديث الوزير الأول أحمد أويحيى عن ملف الأقدام السوداء صدفة، وجاء متماشيا مع الرسالة التي حملها إلى السلطات العليا في الدولة بعد عودته من زيارته الخاطفة إلى باريس والتي تمت بتكليف بمهمة تضمن المشاركة في قمة باريس حول تسوية الأزمة الليبية. على هامش القمة المذكورة، وفي لقائه مع مستضيفه في قصر الإيليزي الرئيس إيمانويل ماكرون، يستعلم عن الأسباب التي تدفع باريس لتصعيد التوتر مع الجزائر بتوظيف ملفات حساسة من الناحية الأمنية بالنسبة للجزائر، والتي تجلت مضامينها من خلال الحرب بالوكالة التي يشنها المغرب على الجزائر باستغلال ورقة النزاع مع جبهة البوليزاريو، ومع الجيران في الجنوب، النيجر ومالي، بتوظيف ورقة المهاجرين غير الشرعيين، وشرقا، حشر باريس أنفها في الملف الليبي بقوة مع استعانة بشركاء الجزائر في الجامعة العربية والذين يباركون مسعاها الرامي لتطبيع الوضع الليبي بعيدا عن مزيد من الدماء والخراب. ومثلما قال أويحيى عقب لقاء ماكرون، انشغالات باريس كانت حاضرة بقوة، فيما تعلق بالجانب التاريخي وحيثيات فتح الباب أمام الأقدام السوداء للعودة لموطن الولادة، وبوجه خاص الامتيازات الاقتصادية والثقافية، بينما ركز أويحيى على مسألة الذاكرة في شقها المرتبط باسترجاع رفات المقاومين والأرشيف، وتوضيح المواقف الفرنسية من القضايا الإقليمية التي تؤثر مباشرة على استقرار الجزائر. ولم يكن ليطيل أويحيى في الرد على مطالب ماكرون، وبمجرد عودته بعث برسالة فيها استعداد جزائري للتعامل بإيجابية مع المطلب المتعلق بالأقدام السوداء والسماح لهم بزيارة الجزائر ومناطق نشأتهم وربما استعادة أملاك يطالبون بها منذ سنوات ومصنفة ب”الأملاك الشاغرة”. إذ بعد يومين من العودة من الرحلة الباريسية القصيرة، صرح أويحيى في تظاهرة اقتصادية سلم خلالها جائزة أحسن مؤسسة جزائرية للتصدير خارج المحروقات لسنة 2017، (جائز التصدير 2017)، داعيا المتعاملين الاقتصاديين، حسب وكالة الأنباء الجزائرية، إلى التوجه نحو الجالية الجزائرية المقيمة في مختلف أنحاء العالم “التي يمكن أن تكون حلقة وصل في ترقية المنتجات الجزائرية وكذا جاليات قدامى الجزائر في الخارج (الأقدام السوداء) التي يمكنها فتح أبواب لدخول الأسواق الخارجية”. واستكمال لنتائج لقاء أويحيى - ماكرون، اتفق وزير المجاهدين الطيب زيتوني والسفير الفرنسي على التنسيق من أجل مواصلة عمل اللجان المشتركة في جميع الملفات العالقة والمتعلقة أساسا بملف الذاكرة، حيث ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عن بيان للوزارة أن الاتفاق ينص على التنسيق “عبر القنوات الدبلوماسية من أجل مواصلة عمل اللجان المشتركة في جميع الملفات العالقة، وهي استرجاع رفات شهداء المقاومة الشعبية، المفقودين، الأرشيف، وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في أقرب الآجال”. هذه الملفات جرى بحثها لدى زيارة ماكرون للجزائر في 6 ديسمبر الماضي، مقابل إبداء الجزائر مرونة في التعامل مع الملفات التي تريد باريس الحسم فيها مثل السماح للأقدام السوداء والحركى وأبنائهم بزيارة “موطنهم الأصلي”، كخطوة لطي صفحات الماضي، والكف عن الكلام عن الاعتذار والتعويض. وتعرف العلاقات الجزائرية الفرنسية كثيرا من التجاذبات من حين لآخر، وهذا لعدة أسباب، ما جعلها تعكر صفوها، والمرتبطة أساسا بالماضي الاستعماري لفرنسا، أبرزها مطالبة الجزائرفرنسا بالاعتذار عن الجرائم الإنسانية والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، واستعادة الأرشيف، وممتلكات من يوصفون ب”الأقدام السوداء”. وبمناسبة الذكرى 55 للاستقلال، قال الرئيس بوتفليقة في 5 جويلية 2017 إن شعبه ما زال مصرا على اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية في الجزائر، وهو التذكير الذي جاء متزامنا مع وصول إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم في باريس، الذي وصفته الموالاة في الجزائر بالسياسي الذي له مواقف “جريئة” من الملف الاستعماري. من جانبها، تصر باريس بتياريها اليميني واليساري على رفض فكرة الاعتذار عن ماضيها الاستعماري، رغم إقرار المسؤولين الفرنسيين بالانتهاكات التي ارتكبتها بلادهم، لكنهم يرفضون الاعتذار، وخلال زيارة للجزائر في فيفري2017 كمرشح للرئاسة، قال ماكرون إن “الاستعمار الفرنسي للجزائر تميز بالوحشية وشهد جرائم ضد الإنسانية”. وأضاف “لكن لا يمكن أن نطلب من الشعب الفرنسي أن يعتذر للجزائريين”.